في الأيام الأولي من شهر يونيو الماضي, نعي تنظيم القاعدة علي الإنترنت مقتل أبواليزيد في ضربة جوية صاروخية علي المناطق القبلية في باكستان, حيث يعتقد أنها معقل لكثير من قادة القاعدة. وجاء في البيان أنه بالإضافة الي أبو اليزيد, قتل معه أيضا زوجته وثلاث من بناته وحفيدته, ورجال آخرون ونساء وأطفال. ويعتبر أبو اليزيد, أو الشيخ سعيد المصري, الرجل الثالث في تنظيم القاعدة بعد أسامه بن لادن وأيمن الظواهري,. وتشير بعض التقارير الي دور له في عملية اغتيال الرئيس أنور السادات1981, والوسيلة التي استخدمتها الولاياتالمتحدة للقضاء علي أبو اليزيد كانت طائرة بدون طيار تحمل اسم: بريداتورPredator أو المفترس, وهي طائرة ارتبط تاريخها بالحرب ضد الارهاب, وذاعت شهرتها مع الأشهر الأولي لحرب الولاياتالمتحدة في أفغانستان بعد أحداث11 سبتمبر المأساوية. ومن بين الأحداث التي لفتت الأنظار إليها في ذلك الوقت, قيام طائرة من هذا النوع في3 نوفمبر2002 بمهاجمة سيارة في اليمن, تحمل ستة أشخاص من بينهم قائد سالم سينان الحارثي, ويعتقد أنه كان منتميا الي تنظيم القاعدة في اليمن, ومازالت اليمن حتي الآن مسرحا مفضلا لعمليات هذه الطائرة. تعتبر الطائرة بريداتور من فصيلة الطائرات بدون طيار.UnmannedAerialVehicleUAV, وتختلف عن الصواريخ في أنها تستعمل لمرات عديدة وليس لمرة واحدة, وهي في حد ذاتها ليست سلاحا, ولكن من الممكن تزويدها بالصواريخ الموجهة, وتحلق البريداتور علي ارتفاعات متوسطة حتي9 كيلو متر, وتطير لمسافة قد تصل الي200 كيلو متر, ويمكنها البقاء في الجو ليوم كامل. وفي البداية كانت تستخدم لأغراض الاستطلاع المتقدم, ثم أضيف إليها مهام جديدة قتالية لاغتيال الأفراد, أو تدمير المواقع الاستراتيجية, وتطلب ذلك تزويدها بصاروخين موجهين من طراز إيه جي إم 114( هيل فاير). وقد دخلت الطائرة الخدمة علي نطاق واسع في1995 بعد حرب الخليج1991, ومع ظهور الإرهاب في أكثر من منطقة في الشرق الأوسط والعالم, صار لها دور متميز في أفغانستانوباكستان والبوسنة وصربيا والعراق. تعطينا الطائرة بريداتور درسا عمليا في فن اختراع الأسلحة الجديدة غير الموجودة من قبل لمواكبة مطالب عملياتيه مستجدة في الحرب. ويقتصر هذا الفن علي عدد محدود من الدول وفي الطليعة منه الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبسبب أن السلاح لم يكن موجودا من قبل بصورته الحالية بل تم بناؤه لتحقيق احتياجات عسكرية معينة, كان لابد من اللجوء الي تكنولوجيا العصر ومدي مايقدمه من فرص جديدة لتغطية هذه الاحتياجات المستجدة. وعادة ما يواجه العسكريون موقفا من اثنين لحل مشاكلهم العملياتية. فإما أن تكون التكنولوجيا الأساسية متاحة في تطبيقات أخري بعيدة تماما عن الحرب ثم نكتشف من خلال عملية بحثية دقيقة إمكانية استخدامها في بناء سلاح جديد أو إضافة قدرات ثورية لأسلحة موجودة بالفعل. والموقف الثاني, ألا تكون التكنولوجيا متاحة من الأصل فيتم تطويرها من البداية خصيصا من أجل بناء جيل جديد من الأسلحة تواكب مطالب القادة واحتياجاتهم الميدانية. وعادة ما تنتشر هذه النوعية من التكنولوجيا في تطبيقات وأسلحة أخري, وقد تجد مجالا لها في تطبيقات مدنية بمواصفات قد تختلف عن تلك المستخدمة في الميدان. ومن المعروف أن شبكة الإنترنت بشكلها الحالي المدني لها أصول في الماضي تعود الي كيفية تحقيق الاتصال في إدارة حرب نووية. في حالة الطائرة بريداتور بدأ مشوار التطوير بوضع مفهوم جديد للطائرة الحربية من أجل القيام بمهام غير تقليدية. وتم ترجمة هذا المفهوم النظري الي نموذج تجريبي, وعادة مايتم بناء أكثر من نموذج الي أن يستقر الأمر علي نموذج بعينه, إما لكفاءته أو بسبب عنصر التكلفة, أو لأسباب أخري قد تفرضها المطالب