تحت عنوان الشباب وأدب المدونات بدأت صباح الجمعة قبل الماضي, فاعليات المؤتمر الادبي لليوم الواحد لفرع ثقافة6 اكتوبر وقد ناقش المؤتمر عددا من القضايا ذات الصلة بالتدوين. حيث تطرقت الاوراق البحثية الي تحولات القيم الجمالية والتكنولوجية وادبية المدونات والتدوين الادبي الرقمي وادب المدونات وثقافة الانتماء وثقافة الاغتراب والمدونات وسؤال الهوية. يأتي هذا المؤتمر وغيره من الندوات المشابهة ليلقي مزيدا من الضوء علي واحدة من أهم الظواهر المؤثرة في عالمنا المعاصر, ذلك ان الانترنت و ما استحدثته من آليات جديدة كالمدونات أحدثت نقلة نوعية في عالم اليوم, ليس فقط علي مستوي سرعة الحصول علي المعلومة ونشرها بل أيضا من حيث تعامل الافراد معها واستغلالها بصورة تعكس الرؤي الفردية والصور الذهنية الخاصة بكل شخص سواء عن نفسه أو عن العالم من حوله, ومن حيث ظهور مفهوم واقع خيالي جديد يستطيع الفرد من خلاله أن يختار لنفسه إسما وهوية وسمات يحددها بنفسه وأن يعيش في اطار منظومة اجتماعية وقيمية يشكلها بمحض اختياره, وبالتالي يصبح من المحتم دراسة تأثير كل ما سبق علي الأنواع الأدبية والفنون واللغة والتيارات الثقافية السائدة في المجتمعات. يشير د. هيثم الحاج في ورقته البحثية المدونات بين سؤال الهوية والوعي التقني التي عرضها في مؤتمر الجمعة قبل الماضي الي ان المدونات واحدة من أهم تطبيقات شبكة الانترنت خاصة أن غرف الدردشة ومنتديات الحوار قد اتاحت الفرصة كي يعبر مستخدم الانترنت عن آرائه بحرية تصل الي حد لم يكن من الممكن تخيله من قبل, سواء من خلال ملفات العرض الشخصي profile التي يعبر فيها عن نفسه كما يتخيل أو ما تم تطويره عبر الفضاء الافتراضي من ابتكار لحياة اخري رقمية للفرد, الامر الذي دعم فكرة وجود هوية مستقلة وظهور جيل تواق للتعبير عن رأيه لا لمجرد التنفيس عن طاقة تعبيرية بل من اجل ترك أثر واضح يمكنه تغيير الواقع في صورة ايجابية. مما يدعم وجود المدونات. والمدونة هي مساحة علي شبكة الانترنت تشبه الموقع الي حد كبير, لكنها تستخدم برامج اكثر سهولة تتيح لاي شخص عادي ان يعمل مدونته الخاصة او صفحة خاصة به يستطيع ان ينشر فيها ما يشاء من معلومات او صور او افلام او برامج, ويرجع تاريخ ظهورها الي عام1997, عندما صاغ جون بارجر المصطلح الا ان المدونات لم تنتشر علي الانترنت الا في عام1999 عندما بدأت خدمات الاستضافة في السماح للمستفيدين بإنشاء المدونات الخاصة, وقد اكتسبت المدونات اهمية خلال الغزو الامريكي للعراق في مارس2003 مع تصاعد الحراك السياسي والاجتماعي الرافض للحرب. قد دخلت مصر عصر المدونات عام2004. ولان تقنية المدونات شديدة السهولة يمكن لكل مدون ان يختار تصميم مدونته من بين العديد من الاشكال التي يطرحها الموقع وان يدون مايريد وان يضع علي مدونته الروابط التي يختارها وان يحدثها يوميا وان يتواصل مع الزائر فقد تحولت المدونات لساحة مفتوحة للبوح ولممارسة النقد السياسي والاجتماعي. يقول الكاتب عبد الرحمن سعد في ورقته البحثية التي عرضها في المؤتمر السنوي الذي عقدته مجلة العربي في مارس الماضي ان المدونة مساحة شخصية علي الانترنت تتيح لصاحب الصفحة النشر بسلاسة شديدة اذ يكتب المدونون خواطرهم واخبارهم وآراءهم ويغطي كل منهم الاحداث التي شهدها او شارك فيها وهي تقدم مساحة للتعليق والحوار حول المدخلات وفي المعتاد يضيف المدون اكثر من مقال في الاسبوع ولا تحكمه مساحة ولا رقابة وان تنظيم المدونة يعتمد علي عرض التدوينات المقالات بعكس ترتيب نشرها ولا يحتاج الموضوع سوي ساعة لبدء مدونة, والتعرف علي اساسيات التعامل معها . ورغم ندرة الاحصاءات الدقيقة التي توضح عدد المدونات في العالم العربي فإن المجمع الاردني للمدونات قدر عدد المدونات العربية في اواخر عام2006 بحوالي7000 بينما قدر المجمع الاقليمي للمدونات العربية في البحرين, والعراق والكويت, ولبنان, والسعودية عدد مستخدمي الانترنت ب13.8 مليون مستخدم بنسبة بلغت9.7% من مجموع السكان وقدرت نسبة مستخدمي الانترنت في ايران بثلاثة اضعاف نسبة مستخدمي الانترنت في جميع الدول العربية. وفي ورقة بحثية منشورة بقلم د. غسان مراد حول الثقافة العربية ومدي حضورها علي