فتحت القمة العربية الخماسية من جديد ملفات تطوير وتفعيل العمل العربي المشترك, وهي ملفات ضخمة ومعقدة وقديمة ولم تر النور إلا بصيصا. ولا عجب أن تكون أوراقها هشة وأحبارها باهتة, فالتفكير في تطوير وتفعيل الجامعة العربية لم يتوقف منذ إنشاء الجامعة عام1945 وفي أروقتها وخارجها عقدت عشرات الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات لوضع بذرة التطوير, وبالفعل تم وضع مشروعات طموحة عندما تم الاستعانة برجال الفكر السياسي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الي جانب خبراء الجامعة العربية, ولكن للأسف كان مصير أغلبية تلك المشروعات الأدراج, ومن ثم لاعجب ان تصاب الجامعة العربية بالشيخوحة المبكرة قبل أن تبلغ سن الإحالة الي المعاش مجازا بينما استطاعت منظمة الوحدة الافريقية التي نشأت منذ عام1963 إحداث التطوير الاداري والسياسي مع مطلع الألفية الثالثة تحت مسمي الاتحاد الافريقي. وإذا كان ميثاق الجامعة العربية نصا وروحا لم يشر من قريب أو بعيد إلي أية آلية من آليات الديمقراطية أو المجتمع المدني أو المشاركة الشعبية.. الخ فإن ميثاق الاتحاد الافريقي علي خلاف ذلك تماما أشار صراحة أو ضمنا إلي استحداث المشاركة الشعبية ضمن فعاليات الاتحاد, وهي المشاركة التي لم تأخذ حظها في ميثاق منظمة الوحدة الافريقية1963 2000. ومن ناحية أخري فقد عاصرت إرهاصات ميلاد الجامعة العربية في سنواتها الأولي, وتحديدا منذ بداية الخمسينيات, تجربة الاتحاد الأوروبي التي تقدم لنا كأمة عربية نموذجا أمثل للاتحاد والتكامل, حيث أسفرت التجربة الأوروبية عن أول نص دستوري متكامل بمبادئه وأهدافه وآلياته عام2004, وواكب الدستور عملية توسيع الاتحاد ليشمل الأغلبية المطلقة من دول القارة الأوروبية, بينما نحن كأمة عربية مازلنا أسري البحث عن هياكل تنظيمية عبرت عنها المبادرات العربية التي تم طرحها أو تقديمها منذ أواخر القرن الماضي وحتي الآن, ولكنها كما سبقت الاشارة لم تتعرف علي الدروس المستفادة من الوثيقة الدستورية الأوروبية كنموذج أمثل, حيث تمنح أوروبا كتعبير مادي جغرافي وللمرة الأولي مفهوما سياسيا باعتبارها كيانا اتحاديا يضم أكثر من500 مليون أوروبي يعيشون تحت فضاء سياسي واحد, ويستهدف الاتحاد التكامل بين دول ومقاطعات وكيانات قومية غلب عليها طوال تاريخها الحروب والصراعات وتتحدث أكثر من عشر لغات. والدستور الأوروبي قد لا يرقي الي سقف طموحاتنا القومية كأمة عربية لها مقوماتها ووحدتها التاريخية واللغوية منذ العصور القديمة والوسيطة, الا ان الدستور الأوروبي يتلاءم مع روح العصر من ناحية, ويمكن ان يكون نموذجا لدستور عربي مماثل يراعي واقعنا بسقف طموحاته المتواضعة ويحافظ علي روح العروبة التي بدأ الظل يواريها لدي البعض سواء من حملة الأقلام أو العامة. وأكثر من هذا فإن فكرة صياغة مشروع دستوري عربي علي هذا المنوال والعمل به قد يعفينا من ضغوط مشروع شرق أوسطي كبير, يستهدف في المقام الأول تفكيك الكيان العربي, ومن