تداول امتحانات الترم الثاني 2024 لصفوف النقل عبر تليجرام    العمل تشارك فى احتفالية الاتحاد المحلي لعمال أسيوط    آخر موعد للتقديم على فرص عمل في السعودية.. الراتب يصل ل30 ألف ريال    أسعار الأسمنت اليوم الاثنين 13-5-2024.. الطن يسجل 2000 جنيه    4 إجراءات لتعزيز المنظومة البيئية للسياحة العلاجية والاستشفائية في مصر    تراجع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الاثنين 13 مايو 2024    رئيس جهاز قنا الجديدة يتفقد المرحلة الأولى من مشروعات المرافق بغرب المحافظة    تداول 15 ألف طن و806 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    انتقاد أمريكي جديد لممارسات إسرائيل في رفح الفلسطينية: لن تتلقى دولارا واحدا    «الجزار» يتفقد أعمال مشروع سد ومحطة «جوليوس نيريرى» الكهرومائية على نهر روفيجي بتنزانيا    نتنياهو: سننهي الحرب في غزة إذا استسلمت حماس وألقت سلاحها    بعد قرار بوتين بإقالة شويجو.. من هو وزير الدفاع الروسي الجديد؟    باحثة: القاهرة بدأت في الضغط على إسرائيل    السفير الأمريكي لدى إسرائيل ينفي حدوث تغير في العلاقات الثنائية    الدفاعات الجوية الروسية تدمر 16 صاروخا و35 طائرة مسيرة من أوكرانيا خلال الليل    تشكيل ليفربول المتوقع أمام أستون فيلا.. موقف محمد صلاح    ثلاثة لاعبين مصريين في الجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    نيمار يقلد رونالدو بعد تتويج الهلال    «التعليم»: أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024 لن تحمل أي ألغاز    خلال 24 ساعة.. رفع 46 سيارة ودراجة نارية متهالكة من الميادين    مواعيد قطارات المصيف القاهرة إلى مرسى مطروح.. اعرف محطات الوقوف    مصرع طفل رضيع في حادث موتوسيكل بالشرقية    فيلم شقو يتصدر المركز الثاني في شباك التذاكر.. كم حقق من إيرادات؟    لمواليد برج الجدي.. التوقعات الفلكية من 13 إلى 19 مايو 2024: «أخبار سعيدة خاصة بالعائلة»    شيخ الأزهر يزور مسجد السيدة زينب بعد الانتهاء من عمليات التجديد    جامعة الإسكندرية تستقبل قنصل الصين ووفد النواب لبحث التعاون البحثي والأكاديمي    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    اليوم.. «محلية النواب» تناقش موازنة محافظتي القاهرة والإسكندرية للعام المالي 2024/ 2025    بث مباشر.. جولة الرئيس السيسي لمنطقة الضبعة وتفقد مشروع مستقبل مصر    شقيقان يقتلان شابا فى مشاجرة بالسلام    حظك اليوم الإثنين، رسائل لبرجي الأسد والميزان (فيديو)    محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مداخل مدينة بنها (صور)    الأوبرا تحتفي بعمار الشريعى على المسرح الكبير    عبدالملك: سيناريو لقاء الإياب مختلف تمامًا.. ونهضة بركان سيدافع بقوة أمام الزمالك    السيطرة على حريق فى كافية بشبين القناطر دون خسائر بالأرواح    الافتاء توضح حكم ارتداء المرأة الحجاب عند قراءة القرآن    أرتيتا يثني على لاعبي أرسنال    أسباب وحلول لأرق الحمل: نصائح من الخبير لنوم هانئ    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 13 مايو 2024 في الأسواق.. كم سعر السمك البلطي؟    عقد مناظرة بين إسلام بحيري وعبدالله رشدي حول مركز "تكوين الفكر العربي"    "2100 مدرسة".. كيف استعدت التعليم لامتحانات الثانوية العامة 2024؟    