الشبكة العنكبوتية, اكد الباحث ارتفاع نسبة وجود مواقع الويب باللغة العربية بين عامي2000 و2008 لتصل الي ما يشكل عشر الشعب العربي, واضاف موضحا ان غالبية المستخدمين من الشباب منهم, وان هذا الاستخدام لايزال يتم بشكل فردي وغير منظم. من جانب آخر فقد اوضحت دراسة صدرت عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار قبل عامين بعنوان المدونات المصرية: فضاء اجتماعي جديد ان عدد المدونات في مصر آنذاك بلغ160 الف مدونة مثلت30.7% من مدونات العالم العربي و0.2% من اجمالي المدونات علي مستوي العالم وان عدد المدونين بلغ162 الف مدون موزعين بين القاهرة 82.2% والوجه البحري 11% والقبلي 6.8% وقد اوضحت ذات الدراسة ان مجالات اهتمامات المدونين مقسمة كالتالي:18.9% سياسة و15.5% شخصي و4.4% فنون وثقافة و7% ديني و8.4% اجتماعي و4% للعلوم. وان67.8% من المدونات المصرية تستخدم اللغة العربية في التدوين, والغالبية تخلط بين العامي والفصحي, و9.5% تستخدم اللغة الانجليزية,20.8% من المدونات يستخدم العربية والانجليزية معا. وقد اشار نفس التقرير الي ان عام2007 شهد تزايدا واضحا في عدد اللغات التي تستخدم في التدوين لتصل لمائة لغة وقد ضمت قائمة اهم عشر لغات يتم التدوين بها سبع لغات اوربية وثلاث لغات آسيوية اليابانية والصينية والفارسية بيما اختفت العربية من القائمة(!!). وقد قدم الباحث هيثم الحاج في ورقته البحثية التي سبق وان أشرنا اليها في السطور الاولي, احصائية جديدة توضح ان مستخدمي شبكة الانترنت في العالم العربي اقلية اذ لا يتجاوز عددهم في مصر7% من عدد السكان و35% في قطر27% في الامارات مقارنة ب51% في اسرائيل وان31% من المدونات تخرج من الكويت وان من بين347 مليون عربي, يدخل32 مليونا فقط علي شبكة الانترنت. واشار الباحث في دراسته الي أن لكل عصر مدوناته, موضحا ان المدونة في شكلها الاساسي تقترب من دائرة الابداع الادبي من حيث كونها تنطلق من رؤي الفرد وان هذا النوع من التعبير انتشر في كل عصر بالطريقة التي تسمح بها ظروف هذا العصر, خاصة عندما تكون هناك ثقافة مركزية يحاول الافراد الخروج عنها بصك رؤاهم الخاصة, او عندما تكون هناك مجموعات تطرح رؤاها الايديولوجية التي لا تستطيع طرحها عبر قنوات مركزية وهوما يجعل من ثقافة الهامش عندما نعرف المركز بانه التعبير الرسمي عن الثقافة او الايديولوجيا هي العنصر الاهم في تكوين هذا الشكل من الكتابة. وعلي هذا الاساس اعتبر الباحث المنشورات السياسية التي انتشرت في اعقاب ثورة1919 مدونات واجهت بها الطبقة الوسطي المتغيرات السياسية والممارسات التي رات أنها تمثل خطرا عليها بشكل ما وان اي كتابة تحاول التعبير عما هو خارج ثقافة المركز, مدونة, بل انه اضاف اليها الابداعات التي يبدعها مدونون بصريون يعتمدون علي الابداع البصري وليس اللغوي لاعادة قراءة الاغنيات القديمة بتركيب صور او مقاطع بصرية تعيد انتاج الاغنية بصورة جديدة وبرسالة مخالفة أو مناقضة للرسالة الاصلية لكلمات الاغنية وهو ما يمثل تطويرا واضحا لفكرة المدونة التي بدأت هي الاخري في استغلال امكانيات تحريك الصورة عن طريق امكانية اضافة ملفات مصورة او ملفات فيديو. في هذا الاطار الذي تفرضه عمليات التنظير وما يطرحه واقع المدونات ونبؤات تزايد اعداد المدونين وزوار المدونات واتساع مفهومها وانعكاساتها علي الواقع اليومي وبالتالي حالة التداخل بين الواقع والعوالم الافتراضية والصور التي تشكلها المدونات, نجد انفسنا ازاء عدد من الاسئلة التي لابد من طرحها علي مائدة النقاش, فهل ستظل المدونات مجرد وسيلة للبوح الفردي والتعبير عن توجهات منظومات الثقافية الفرعية وغير الرسمية ام ستتحول لاداة لتشكيل الرأي العام والتأثير علي صناع القرار؟ هل ستؤدي محاولات صبغ تيارات واشكال التعبير الموروثة, التي تمثل تيارات الثقافات السائدة, برؤي فردية أو مفاهيم الثقافات و التيارات المهمشة او اللا مركزية, لصراع ثقافي ومجتمعي او لظهور منظومات ثقافية و اجتماعية مختلفة؟ والي اي مدي يتم التداخل بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي و كيف يتحدد مسار التأثير المتبادل بينهما؟ اسئلة اظن انها ستلاحقنا الي حين [email protected]