قدم الدكتور فاروق الباز مفهوما مهما, ولافتا للولاء, وهو جدير بالمناقشة وإعمال الفكر( الأهرام, الخميس17 يونيو, قضايا وآراء, صفحة11) بدأه بأن الولاء صفة مرموقة تجسد أرقي صفات الانسان والتي تميزه عن باقي مخلوقات الله. وليس هدفي في الحقيقة التعقيب علي مقال العالم الجليل من الولاء للمهنة الذي طالعنا, في صدر مقاله, قدر ماهو توضيح لمفهوم آخر عن الولاء, يثري الفكرة, يكمل الصورة. والولاء عاطفة تتكون بين طرفين, وهما الولي, والمولي, نتيجة التفاعل, والتعامل, والعلاقات التي تجري بينهما, وهي علاقات متبادلة من الأخذ والعطاء, والطاعة والاتباع, والرعاية علي أساس من المحبة والثقة. ونستطيع القول إن كملتي ولي, ومولي مترادفتان وان كان لكل منهما ثقل معنوي معين, تبعا لنوعية الظروف أو الموقف الذي يظهر فيه الولاء من طرف الي الطرف الآخر, فالولي, والمولي مرتبطان أحدهما بالآخر, برباط التزام بولاية كل منهما للآخر في أمور محددة, ولاية ثابتة قائمة علي حقوق وواجبات متبادلة. والولائية نجدها في القرآن الكريم, بصور مختلفة كلها اجتماعية, وبصورة دينية بين الله وعباده, مذكورة سبعا وعشرين ومائة مرة. والولاء كعاطفة يبث في نفس الفرد تدريجيا وينمو, ويقوي ويشتد, أو قد يحدث العكس نظرا لظروف معاكسة, فيفتر, ويضعف, وقد ينعدم. فالزوج ولي زوجته, يمنحها حبه, ورعايته, وحمايته, وماله, والزوجة ولية زوجها, تمنحه حبها, ورعايتها, مشاركتها. والوالدان وليا أولادهما يمنحانهم حبهما ورعايتهما. والمعلم ولي طلابه, يمنحهم العلم والتوجيه والطلاب أولوياؤه يمنحونه امتنانهم, وحسن ذكرهم له. ومدير الاعمال. والمحافظ ورئيس الحي وعمدة القرية أولياء من يعملون معهم, ويرعون مصالحهم, وهؤلاء وبدورهم يولونهم طاعتهم, وينفذون تعليماتهم. والحاكم ملكا كان, أو رئيس جمهورية ولي الشعب, أو الرعية, أو بني الوطن يرعي مصالحهم, ويكون رمزا لهم, وهم بدورهم أولياؤه يلتفون حوله, ويقدرونه ويدينون له بالولاء. وجدير بالذكر أنه كلما سادت العدالة الاجتماعية في مجتمع, وانتشر فيه الحق والعدل, كان نظام الولاء فيه مبسطا وغير متشعب. وهذا هو الولاء البناء الذي يعمل علي تنمية العلاقات الاجتماعية السليمة. وبالولاء يكون الانتماء حقيقة ثابتة, وبدون الولاء يصبح الانتماء شكلا, وتصبح العلاقات الاجتماعية فارغة من مضمونها, ضعيفة الفاعلية, سطحية الأثر, وهذا ما يعانيه أغلبية الأفراد في الدول الغربية المتقدمة, حيث تزداد فيها نسب تعاطي المخدرات, والانتحار, والانفصال, والطلاق, ومختلف الجرائم, كما يعانون من الاقتراب, وذلك ناجم عن الشعور بالحرمان من الألفة, والصداقة, والصحبة, والمعاونة, والامتنان, والرعاية, والحماية, والحب, وهذه كلها من متضمنات الولاء. والولاء ليس بالضرورة ايجابيا, فهناك الولاء السلبي, وذلك حين ينعدم الولاء كلية, أو حين ينقلب إلي جفاء, ونفور, وتباعد, إذا أحس الفرد أنه لا يمنح الولاء الذي يتوقعه من المولي, والدا كان, أو استاذا, أو صديقا, أو رفيقا في العمل, أو من الزوجة والأولاد. إذا كان متزوجا, أو من الدولة في شكل خدمات كالتوظيف, والإسكان, والرعاية الطبية, فتكون النتيجة فتور ولائه, وربما انقلاب ولائه جحودا, وكرها, وعداء وإساءة لجميع أولويائه, وهكذا نستطيع أن نستعين بالولاء لتفسير أسباب مشكلات اجتماعية شتي. ومن الأهمية بمكان, أن نعرف أن للولاء مراتب مختلفة, مرتبطة بالنضج الفكري, والاتزان العاطفي للأفراد, فهو في المرئية الاولي عاطفة بحتة فيكون قويا عنيفا, وهذه هي مرتبة الأطفال, والمراهقين, ومن في مستواهم, ممن يحكمون العاطفة في ولائهم بدون تعقل, وفي المرئية الثانية يكون عاطفة غالية مع شئ من التعقل وهذه مرتبة الشباب البالغين, ممن تتغلب لديهم العاطفة القوية علي العقل غير الناضج اجتماعيا, وفي المرتبة الثالثة يكون عاطفة متوازنة مع العقل, وهذه مرتبة الرجولة, والأنوثة المكتملة النضج التي يكون ولاء أفرادها معتدلا تتحكم فيه العاطفة والعقل, بروية, واتزان, أما المرتبة الرابعة ففيها يتغلب العقل علي العاطفة بدون مرونة, وذلك في مرحلة الكهولة المتأخرة, والشيخوخة. وقد يثبت الفرد في مرتبة لا يرقي عنها لأسباب اجتماعية نفسية مختلفة فيحدث ذلك كله مشكلات كثيرة تبعا للظروف التي تحيط, والأفراد الذين يتعاملون معه وكثيرا ما يؤدي تعامل الناس بعضهم مع بعض, بينما هم مختلفون في مراتبهم الولائية, إلي مشكلات اجتماعية.. نفسية متنوعة. وتأسيسا علي ما تقدم, يمكن القول بأن مظاهر الولاء الرئيسية نفع, وسند, ونصرة, وحماية, ورعاية من كل من الطرفين للآخر, ومن أسباب مشكلات التفاعل, ضعف الولاء أو انعدامه, نتيجة ضعف مظاهر الولاء أو انعدامها, أو الشعور والاقتناع بذلك, أو بأنه ليس بالقدر المتوقع وهكذا يكون الولاء, نظرية عامة للتفاعل الاجتماعي. أستاذة علم الاجتماع جامعة عين شمس