مدحت العدل: ياسمين صبري معملتش دور جامد لحد دلوقتي    مؤلفة مسلسل «مليحة»: استخدمنا قوة مصر الناعمة لدعم أشقائنا الفلسطينيين    هل يجوز التوسل بالرسول عند الدعاء.. الإفتاء تجيب    مخاوف في البرازيل مع ارتفاع منسوب الأنهار مجددا في جنوب البلاد    بعد تعيينها بقرار جمهوري.. تفاصيل توجيهات رئيس جامعة القاهرة لعميدة التمريض    جهاد جريشة يعلق على ركلة جزاء نهضة بركان أمام الزمالك وتجاهل الحكم لطرد مباشر    محمد عبدالجليل يختار أفضل لاعبي الزمالك أمام نهضة بركان    لا أستطيع الوفاء بالنذر.. ماذا أفعل؟.. الإفتاء توضح الكفارة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك أن تستجيب دعواتنا وتحقق رغباتنا وتقضي حوائجنا    أزهري يرد على تصريحات إسلام بحيري: أي دين يتحدثون عنه؟    وزير التعليم: هناك آلية لدى الوزارة لتعيين المعلمين الجدد    منها تخفيف الغازات والانتفاخ.. فوائد مذهلة لمضغ القرنفل (تعرف عليها)    سر قرمشة ولون السمك الذهبي.. «هتعمليه زي المحلات»    «الإفتاء» تستعد لإعلان موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات قريبًا    وليد دعبس: تامر مصطفى هو من طلب الرحيل عن مودرن فيوتشر.. ولا يوجد خلافات    مستقبل وطن بأشمون يكرم العمال في عيدهم | صور    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جواسيس الحرب الباردة
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 07 - 2010

جمهور عريض في منطقتنا العربية من السياسيين والعامة مازالوا يحلمون بعودة الحرب الباردة وظهور منافس قوي للقطب الأمريكي‏.‏ وعادة ما يدور الرهان حول روسيا كبديل للاتحاد السوفييتي السابق. أو الصين مع سطوع نجمها الاقتصادي والعسكري في شرق آسيا وفي مناطق أخري من العالم‏.‏
وبرغم وجود علاقات إستراتيجية بين مصر وأمريكا‏,‏ فإن مصر تري في علاقاتها مع روسيا والصين مصدرا مهما لحرية حركتها الأمنية والاقتصادية‏,‏ وتراقب باهتمام علاقات الدولتين بالصديق الأمريكي‏.‏ وخلال السنوات الماضية‏,‏ وفي خضم حربي العراق وأفغانستان‏,‏ برز التحدي الروسي بدرجة ملحوظة ضد تمدد النفوذ الأمريكي في شرق أوروبا وانضمام كثير من دولها إلي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو‏.‏ وقد وصل الاحتكاك في بعض المواجهات كما حدث في حالة جورجيا إلي مستوي خطير‏,‏ لولا عودة العقل إلي الطرفين‏,‏ ومراجعة النفس‏,‏ وأحيل الصدام المباشر إلي أطراف محلية تدين بالولاء لهذا الطرف أو ذاك‏.‏
وكذلك ما حدث عندما أصرت الولايات المتحدة في عهد الرئيس بوش علي نشر صواريخ دفاعية مضادة للصواريخ ومحطات رادار في بولندا وجمهورية التشيك بالقرب من الحدود الروسية‏,‏ ولجوء إدارة أوباما بعد وصوله للبيت الأبيض إلي حلول لهذه المعضلة تتميز بالمرونة‏,‏ وخالية من عناصر الاستفزاز لروسيا‏,‏ مع العمل دبلوماسيا إلي جذبها للمشاركة الفعالة من أجل استقرار أوروبا والعالم‏.‏ لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن‏,‏ وتفجرت قضية تجسس روسية في الولايات المتحدة لم تكن في الحسبان‏,‏ وأصيبت العلاقات الروسية‏-‏الأمريكية بجراح سوف تحتاج إلي بعض الوقت حتي تلتئم‏.‏ ولحسن الحظ سارعت القيادتان في موسكو وواشنطن إلي محاصرة الضرر ومعالجة النتائج المترتبة عليه‏,‏ أملا في يكون ما حدث آخر قصص التجسس الكبري بين البلدين‏.‏
