في محلات السوبر ماركت الشهيرة يتراوح سعر كيلو اللحم البلدي بين50 و75 جنيها للقطع الأكثر تميزا, بينما في محلات الجزارة الكبري. يرفض أصحابها من الجزارين القدامي التنازل عن سعر60 جنيها للقطع المتميزة, و50 جنيها للقطع الأقل تميزا, وفي الأحياء الشعبية يتنافس أصحاب محال الجزارة الصغيرة علي سعر يتراوح بين45 و50 جنيها للكيلو! السلعة واحدة والزبون واحد, لكن الأسعار ليست واحدة, وبالتأكيد فهي تعبر عن حالة ارتباك شديد يعم سوق اللحوم البلدية, التي أصبحت سلعة بلا صاحب في سوق يحكمها الطمع والرغبة في تحقيق أكبر مكسب, وتعاني فجوة عميقة بين حجم ما ننتج وحجم ما نأكل برغم أننا بنتائج الدراسات العالمية أقل شعوب العالم استهلاكا للحوم, من باب العجز عن الشراء. يستهلك المواطن المصري حسب دراسات منظمة الأغذية والزراعة( الفاو) حوالي14 كيلو لحما سنويا حسب احصاء عام2008, فلو افترضنا أن متوسط ثمن كيلو اللحم العادي لدي محل جزارة في حي شعبي هو50 جنيها فمعني هذا أن الفرد يحتاج إلي750 جنيها سنويا ليأكل حوالي كيلو لحم كل شهر أي35 جرام لحم يوميا ولو افترضنا أن هناك عائلة من خمسة أفراد سيكلف استهلاكها السنوي من اللحوم حوالي3750 جنيها, وحوالي260 جنيها شهريا, فمن يستطيع أن يدفعها؟ بينما يعترف المسئولون بأن دخول فئة كبيرة من المواطنين لا تزيد علي450 جنيها شهريا. سوق اللحوم البلدية في مصر الآن لا تنافسها سوي سوق الذهب, الذي ترتفع أسعاره بشكل غريب ولا يفهم أحد لماذا يحدث هذا ونكتفي نحن بالفرجة, فاللحم له ناسه وقد قاربنا علي نسيانه. التعبير البسيط برغم عمقه قالته لي هناء التي تعمل في إحدي ورش الجلود كعاملة خياطة لبعض الوقت نظرا لقلة العمل بينما في الهايبر ماركت الشهير كانت اللحوم المرصوصة بعناية شديدة تعكس فعلا كلمات هناء فالأسعار تبدأ باللحم المفروم الأرخص سعرا ب55 جنيها بينما تتدرج حسب نوعية القطعة وأعلاها الانتركوت التي تستخدم للشي ويبلغ سعرها حوالي78 جنيها والكولاته حوالي75 جنيها, بينما تتراوح أسعار بقية أسعار القطع الأخري بين خمسة وستين وسبعين جنيها للكيلو. أحمد عبد الحميد, أحد عمال قسم اللحوم, يؤكد أن زبائن الهايبر الذين يشترون تلك اللحوم كانوا في البداية يعلقون علي ارتفاع الأسعار, ولكن الآن الناس يشترون خاصة من يريدون أجزاء بعينها ويعترف بأن الأسعار غالية جدا ولكن لكل سلعة زبونها وزبائن اللحوم في الهايبر غالبا من القادرين. في محل سوبر ماركت شهير آخر يعلن قسم الجزارة غالبا عن عروض خاصة للحوم, خاصة الأجزاء الأقل جودة ومنها الرقبة واللحم المفروم التي تتراوح أسعارها بين39 و45 جنيها بينما تصل أسعار بعض أجزاء اللحم إلي80 جنيها للكيلو الواحد وهي لحوم الاستيك الصغيرة سريعة الطهي التي يتم شيها في دقائق ويفضلها الأجانب المقيمون بالحي الراقي. في داخل سوق حي المعادي القديم يؤكد الحاج محمد صاحب أحد محلات الجزارة الشهيرة والقديمة بالحي أن مهنة الجزارة نفسها- كما يقول- مهنة مهددة بالانقراض, ويضيف عدد كبير من محلات الجزارة الصغيرة أغلقت خاصة من دخلوا المهنة حديثا, فأسعار الذبائح ارتفعت أسعارها حتي علي الجزارين أنفسهم فهل نبيع بدون أن نحقق أي مكسب؟ ويتابع: إن كيلو اللحم يأتي إلي بحوالي35 جنيها للحم غير المشفي بالعظم والدهن وكل ما لا يمكن بيعه أحيانا يمثل حوالي20% من الذبيحة, أي حوالي الربع, أي أن كيلو اللحم المشفي الذي اشتريه يصل سعره إلي حوالي43 جنيها, أي أنه لابد أن يتخطي55 جنيها لأستطيع الاستمرار في العمل لأن لدي عمالا وايجار محل وضرائب وماء وكهرباء وبالنسبة لي فالسعر العادل والمربح لابد ألا يقل عن ستين جنيها لزبون الحي الراقي. وبرغم أن الحاج محمد يري أن السعر العادل هو60 جنيها لزبونه فإن الحاج عبد اللطيف صاحب محل الجزارة الصغير بحي طره الشعبي علق يافطة كبيرة علي محله تؤكد أن سعر كيلو اللحم لديه ب45 جنيها فقط, معتبرا أنها فرصة ليأكل الناس اللحم كما يقول لكنها مشروطة طبعا بشيء واحد يشرحه قائلا: الزبون ليس من حقه أن يشترط أجزاء معينة بل أبيع اللحم كله علي بعض كما يقولون يعني الدهن علي القطع الجيدة والمتوسطة فلو