الحديث عن مصر والهند والصين يثير في الاذهان ذكريات الزمن البعيد, كما انه يطرح التساؤلات حول الواقع الاقتصادي الجديد, ويعد قطاع تكنولوجيا المعلومات من أبرز المناطق الواعدة التي تدفع بمصر الي جانب الهند ثم الصين علي الصعيد الاقليمي والدولي. كما انه يعد ابرز ادوات التنمية والنمو علي الصعيد المحلي. ونقصد بكلمة الواعدة, صناعة التعهيدoutsourcing والتي قد تبدو غير مألوفة خارج نطاق تكنولوجيا المعلومات والسوفت وير, ولكنها أصبحت الحل السحري الذي تعلقت به الكثير من الاقتصادات الآسيوية وتحديدا الهند مع محاولات الصين اللحاق بها, لدعم معدل نموها الاقتصادي ومواجهة البطالة علي أرضها, من خلال خلق فرص العمل امام الآلاف, وإن لم يكن مئات الآلاف, من الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويا, بالإضافة الي تنمية المناطق والاقاليم علي ارض الدولة الواحدة. فقد ساهمت ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في حدوث طفرة في اوجه تقديم الخدمات للقطاعات المختلفة علي صعيد الدولة الواحدة ومنها الي العديد من الهيئات والمؤسسات الخارجية والدولية. فكان مصطلح التعهيد الذي يعني نشاطا متكاملا من خلال تكنولوجيا المعلومات والسوفت وير, يقوم علي تقديم الخدمات المختلفة لقطاعات متنوعة, ومن هنا يطلق البعض عليها اسم المكاتب الخلفية التي تتولي تقديم هذه الخدمات من جانب دولة الي أخري او مجموعة من المؤسسات الخارجية والدولية, ويحلو للبعض الآخر تسميتها باسم رهائن التكنولوجيا المنزلية. ومن الامور المبشرة علي صعيد الاقتصاد المصري, الاهتمام والنمو الذي يسجله قطاع تكنولوجيا المعلومات وعلي الرغم من الازمة المالية العالمية التي ضربت الكثير من القطاعات الاقتصادية التقليدية, حيث اعتبرت صناعة التعهيد من ابرز عوامل مواجهة هذه الازمة وتقديم الحلول الكفيلة بمواجهتها. وقد طرحت مصر في هذا الصدد, باعتبارها واحدة من اهم خمس اسواق عالمية واعدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات, يساعدها في ذلك الموقع الجغرافي والكوادر المؤهلة, بالإضافة الي تشجيع الدولة في هذا الصدد للمستثمرين المصريين والاجانب. من هنا كانت اهمية الدور الذي تلعبه هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات ودعم الدولة ومبادرات القطاع الخاص. وقد يقول قائل هل تتحدث عن تكنولوجيا المعلومات وعالم الانترنت والاتصالات, بينما هناك مناطق في انحاء البلاد تتطلع الي العديد من الاستثمارات للخروج بها من اوضاع اقتصادية غير مواتية ومواجهة تحديات الفقر ونقص الخدمات الاساسية؟ الرد بالايجاب ليس ضربا من الخيال, ولكن يعتمد بصفة اساسية علي استقراء تجارب الآخرين في مجال استخدام هذه التكنولوجيا وخدمة التعهيد وتعد الهند ابرز مثال في هذا الصدد, حيث استخدمت هذه التكنولوجيا وتلك الخدمة لمواجهة ازمة البطالة من ناحية, والتوسع في مشروعات البنية الاساسية ورفع مستوي المعيشة من ناحية اخري كما تسعي الصين الي اللحاق بها. حيث اصبحت خدمات التعهيد وقطاع تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بها من أبرز وأسرع قطاعات النمو في الاقتصاد الهندي بشقيه التقليدي والجديد. حيث تجاوز معدل النمو علي مدي الاثني عشر عاما السابقة نسبة ال33% وقفز نصيب هذا القطاع من إجمالي الناتج المحلي الهندي من12% في السنة المالية97 1998. الي5,8% في السنة الاخيرة المالية2008 2009 وعلي الرغم من انخفاض معدل النمو في السنة الي12% نتيجة ظروف الازمة المالية العالمية, ويكفي ان