ثم فإن قمة اكتوبر2010 هي المرشحة لإقرار مشروع دستوري جديد وغير مسبوق للجامعة العربية, من منطلق أن الجامعة العربية ليست أداة وحيدة للتجمع العربي بل هي في موقع الصدارة بين منظومة النظام الاقليمي العربي الذي يشمل أيضا الاتحادات المهنية العربية وأيضا التنظيمات الشعبية التي يجب إيجاد وشائج تربطها بالجامعة. وبشأن الاتحادات المهنية العربية فهي شبكة هائلة تغطي مختلف التخصصات من المهندسين والاطباء والمحامين والزراعيين والصحفيين والتربويين... الخ وقد تكونت طوال العقود الستة الأخيرة بهدف التطلع الي بناء مجتمع مهني عربي واحد يشكل بيت خبرة يعزز العمل العربي المشترك, ولا غني عنه لمسيرة العمل العربي المشترك. وهناك أكثر من خمسين اتحادا مهنيا عربيا تزامن نشأة بعضها في منتصف الاربعينيات مثل اتحاد المحامين العرب, واتحاد الاطباء العرب مع نشأة الجامعة العربية نفسها, وقد تزايد عدد هذه الاتحادات المهنية لتضم المزيد من التخصصات المختلفة من أصحاب القلم الصحفيون, والكتاب, الأدباء..الخ ومن صناع الحياة المهندسون, الفيزيائيون, الكيميائيون..الخ ومن أرباب الثقافة والإعلام الإذاعيون, الصحفيون, الموسيقيون... الخ ومن رجال التعليم المعلمون والتربويون.. الخ. والمهنيون هنا يمثلون ارادة الأمة العربية ودورهم يستكمل دور الحكومات العربية ممثلة في الجامعة العربية, وهكذا تبدو أهمية مثل هذه الاتحادات المهنية ودورها المهني والفكري والوحدوي لاسيما وانها تتحلي بسمة العقلانية في البحث والدراسة. ومن الأهمية الحفاظ علي استقلالية تلك الاتحادات التي تعبر عن وحدة العقل والفكر العربي. ولا يكفي الاكتفاء بالنظام الاستشاري الذي يربط تلك الاتحادات بالجامعة العربية. وإلي أن يتحقق تعديل ميثاق الجامعة العربية فإن العمل العربي المشترك سوف يظل مفتقرا الي دور مثل تلك الاتحادات وغيرها من الاتحادات الثقافية العلمية والاجتماعية والنقابية الأخري التي يجب تأمين استقلاليتها قبل اجراء أية تعديلات في ميثاق الجامعة كمباردة رسمية. ولم يكن الاتحاد الأوروبي وحده نموذجا أمثل لمشروع الاتحاد العربي, بل اهتم الفكر السياسي العربي منذ التسعينيات ايضا بمشروع منتدي دافوس المنتدي الاقتصادي العالمي بجنيف وأفاض رجال الفكر الاقتصادي العربي في الدعوة لإقامة منتدي اقتصادي عربي يحاكي المنتدي العالمي, ولقد تطلع د.كلاوس شواب الألماني المولد وسويسري الجنسية الي تأسيس المنتدي العالمي منذ بداية السبعينيات1971 لبلورة استراتيجية متناغمة فيما بين المشروعات الأوروبية لمواجهة تحديات السوق العالمية آنذاك. ويدرك المفكرون الاقتصاديون العرب ان تحديات السوق العالمية اليوم أكثر خطورة, ومن ثم فما أحوج الوطن العربي الي منتدي اقتصادي عربي مماثل, ولاسيما ان هاجس المنتدي في الأصل ليس اقتصاديا فحسب وإنما يعني ايضا باهتمامات ثقافية وفنية وإعلامية أيضا تحقيقا لمبدأ العولمة بمفهوم حضاري متكامل. وأخيرا.. فإن الأمل العربي معقود علي أجندة قمة اكتوبر.. لعل وعسي!!