مع تتابع الأزمات المالية وانعكاساتها الاقتصادية والحلقة المفرغة لتقلبات البورصات العالمية والإقليمية واسعار العديد من السلع الأساسية والأولية, ومع اشتداد رياح العولمة والثورات التكنولوجية وتداخل الاقتصاد في القرار السياسي والعكس صحيح, أصبح طرح هذا التساؤل يمس مصالح الأفراد والحكومات علي حد سواء, ومن ثم تمددت وتشعبت الاهتمامات بتقلبات البورصات, مثيرة قلق الساسة وصانعي القرار من تقلبات أسعار العملات والنزوح المضاد للاستثمارات, الي مخاوف صغار المستثمرين من خسائر حصيلة المدخرات, حتي من يتناولون طبق الأرز ورغيف العيش, فكلاهما أصبح يخضع بصورة غير مباشرة لتقلبات البورصات السلعية العالمية المحددة لأسعار هذا أو ذاك, وبالنسبة للعبة الذهب والنفط الخام والعملات الدولية كالدولار واليورو, فحدث ولا حرج علي العلاقة العكسية بينهم. والمتتبع للإجراءات التي اتخذتها ألمانيا منفردة, للحد من المضاربات في البورصة بحظر التعامل علي المكشوف في العمليات قصيرة الأجل المرتبطة بالسندات الحكومية الأوروبية, وكذلك الأسهم الخاصة بعشر مؤسسات مالية ألمانية( من بينها دويتش بنك كوميرز بنك ومجموعة الينز للتأمين) حتي عام2011, يشير الي حقيقة أساسية يتعين أن تعيها الدول النازحة الي نظام قوي السوق وهي ضرورة مراجعة الأداء وتصحيح الانحرافات عن المسار الأساسي. وقد سبق أن اتخذت الولاياتالمتحدة ذات الخطوة بالنسبة للبيع قصير الأجل علي المكشوف. واذا انتقلنا الي الخطة الأمريكية فقد تضمنت وقف التعامل علي الأسهم المسجلة وفق مؤشر ستاندر آند بور في حالة تقلبها10% ارتفاعا وإنخفاضا لمدة5 دقائق وتقييد استثمارات البنوك في المشتقات وتوحيد وقف التعامل في البورصات الأمريكية عبر الشاشات الإليكترونية, فالبورصة بالنسبة لهم ترادف مصطلح ديمقراطية الرأسمالية, حيث تتيح للجميع الاستثمار علي حد سواء في الأوراق المالية والسندات العامة والخاصة, وهذا يتطلب الشفافية والافصاح بالنسبة للأسعار والضمانات والحماية للمتعاملين في البورصات, إلا أن هذا التعبير أو المصطلح تعرض للانحرافات واتساع الثقوب في أداء النظام نتيجة استغلال المعلومات السرية من ناحية والثورات التكنولوجية من ناحية أخري, ويكفي أن نشير الي أن30% من جميع العمليات المالية التي تشهدها الولاياتالمتحدة, تتم خارج نطاق البورصات الرسمية, من خلال تعاملات خلفية يطلق عليها اسم(Darkpools) ومسارات أخري لهذه المعاملات المتأرجحة بين قرارات الشراء والبيع دون الإعلان عن الأسعار علانية, وكذلك رصد تقرير صادر عن لجنة البورصة والأوراق المالية بأمريكا, أن الانخفاض الحاد في أسعار الأسهم في بورصة نيويورك في النصف الأول من شهر مايو2010, سجل سلسلة قرارات بالبيع من جانب مستثمر مجهول علي العقود المستقبلية والآجلة, بلغت نسبتها9% من قيمة العقود المسجلة في التقرير. تشكل الخطة الموضوعة من جانب الاتحاد الأوروبي لضبط أداء صناديق الاستثمار صناديق التحوط الضلع الثالث في مثلث تصحيح أداء البورصات, وتقليل حدة التقلبات فيها وانعكاسها علي أسواق المال العالمية بمفهومها الواسع, أي البورصات والبنوك والمؤسسات المالية, بما فيها صناديق الاستثمار, وقد تضمنت الخطة التي تعارضها بريطانيا بشدة نظرا لاستقطابها لنسبة80% من الصناديق العاملة في الاتحاد علي عدة نقاط, من أبرزها: ضرورة الحصول علي موافقة السلطات المعنية في الدولة, الاحتفاظ برأسمال كاف لمواجهة الأزمات, مع الكشف عن جميع البيانات والمعلومات التي تطلبها الجهات الرقابية وكذلك المستثمرون علي حد سواء. والمعارضة البريطانية لا تركز علي النقاط السابقة في حد ذاتها, ولكن علي النقاط المتعلقة بوضع حدود قصوي لاقتراض صناديق الاستثمار, مع وضع قيود مشددة بالنسبة للأنواع والمجالات التي يتعين علي الصندوق الاحتفاظ بأصوله فيها, وما هي الأساليب الواجب اتباعها من جانب صندوق استثماري تابع لطرف خارج نطاق الاتحاد, من أجل جذب عملاء ومستثمرين من داخل الاتحاد ذاته؟ مع ضرورة كشف الجهات المالكة لصناديق استثمار عن جميع المعلومات المتعلقة بأدائها المالي واستراتيجية عملها. * وقد حملت التطورات الأخيرة في هذه التحركات ثلاثية الأضلاع الرامية الي انقاذ البورصات أو تجمع الديمقراطية الرأسمالية تكتل البرلمان الأوروبي الموحد وراء القرارات المتخذة من جانب ألمانيا بصورة منفردة, والمطالبة بضرورة تعميمها في دول الاتحاد الأوروبي. يضاف الي ذلك وهو الأهم والجدير بالمناقشة والتحليل, الإعلان عن بدء العمل بأول مؤشر مسيحي للأوراق المالية في أوروبا, وذلك استجابة للمطالب المتزايدة من جانب المستثمرين بضرورة وجود مؤشر يضم الأسهم ذات القيم الأخلاقية والتي بلغت533 سهما خاصة بالشركات الأوروبية التي تحقق ايراداتها من مصادر ذات مبادئ وأخلاقيات تتفق والديانة المسيحية. لقد أدت الأزمة الاقتصادية والمالية وتوابعها في البورصات العالمية الي بحث الدول الصناعية المتقدمة عن وسائل انقاذ تجمع الديمقراطية الرأسمالية علي حد قولهم.. واضفاء المزيد من الأخلاقيات علي أدائها, فكانت عمليات الرصد للعمليات التي تتم خارج نطاق المقصورة والالكترونية منها والتي تتركز في المشتقات والخيارات ذات المخاطر العالية والتي يكمن وراءها سر التقلبات الحادة في البورصات العالمية وأصداؤها الإقليمية والمحلية.