تعيش فرنسا هذه الأيام.. موجة غير مسبوقة من الروايات المؤكدة وغير المؤكدة.. عن الفساد.. وإهدار المال العام.. بشكل بات معه المراقبون يتساءلون... عن مدي تأثير هذه القضايا المتلاحقة.. علي الرئيس ساركوزي.. ونظامه.. وفرصه في فترة رئاسة ثانية في2012.. أقوي هذه الروايات.. وأشدها قربا والتصاقا ربما إن صدقت هي قضية الملياردير الفرنسية ليليان بيتنكور أغني سيدات فرنسا.. وصاحبة شركة لوريال.... الرواية بدأت بعلامات تساؤل واستفهام حول عمل فلورانس فيرت زوجة إريك فيرت وزير الميزانية السابق..( ووزير العمل الحالي) كمستشارة مالية لليليان بيتنكور وريثة لوريال.. ومدي مشروعية مثل هذا العمل.. وتعارضه مع منصب ومسئوليات المسئول الكبير في حكومة فرنسا.. وخرج الكل مدافعا عن إريك فيرت.. ومؤكدا ثقته الكبيرة في الحزب الحاكم.. حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية.. الذي يتولي فيرت مسئوليته المالية... ورئيس الوزراء فرانسوا فيبون.. وأيضا الرئيس نيكولا ساركوزي... غير أن الأصوات ظلت تتعالي.. والشكوك ظلت تتواصل حول تناقض عمل الزوجة في ظل مناصب زوجها ومسئولياته. إلي أن فاجأ قصر الإليزيه المراقبين والمتابعين.. مساء الأحد الماضي.. ببيان يعلن فيه أن الرئيس ساركوزي.. قد قبل استقالة كل من آلان جوينديه وزير الدولة للتعاون.. وكرستيان بلان.. المسئول عن ملف تطوير باريس الكبري الجديدة وخرج لوك شاتيل وزير التعليم والمتحدث باسم الحكومة يعلن أن الاستقالة.. أو بالأحري الإقالة.. تمت بناء علي طلب من الرئيس ورئيس الوزراء.. وذلك بعد أن كشفت صحيفة لوكانار أنشينيه الأسبوعية الساخرة عن أن الأول جوينديه قد أستأجر طائرة خاصة بمبلغ146 ألف يورو للتوجه إلي جزر المارتينيل.. لحضور مؤتمر هناك... أما الثاني.. كرستيان بلان.. فقد اشتري سيجارا من الميزانية العامة.. الأموال الرسمية بمبلغ12 ألف يورو.. ولكن الصحيفة نشرت هذا في منتصف يونيو.. وقرار الاستقالة جاء في4 يوليو. وقد اعتمد ذلك بمثابة محاولة لتخفيف وطأة الانتقادات والاتهامات الموجهة إلي الحكومة والمسئولين.. وأيضا إذا كان يستهدف تخفيف الضغط وتحويل الأنظار عن قضية بيتنكور.. وإن كان القرار والتحرك قد جاء متأخرا؟!!.. ولم يمنع من وجود تساؤلات أخري حول الوزيرة فاضلة عمارة.. وزيرة شئون المدينة.. من أصول جزائرية.. والتي ذكرت أيضا لوكانار أنشينيه أنها تركت شقتها الوظيفية الحكومية.. لبعض أعضاء أسرتها يقيمون فيها.. بينما هي نفسها لا تستخدم الشقة.. وأيضا عن راماياد.. وزيرة الدولة للشباب.. التي أنفقت علي سفراتها وإقاماتها في الفنادق الفاخرة.. وفق ما يتردد أنفقت في ستة أشهر.. ما هو مخصص لها للسنة الكاملة وتطالب الآن بتخصيص أموال إضافية... وذلك في وقت تسعي فيه الحكومة لشد الأحزمة.. لخفض العجز الضخم في الميزانية.. إسراف إذن في جانب... وتقتير في جانب آخر.. وخاصة فيما يتعلق بميزانيات الضمان الاجتماعي والصحي.. فضيحة بيتنكور الضريبية ونعود لقضية بيتنكور... والتي تتعلق أساسا بما يمكن أن تكون قد حصلت عليه من استفادات... أو إعفاءات ضريبية.. نتيجة لالتحاق فلورانس زوجة إريك فيرت للعمل لديها.. وهنا نقول إن قرار استقالة الوزيرين سابقي الذكر.. لم يخفف من وطأة الضغط في قضية بيتنكور.. وإنما عزز الضغوط بل وتفجرت قنبلة مدوية.. عندما كشفت كليرتيبو المحاسبة السابقة للسيدة بيتنكور علي موقع ميديايارت عن أن وزير العمل الحالي إريك فيرت قد تسلم.. بوصفه أمين صندوق حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية... مبلغ150 