نشير الي ان ايرادات هذا القطاع قفزت الي71.7 مليار دولار مع نهاية السنة المالية الماضية, مقابل64 مليارا في السنة المالية السابقة عليها2007 2008. اما بالنسبة للصادرات من هذا القطاع والمتضمن خدمات التعهيد وتكنولوجيا المعلومات فقد بلغت47 مليار دولار, وبما يعادل66% من اجمالي الايرادات المتولدة عن هذا القطاع, ومعدل نمو للصادرات يتجاوز ال16 سنويا, وهذا يعني ان القطاع الذي يعود تاريخه الي مجرد عقد من الزمان, إستطاع ان يقفز قفزات هائلة وينافس العمالة في البلاد المتقدمة, وتحديدا العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات في كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا, نتيجة ارتفاع معدل التنافسية للعمالة الهندية. ومن هنا اصبحت قضية التعهيد والاعتماد علي خدمات تكنولوجيا المعلومات واحدة من أبرز القضايا التي طرحت علي ساحة الجدل السياسي الحزبي والشعبي في الولاياتالمتحدة وبخاصة في الانتخابات الرئاسية الامريكية عام2004, حيث اعتبر اعتماد الشركات والمؤسسات الامريكية علي تنفيذ خدماتها واعمالها ابتداء من خدمات شركات الطيران الي الخدمات المالية مرورا بالصناعات الهندسية وحتي الرسوم الكرتونية والطباعة والنشر علي مراكز أداء الخدمات والتعهيد الخارجية بمثابة اهدار لفرص العمالة امام القوة العاملة الامريكية في الداخل, وإهدار لفرص الدولة في تحصيل الرسوم والضرائب المستحقة علي هذه الشركات والمؤسسات. واذا كانت الاوضاع في الهند كذلك, فلابد ان نأخذ في الاعتبار ان هذه التطورات لم تأت من فراغ بل تمت في ظل سلسلة من الخطوات جديرة بالدراسة والاستفادة من جانبنا في مصر, حيث تتوافر كافة المقومات التي تجعل للعمالة المصرية في مجال التكنولوجيا نقطة جذب وفيرة تنافسية من حيث اللغة, المهارة, الموقع الجغرافي, كما ان هذه الصناعة تمثل بعدا جديدا وواعدا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل تشابه الظروف الاقتصادية الهندية والمصرية خاصة ان الصين وعلي الرغم من قفزاتها الهائلة في مجال النمو الاقتصادي التقليدي إضافة الي صادراتها من اجهزة التكنولوجيا الجديدة, قد أخذت علي عاتقها ملاحقة الخطوات الهندية في نطاق تكنولوجيا المعلومات وخدمات التعهيد. وبالعودة الي الخطوات الهندية علي طريق خريطة تكنولوجية المعلومات العالمية واهداف التنمية الاقتصادية الشاملة فانها تتلخص في: 1 الاستفادة من الخبرات التي تم تحصيلها من جانب مواطنيها العاملين في وادي السليكون.. بامريكا وقطاعات تكنولوجيا المعلومات في الدول الأخري وفي مقدمتها بريطانيا واستراليا وكندا, مع تقديم المزايا والحوافز المادية لتشجيع مشاركتهم واستثماراتهم في الوطن الأم. 2 البدء بجذب المؤسسات والشركات العالمية لانشاء مراكز تابعة لها في الهند مع التركيز علي العاصمة السياسية ونظيرتها الاقتصادية اي نيودلهي وبومباي لتوافر مقومات البنية الاساسية( مدن الاطار الاول). 3 الانتقال من المدن الرئيسية الي مدن الاطار الثاني ثم الثالث من خلال التوسع في برامج التعليم والتدريب الفعلي في مجال تكنولوجيا المعلومات واداء خدمات التعهيد من قبل العمالة الهندية في منازلها, ودون الاحتياج الي سلسلة من المكاتب والابنية. 4 تتم عملية الانتقال من اطار الي آخر من خلال تحول مقدمي الخدمة في ظل دعم حكومي وقوانين محفزة للتوسع في عمليات إنشاء البنية الاساسية من جانب القطاعين الخاص والعام علي حد سواء. وهكذا توالت الخطوات وكانت المنافسة العالمية التي يمكن ان تخوضها مصر بكل ثقة في ظل مواردها.