هناك من يعتقد أن أنشطة التجسس وأعمال المخابرات لا تزدهر إلا إبان الحروب‏,‏ أو من أجل الاستعداد لها‏,‏ لكن الواقع يقول إنها عملية مستمرة في فترات السلم والحرب‏,‏ كما أنها تمارس ضد الأعداء والأصدقاء علي السواء‏.‏ وبرغم أن الحرب الباردة كانت تتسم بتجنب التورط في حروب ساخنة خوفا من تحولها إلي صدام نووي واسع بين القوي العالمية الكبري وعلي رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي‏,‏ فإن أنشطة التجسس بين القوي العظمي كانت في أعلي درجاتها حتي لا تؤخذ الدولة علي غرة‏,‏ كما أن الحفاظ علي الاستعداد العسكري النووي والتقليدي كان مقدسا في كل الأوقات‏;‏ مع حرص دائم علي النفاذ إلي المعلومات الحساسة والنوايا الخفية‏,‏ والتعرف عن قرب علي خطط العدو وقدراته العسكرية الحالية والمستقبلية‏.‏ ومن المعروف أن الحروب الأمريكية لم تتوقف منذ نشأة الدولة‏,‏ وبقدر الانتصارات في الحربين العالميتين الأولي والثانية واجهت أمريكا كثيرا من النكسات العسكرية بسبب نقص المعلومات أو الفشل في تحليلها أو الاثنين معا‏.‏ وهذا ما حدث في‏'‏ بيرل هاربر‏',‏ وفي‏'11‏ سبتمبر‏',‏ فقد كان الفشل في تبادل المعلومات في الأولي وراء فقدان الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي تحت وطأة الهجوم الياباني المفاجئ‏,‏ وفي الثانية كان ضعف التنسيق بين إدارات المخابرات المختلفة وضحالة الخيال وراء الكارثة الكبري‏.‏ وعلي العكس من ذلك تماما نجحت الولايات المتحدة في إخفاء‏'‏ مشروع مانهاتن‏'‏ السري الذي أدي في النهاية إلي بناء أول قنبلة نووية في تاريخ البشرية واختبارها عمليا فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي الأمر الذي أدي إلي استسلام اليابان في النهاية‏.‏
إعلان واشنطن مؤخرا عن فضيحة اكتشاف‏'‏ شبكة تجسس روسية‏'‏ في الولايات المتحدة جاء في توقيت بالغ الحرج مواكبا لعودة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من زيارته للولايات المتحدة وسط أحلام وردية عن تحسن في العلاقات بين موسكو وواشنطن‏,‏ ورغبة في تصديق الكونجرس الأمريكي علي معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية ستارت‏-.2‏ اتسم رد الفعل الروسي بالارتباك بعد تفجر الفضيحة‏,‏ وتراوح بين التريث في الإعلان عن موقف الدولة الروسية الرسمي وبين اتهام الولايات المتحدة بصناعة قصة بوليسية رخيصة الثمن من تأليف بعض قوي الداخل الأمريكي رغبة منهم في إعادة أجواء الحرب الباردة‏.‏ لكن ذلك لم يمنع موسكو في النهاية من الاعتراف بأن بعض المتهمين في هذه القضية مواطنون روس‏,‏ وأن القائمة تضم‏11‏ شخصا يعملون معا‏.‏ وسرعان ما تبدت ملامح صفقة سارع الجانب الروسي بالإعلان عنها حيث بادر بالإفراج عن بعض المتهمين في السجون الروسية بتهمة التخابر لصالح الولايات المتحدة ونقل معلومات نووية إليها‏,‏ ويبدو أن التجسس المستمر كان تقليدا معروفا بين الدولتين حتي بعد انتهاء الحرب الباردة‏.‏