العملياتية. وقد مرت القوات المسلحة المصرية في فترة الاستعداد لحرب أكتوبر بمثل هذه التجارب غير التقليدية ربما لم ترق الي بناء سلاح جديد من الألف الي الياء, ولكن فلسفة المزج بين التكنولوجيات الجديدة والاحتياجات العملياتية المبتكرة كانت حاضرة بقوة في تلك الفترة. وقد طارت البريداتور لأول مرة في يونيو1994, وتم نشرها في عمليات حقيقية في البوسنة في1996, ثم انتقلت من ميدان الي آخر في أوروبا وآسيا. ومن أشهر العمليات التي شاركت فيها هذه الطائرة بنصيب وافر كانت حرب كوسوفو, حيث قامت برصد الأهداف بدقة, وتوصيل هذه المعلومات الي الذخيرة الموجهة علي متن الطائرات أو القطع البحرية. وأهم مايميز الطائرة بريداتور أنها بدون طيار, أو أن الطيار موجود خارجها علي بعد مئات الأميال وفي مقدوره توجيه الطائرة الي الهدف المطلوب إصابته, فاذا أصيبت الطائرة ستكون الخسارة محدودة لعدم وجود عنصر بشري في الطائرة. وقد يتحقق في المستقبل حلم إلغاء العنصر البشري كلية, وترك هذه المهمة الي الكمبيوتر نفسه المتصل بصورة مستمرة بكل مصادر المعلومات الي أن يتم القضاء علي الهدف وتدميره تماما. والطائرة أثناء قيامها بالمهمة تكون علي اتصال دائم بوحدة تحكم أرضية, ووحدة اتصال بالاقمار الصناعية. ولايقتصر استخدام هذه الطائرات في مهام للولايات المتحدة, بل تتولي مهام مشتركة في إطار حلف الناتو وفي أكثر من منطقة وخاصة في أوروبا الشرقية ومنطقة المتوسط. وتشارك هذه الطائرات في عمليات استخبارية علي مستوي حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وعادة ما تتكون الوحدة المتكاملة للنظام من4 طائرات, بالإضافة الي محطة أرضية للتحكم, ووحدة اتصال بالأقمار الصناعية. أضيفت الصواريخ هيل فاير لأول مرة علي الطائرة بريداتور في2001 داخل قواعد في باكستان و أوزباكستان, واستخدمت في الأساس في اغتيال أفراد وقادة أعتقدت القيادة الأمريكية أنهم من القاعدة. ومن فوائد استخدام مثل هذه النوعية من الطائرات بدون طيار أنها تجنب الدولة الحرج الدبلوماسي إذا سقطت الطائرة ووقع الطيار في الأسر خاصة أن مثل هذه العمليات قد تحدث بدون أخذ موافقة رسمية. وهناك أيضا جدل حول دقة هذه الطائرات في إصابة الهدف ومدي ماتحدثه من خسائر بشرية جانبية في مهمة قد تستهدف رجل واحد. وعلي سبيل المثال قتلت طائرة إسرائيلية48 فلسطينيا مدنيا في غزة في مارس2009, وقد استتبع ذلك تدخل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وقيامها بتحقيقات في أكثر من حالة ومدي ما اتخذته هذه العمليات العسكرية من احتياطيات لتجنب قتل أو إصابة المدنيين. وفي دراسة لمؤسسة بروكنجز الأمريكية تبين أنه من بين35 الي40 عملية هجومية بهذه الطائرات قتل فقط8 9 من رجال القاعدة, كما أنه لكل اغتيال واحد لأحد رجال القاعدة بهذه الطائرة يقابله مقتل10 من المدنيين بدون قصد بسبب نقص الدقة في إصابة الهدف. ومع كل هذا النقص والانتقاد والتشكيك في قدرات الطائرة بريداتور وهو شيء معتاد في تاريخ الأسلحة إلا أنها تشير الي عدد من التحولات المستقبلية في الآداء العسكري نما وتطورا منذ نهاية الحرب الباردة وحتي الآن. فالطائرة تتيح دمج المراحل في العملية القتالية واختصارها في مراحل قليلة أو في مرحلة واحدة. والمعتاد كان الفصل بين عملية جمع المعلومات وتحليلها, وعملية اتخاذ القرار بضرب الهدف, وعملية تحديد الوسيلة المناسبة لتنفيذ القرار. ويعيب هذا الفصل طول فترة التنفيذ, واحتمال اختفاء الهدف قبل تدميره, لكن الأسلوب الجديد يؤدي الي تركيز سلطة اتخاذ القرار في يد واحدة. ومن هنا تبدو الطائرة برايداتور مثالية, ففي استطاعتها التحليق في الجو علي مهل ولفترات طويلة, ثم الضرب بدون تردد إذا شاهدت هدفا أوقعه حظه العاثر في طريقها.