يجب إحياء التراث العظيم في التعامل بين القضاة والمحامين والذي استند إلي القانون والاحترام والتقدير بين الجانبين لايخفي علي المتابع للأزمة الناشبة بين جناحي العدالة, القضاة والمحامين. أن الجهود والاتصالات التي تمت خلال الأيام الماضية لاحتواء الأزمة سوف تسفر عن إعلان قريب بانتهائها, بعد أن توصل الطرفان لتفاهمات تمنع تصعيد الموقف المتأزم. وتقطع الطريق علي الذين يسعون لإشعال النار, وإفشال جهود ومحاولات التهدئة, ويبدو أن هذه التفاهمات والإجراءات قد بدأت تأخذ طريقها في التنفيذ بعد أكثر من اجتماع ضم د.فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والمستشار عبدالمجيد محمود النائب العام, والمستشار عادل عبدالمجيد رئيس مجلس القضاء الأعلي مع نقيب المحامين حمدي خليفة, وهي اجتماعات كان عنوانها الرئيسي احترام القانون والحفاظ علي هيبة القضاء واحكامه مع التمسك بكرامة المحامين. خرجت هذه الاجتماعات بالاتفاق علي عدة إجراءات بدأ تنفيذها, منها وقف التصريحات الاستفزازية من قبل بعض أعضاء نادي القضاة, وأعضاء نقابة المحامين, وتعليق جميع الاحتجاجات حتي يتم النظر في الاستئناف المقدم والمقرر له صباح اليوم الأحد مع استكمال محاكمة المحاميين المحكوم عليهما, محاكمة عادلة وقانونية, دون حبسهما احتياطيا مع إحالة وكيل نيابة طنطا للتحقيق في الوقائع المنسوبة إليه, إذن بدأت أصوات العقل من الجانبين تنتصر, وبات القانون هو السيد والمرجع, فالضغوط لايمكن ان تحقق أية نتائج, ولا يمكن حل الأزمة بدعوات الثأر والانتقام, والحل كما يعرف الجميع هو في أن تسود لغة الحوار والاحترام وسيادة القانون علي الجميع, وبغير ذلك يخسر الجميع وتتغير نظرة الناس والمجتمع تجاه أحد أهم ركنين من أركان العدالة, وأعتقد أن هذه الخطوات ومع إصدار بيان مشترك يعلن بوضوح السير في هذه الخطوات والالتزام بها وفقا للقانون, ويؤكد هيبة القضاء, وضرورة احترام احكامه وإجراءاته مع أهمية الحفاظ علي كرامة المحامين وتقدير دورهم, يمكن القول بأن أصعب أزمة نشبت بين القضاء الجالس والقضاء الواقف في تاريخ العلاقة بينهما قد تم تجاوزها وإنهاؤها, دون التفريط في حق أحد الاطراف ودون تجاوز القانون, ودون الإخلال بطبيعة العلاقة المتشابكة بين عمل القضاء وعمل المحاماة. إن الجيل الجديد من الجانبين لايدرك طبيعة العلاقة وحدودها, وأين يبدأ دوره وإلي أين تنتهي سلطته؟! قد يكون ذلك هو حديث ما بعد الأزمة التي طالت أكثر مما ينبغي, وتدفعنا للبحث عن طرق لضمان عدم تكرارها, وأتصور أن إحدي الخطوات التي يجب أن نبدأ بها, هي تشكيل لجنة عليا برئاسة د.فتحي سرور رئيس مجلس الشعب تضم عددا من أساتذة المهنة وشيوخها من القضاة والمحامين وأساتذة القانون في الجامعات المصرية, علي أن يبتعد تشكيلها عن أية تنويعات وألوان حزبية أو سياسية, أسماء مشهود لها باحترام القانون والإيمان بالعلاقة المشتركة بين القضاء والمحاماة. وتكون مهمتها, إعادة صياغة وتأكيد طبيعة العلاقة بين القضاءين والمهنتين, باعتبارهما رسالة ودورا قبل أن تكونا حرفة, واستدعاء التراث التاريخي لروح وقيم التعامل بين الطرفين, وهو تراث زاخر استند إلي تفعيل القانون والاحترام المتبادل والمودة والتقدير لدور كل طرف, والإدراك بأن العدالة لا يمكن تحقيقها إلا بوجود نيابة تمثل الإدعاء, ومحام يمثل الدفاع, وقضاء عادل يمثل الحقيقة وعنوانها, فرسالة العدالة مهمة مشتركة وهدف يسعي الجميع إليه, ولا يمكن تحقيقها إلا بدور الجميع. ويجب علي هذه اللجنة العودة للقانون الذي هو فوق الجميع وهو الحكم النهائي, لهذا لا يحتاج الأمر إلي صياغات أو تشريعات قانونية جديدة, فلدينا قانون السلطة القضائية وقانون المحاماة, والأول يحمي ويصون هيبة المنصة وقضاءها, والثاني يؤكد أن المحامين شركاء في تحقيق العدالة, ولكن قد يحتاج الأمر إلي إنهاء بعض مظاهر الاستخفاف والاستعلاء التي يبديها بعض شباب النيابات أثناء تعاملهم مع المحامين, وقد يحتاج الأمر بالضرورة من جانب شباب المحامين الالتزام بأخلاقيات وسلوك المهنة وعدم الاحترام الذي يبديه بعضهم لشباب النيابات. الأمر إذن يحتاج لدور فاعل لنقابة المحامين ونادي القضاة لتدريب وتأهيل شبابهم الذين يدخلون معترك المهنة وهم يفتقدون لبعض قواعد وسلوك التعامل مع الآخرين. أما لجنة الحكماء, فأمامها أدوار ومهام كثيرة منها إزالة رواسب ما سببته هذه الأزمة الكبري التي لم تشهدها ساحات العدل من قبل, حتي لا تتكرر مثل هذه الأزمات بمثل هذه الصورة المرفوضة فإن اللجنة عليها أن تعلن وتؤكد أن القانون سيكون هو الحكم ولم يعد مقبولا, أن يتم اقتحام مكاتب وحجرات وكلاء النيابة ورؤساء المحاكم ويجب أن يعاقب, وفقا للقانون, كل من يسئ إلي القضاة وممثلي النيابة, وبالمقابل لم يعد مقبولا أيضا أن يترك المحامي لساعات ينتظر موافقة وتوقيعا من أجل تصوير محضر أو لقاء وكيل نيابة, ويجب أن يدرك الطرفان انهما رقمان لا يمكن حذفهما من معادلة القانون والعدالة, فالطرفان ينشدان العدل وهما عون وسند لبعضهما البعض, والتوقير والاحترام والالتزام بالقواعد العامة التي تحكم علاقاتهما هي مفتاح عدم تكرار مثل هذه الحوادث. إن حديث ما بعد الأزمة يتطلب شجاعة واعترافا من الجميع بخطورة ما حدث, والأهم من ذلك هو الحرص علي ألا يتكرر, وأعتقد أن شيوخ وأساتذة جناحي العدالة قادرون علي ذلك, المهم ألا يتوقف الحديث عن متطلبات ما بعد الأزمة. المزيد من مقالات مجدي الدقاق