صنفت اللحم سأخسر, فأنا أفاصل لساعات مع التجار الكبار الذين يذبحون لصالحهم ولو أراد بعض الزبائن الذين أعرفهم واعتادوا شراء أجزاء معينة كالعرق مثلا أو البفتيك فهذا يتم باتفاق خاص وبسعر مختلف ولكني لا ازيد علي خمسين جنيها, فنحن في النهاية في حي شعبي ولا يملك أحد أن يدفع أكثر من هذا. أرقام.. وثغرات الاحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الزراعة تشير إلي أن حجم الانتاج المحلي من اللحوم انخفض من855 ألف طن عام2005 إلي نحو ألف طن عام2009 بينما كان المستهدف الوصول إلي رقم950 ألف طن عام2011 والفجوة بين ما ننتجه وما نستهلكه من لحوم وصلت لحوالي50% في حين أن الخطة الخمسية2005 2010 هي أن ننتج حوالي77% من الاستهلاك وهو ما لم يحدث حسب تقرير لوزارة التنمية الإدارية, فالمشكلة إذن تخبرنا الأرقام هي في حجم الانتاج وهو ما يؤكده الدكتور سمير موسي مدير المجزر الآلي بالبساتين وهو أحد أكبر المجازر في مصر, إذ يعترف بأن المجزر لا يعمل سوي بثلثي طاقته القديمة, فقد انخفض حجم ما يتم ذبحه منذ بداية العام لحوالي30% تقريبا وبرغم ذلك يري أن الأسعار الحالية للحوم البلدية ليس فيها أي استغلال من جانب التجار أو الجزارين. ويضيف: أغلب الجزارين يشترون من تجار الجملة الذي يشترون من المربين وهناك بورصة هي التي تحدد الأسعار بشكل شبه يومي كما يحدث في بورصة الفراخ تماما وأغلب الجزارين يشترون من تاجر المواشي الكبير, والبعض يشتري من الجزارين الكبار الذين يذبحون عندي, ولكن بشكل عام لا أري أن هناك مغالاة, فالسعر غال في الأساس سواء من المربي أو تاجر الماشية, فأسعار اللحوم حسب آخر الأسعار عندي اليوم هي34 جنيها للبقري و32 للجاموسي ولكنها لحوم غير مشفاه والعظم بها يصل إلي15% من الوزن بخلاف الأجزاء الدهنية وبالتالي فعندما يبيعها الجزار بخمسين أو ستين جنيها فأمر طبيعي والمسألة عرض وطلب واللحوم البلدية صارت قليلة جدا. ويشير الدكتور سمير لجانب آخر يراه ثغرة لابد من سدها للمحافظة علي الثروة الحيوانية فيقول: لا أعرف لمصلحة من السماح بذبح البتلو؟! هم يمنعون الذبح لوزن أقل من120 كيلو جرام أي أن أكثر من وزن120 كيلو جراما يذبح, وبالتالي تركوا ثغرة للتحايل علي هذاوهناك عمليات ذبح تتم لأوزان أقل من هذا وأري أنه حتي ال120 كيلو لابد أن تمنع تماما, فلماذا أسمح بذبح عجل وزن120 كيلو جراما بينما لو ترك يصل وزنه لأكثر من600 كيلو؟ القرار لابد أن يمنع ذبح البتلو تماما وألا يقل وزن الذبح بأي شكل عن450 كيلو. مقاطعة جزئية محمود العسقلاني منسق حركة مواطنون ضد الغلاء التي تولت عمليات مقاطعة اللحوم أكثر من مرة وآخرها الخامس من أبريل, يؤكد أن حل المقاطعة لايزال ساريا وربما يكون هو الحل الوحيد للأزمة ما لم تتدخل القيادة السياسية لتوقف هؤلاء المستغلين وما يفعلونه, ويضيف: لأول مرة في تاريخ الحركات الشعبية تنجح حركة في إحداث تأثير مباشر علي السوق, فقد اعترف رئيس شعبة الجزارين بأن10% من محلات الجزارة أغلقت بسبب المقاطعة ولذلك ننوي الاستمرار ولكن بشكل مختلف, حيث سندعو لمقاطعة جزئية, بمعني دعوة الناس لتخفيض ما يستهلكونه للنصف لأننا عندما نقاطع بشكل كامل ترتفع أسعار الفراخ والأسماك فكل سوق لها مستغلوها ولذلك سنحدث نوعا من التوازن للضغط علي الجميع. مفاجأة يفجرها العسقلاني عندما يؤكد أن جميع لحوم الهايبر ليست بلدية, برغم أنها أحد أهم عوامل اشتعال سوق اللحوم في مصر فيقول: برغم طمع كثير من الجزارين فإن ظاهرة الهايبر ماركت أدت دورا كبيرا في تحريك سوق اللحوم لحد رهيب فلأول مرة في مصر كنا نري لحوما ب80 جنيها وهؤلاء برغم أنهم يخاطبون مستهلكا لا يهتم كثيرا بالسعر إلا أنهم أثاروا غيرة الجزارين ودفعوهم لتجربة رفع أسعارهم بما أنهم في سوق لايحكمهم فيها إلا البحث عن مزيد من الربح, والمفاجأة التي لا يعلمها أحد هي أن بعض محلات الهايبر الكبري لا تستخدم اللحوم البلدية بل المستوردة حية ويتم ذبحها في مجازر السخنة غالبا ويتم توريدها لهم مباشرة ولكنهم يحرصون علي إزالة الأختام الزرقاء الخاصة باللحوم المستوردة ليعطوا ايحاء للمستهلكين بأنها لحوم بلدية.!