وحتي الآن يبدو ما قيل عن حادثة التجسس متضاربا‏,‏ كما أن المعلومات السرية التي يتحدث عنها البعض تبقي الباب مفتوحا أمام مختلف التأويلات والتصورات خاصة أن المشتبه فيهم ليسوا من رجال السياسة أو الدبلوماسية أو الأمن‏,‏ وأن ما حصلوا عليه من معلومات لا يؤثر في مجمله علي الأمن القومي الأمريكي‏,‏ لا سيما أن أحدا لم يعلن بعد عن تفاصيل الاتهامات الموجهة إليهم‏.‏ ويري البعض أن المسألة تبدو أبعد ما يكون عن التجسس‏,‏ وتتلخص ربما في عمليات غسيل أموال لصالح شخصيات تعمل في الحكومة والمخابرات الروسية‏.‏ وهناك من يري أن فضيحة التجسس كان الهدف منها المساس بمكانة ميدفيديف لصالح بوتين‏,‏ حيث يري البعض أن الأول قد وقع أسيرا للرغبات والتوجهات الأمريكية وحملات الضغط علي إيران‏.‏
وبصرف النظر عن الفرقعة التي أصابت الدولتين الكبيرتين إلا أن التجسس يعتبر مسألة طبيعية سوف تستمر وتتواصل بينهما في كل الظروف‏.‏ ويبدوا واضحا من وجهة نظر وزير الخارجية الروسي أن توقيت الإعلان عن هذه الفضيحة اختير بعناية ودقة‏,‏ وأن هناك من أراد استهداف الزعيمين ميدفيديف وأوباما وخططهم المستقبلية المشتركة‏.‏ ومن غير الطبيعي أن تعلن وزارة العدل الأمريكية عن القضية في أعقاب مباحثات ميدفيديف مع أوباما وقبيل بدء التصديق علي معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية‏'‏ ستارت‏-2'‏ في الكونجرس الأمريكي برغم أنهم يتابعونها منذ ما يقرب من عشر سنوات‏.‏ كما يري كثير من المتخصصين في العلاقات الدولية أن أوباما نجح في استمالة الكريملين إلي فرض عقوبات علي إيران‏,‏ وأقنع الرئيس الروسي بدفع ملايين الدولارات لشراء طائرات بوينج أمريكية‏,‏ ومع ذلك لم يبادر أوباما بالاتصال بنظيره الروسي ميدفيديف لاحتواء القضية وتسوية المشكلة قبل أن يفقدوا السيطرة عليها‏.‏ ويبدوا أن التجسس المتبادل بين الدولتين كان شيئا عاديا ومستمرا برغم انتهاء الحرب الباردة‏,‏ وقد كانت موسكو أكثر مرونة في بعض الأحيان عندما اعتقلت جاسوسا أمريكيا بتهمة جمع معلومات عن الصواريخ الروسية‏,‏ لكن فلاديمير بوتين عندما كان رئيسا لروسيا أبدي قدر كبيرا من التسامح وقام بتسليمه للولايات المتحدة‏.‏
وفي النهاية‏,‏ ووسط أجواء لم يعشها العالم منذ سنوات الحرب الباردة‏,‏ أجرت الولايات المتحدة وروسيا مؤخرا أضخم عملية تبادل للجواسيس بينهما‏,‏ شملت‏10‏ أشخاص اعتقلوا في الولايات المتحدة بتهمة التجسس لصالح روسيا‏,‏ في مقابل‏4‏ أمريكيين كانوا يقضون أحكاما بالسجن في روسيا بنفس التهمة لصالح الغرب‏.‏ وبذلك يغلق البلدان ملفا هدد بنسف جهود الرئيسين باراك أوباما وديمتري ميدفيديف من أجل بناء شراكة إستراتيجية متينة بين الدولتين‏.‏ وقد علق مسئول روسي علي ما حدث قائلا أن ما جعل تبادل الجواسيس ممكنا بين الدولتين الروح الجديدة التي طبعت العلاقات الروسية‏-‏الأمريكية‏,‏ والمستوي العالي من التفاهم والثقة بين رئيسي البلدين‏.‏ وبرغم كل الضوضاء التي أثارتها قضية التجسس علي الولايات المتحدة‏,‏ حرص الرئيس ميدفيديف علي أن يرسل تهنئة بمناسبة العيد القومي الأمريكي إلي الرئيس أوباما متمنيا استمرار تطور العلاقات الروسية‏-‏الأمريكية‏,‏ وتعزيز الاستقرار الإستراتيجي بينهما‏,‏ من أجل دعم المصالح المشتركة بين الدولتين‏,‏ والحفاظ علي الأمن والاستقرار العالمي‏.‏

المزيد من مقالات د. محمد قدري سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.