ألف يورو نقدا. لتمويل الحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي في ربيع2007 ؟!!.. الخطير في هذا الادعاء. أنه اذا ما تأكد؟! فإنه سيكون غير قانوني حيث إنه وفقا للقانون الفرنسي.. فإن الحد الأقصي للهبة أو المنحة المسموح بها للحزب هو7500 يورو؟!.. وللمرشح4500 يورو فقط؟!.. وهنا تكمن المشكلة الكبري... حتي وإن كانت كليرتيبو قد أشارت إلي أنه جرت العادة علي أن تقدم بيتنكور هبات الأحزاب اليمين في فرنسا بما فيها حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية... وأيضا ساركوزي نفسه؟!.. وقد خرج الإليزيه وإريك فيرت ينفيان بشكل قاطع هذه الاتهامات.. ومع ذلك هنا ينطبق المثل القائل العيار إللي مايصبش.. يدوش البعض يربط بين هذه الحملة وخاصة ضد إريك فيرت.. وبين عملية إصلاح نظام المعاشات.. وهو الملف الصعب الذي يحاول ساركوزي انجازه.. والمسئول عنه إريك فيرت.. غير أن هذا ليس الملف الوحيد الذي أثير.. صحيح أنه الملف الذي يحظي بأكبر قدر من التركيز والترويج منذ بضعة أسابيع.. ودون توقف.. بل في كل يوم يظهر الجديد.. وتجري حاليا استعدادات وتحقيقات الادعاء العام.. حول إمكانية حدوث تجاوزات أو تزويرات ضرائبية من جانب عائلة بيتنكور.. كما صرح المدعي العام في فيرساي بأنه ينتظر حاليا نتائج تحريات وتحقيقات الشرطة فنيا حول صلاحية التسجيلات التي تم ضبطها.. من أجل القيام بالتحقيق حول احتمال وجود أي عمليات غسيل أموال أو تهرب ضريبي.. خاصة أن التسجيلات أشارت إلي وجود حسابين في سويسرا غير معلنين للضرائب... إضافة إلي عمليات تحويل إلي سنغافورة.. كراتشي جيت ولكن هناك أيضا ملفات أخري سبق إثارتها وإن لم تحظ بنفس القدر من الرواج والإثارة.. وعلي رأسها ما يسمي ب كراتشي جيت أو فضيحة كراتشي.. والتي أثيرت قبل بضعة أسابيع.. وإن لم يوجد ما يؤكدها القضية تتعلق بحادثة الاعتداء التي تعرض لها أوتوبيس خاص بإدارة الانشاءات البحرية الفرنسية في كراتشي عام2002 والذي أدي إلي مصرع14 شخصا من بينهم11 مهندسا فرنسيا كانوا يعملون في بناء غواصة هناك لباكستان.. فقد تم استدعاء رئيس وزراء فرنسا الأسبق إدوارد بالادير للاستماع إلي أقواله في لجنة التحقيق البرلمانية حول ما نشرته صحيفة ليبراسيون عن أنه متهم بأنه قام بتمويل حملته الانتخابية للرئاسة في1995 من عمولات تم الحصول عليها في إطار صفقة بيع غواصات بحرية لباكستان عندما كان ساركوزي وزيرا للمالية بين1993 و1995.. قاضي التحقيق تحدث عن رشاوي في هذه الصفقة وهي التي تسببت في عملية الاعتداء التي تمت في2002, وذلك لأن الرئيس جاك شيراك.. عندما فاز في الانتخابات علي منافسه إدوارد بالادير الذي كان يسانده ويساعده ساركوزي.. رفض الموافقة علي دفع باقي أموال العمولات الخاصة بالصفقة للباكستانيين... ومن هنا وفق بعض التحليلات والمعلومات المنشورة.. جاءت عملية الانتقام من فرنسا في هذا الاعتداء.. وإن تأخر لبضع سنوات.. التحقيق حولها لم يسفر عن أي تأكيد لهذه المعلومات وإن ظلت ظلال الشبهات موجودة في الأذهان.. يأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه شعبية ساركوزي إلي أدني المستويات..26%.. رقم لم يحدث من قبل.. مما يدعو للتساؤلات حول ما يمكن أن يكون عليه المصير في عام2012 حيث الانتخابات الرئاسية.. والانتخابات التشريعية معا.. خاصة أن معاناة الشارع الفرنسي قائمة ومتزايدة.. وما يمكن أن تتحدث عنه الحكومة من إصلاحات تحققت ليس لها أي انعكاسات علي الشارع وعلي المواطنين...