ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات ثالث أيام عيد الأضحى 2024    أسعار اللحوم والدواجن في الأسواق اليوم 18 يونيو 2024    أسعار عملات دول البريكس اليوم الثلاثاء 18-6-2024في البنوك    المالية: الخطوات التصحيحية بدأت تؤتى ثمارها ومؤشرات المالية العامة تتحسن بنهاية يونيو    بوتين: أمريكا تريد فرض نظام دكتاتوري استعماري جديد على العالم    جانتس: أدعم أي تحرك لإزالة تهديد "حزب الله"    جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصف غزة وجنوب لبنان في ثالث أيام عيد الأضحى    زعيم المعارضة الإسرائيلية يهاجم حكومة نتنياهو ويصفها ب"المجنونة"    زد يستضيف فاركو في لقاء القمة والقاع بالدوري    سموحة والداخلية| لقاء الجراحين بالدوري    تشكيل الاتحاد المتوقع لمواجهة الأهلي بالدوري    أخبار الأهلي : الزمالك يتلقي صدمة جديدة بعد التهديد بعدم مواجهة الأهلي    إصابة 7 أشخاص فى 3 مشاجرات متنوعة بالجيزة    مصرع شابين غرقا في النيل بمنشأة القناطر    صعود بناته على المسرح، 10 صور ترصد حفل تامر حسني بالشيخ زايد    17 شهيدا إثر غارات الاحتلال على وسط وجنوبى قطاع غزة منذ فجر اليوم    الصحة: نسبة تواجد الكوادر الطبية بأقسام الاستقبال والطوارئ تتخطى ال 97%    معهد التغذية يكشف السعرات الحرارية في الطحال والكبدة    جنوب أفريقيا... تيلكوم للاتصالات تحقق صافي دخل يتجاوز التقديرات    تشكيل منتخب البرتغال المتوقع ضد جمهورية التشيك في أمم أوروبا يورو 2024    أخبار مصر: جريمة تهز العراق ضحاياها مصريون، آل الشيخ يحرج عمرو أديب بسب الأهلي، مفاجأة في وفاة طيار مصري وسقوط أسانسير بركابه بالجيزة    ثالث أيام عيد الأضحى.. انخفاض طفيف في درجات الحرارة بالأقصر    غانتس: ملتزمون بإزالة التهديد الذي يشكله حزب الله على مواطني شمال إسرائيل    أزمة قلبية أم الورم الأصفر، طبيب يكشف سبب وفاة الطيار المصري على متن الرحلة    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    علامات تدل على ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم.. تعرف عليها    لقطة أثارت الجدل.. لماذا اشتبك محمد عواد مع حسام عبدالمجيد؟    «لازم تعاد».. سمير عثمان يكشف مفاجأة بشأن ضربة جزاء الزمالك أمام المصري البورسعيدي    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج    عارفة عبد الرسول تكشف سرقة سيدة لحوما ب2600.. وتعليق صادم من سلوى محمد علي    ولي العهد السعودي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للاعتداء بغزة    ليبيا تعيد 7100 مهاجر قسرا وتسجل 282 حالة وفاة في البحر المتوسط    واشنطن: تشكيل حكومة الحرب الإسرائيلية قرار لا يخصنا    جوتيريش يدعو دول العالم إلى سرعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    محافظ المنيا: حملات مستمرة على مجازر خلال أيام عيد الأضحى    مقتل عنصر إجرامي في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بأسيوط    «قضايا الدولة» تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عودته بعد أداء فريضة الحج    هيئة الدواء المصرية تسحب عقارا شهيرا من الصيدليات.. ما هو؟    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    ثبات سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    ملخص وأهداف جميع مباريات الاثنين في يورو 2024    وفاة 10 حجاج من أبناء كفر الشيخ خلال أداء مناسك الحج.. اعرف التفاصيل    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دموع شهرزاد‏!‏

انتصف الليل أو كاد‏..‏ وانفض السامر في بيت فاطمة خاتون الذي تحول بقرار حضاري من حفيد الحكيم آني‏..‏ كتاب الحكمة المصرية قبل الزمان بزمان‏ والوريث الشرعي للرسامين العظام مايكل أنجلو‏. وليوناردو دافنشي‏,‏ وسيف وانلي‏..‏ الذي اسمه فاروق حسني وزير الثقافة‏..‏ إلي بيت للشعر والشعراء‏,‏ يصولون بين جنباته ويجولون بعظيم شعرهم وبديع نثرهم وجميل غزلهم‏..‏
وانتهي الاحتفال الكبير في عاصمة المعز‏..‏ التي أصبح لها في آخر الزمان بيت للشعر يحيي أمجاد المتنبي والجاحظ وابن زيدون وامرؤ القيس وبشار بن برد والمعري وشوقي وناجي والبارودي وحافظ إبراهيم‏.‏
كان فاروق حسني أسعد إنسان ليلتها‏..‏ والأكثر سعادة منه أهل الشعر والنظم والقرطاس والقلم‏..‏ عندما سلم راية بيت الشعر لشاعرنا الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي‏..‏ لكي يحوله إلي سوق عكاظ مصري خالص للشعر والشعراء والأدب والأدباء‏..‏
وقال له‏:‏ عليكم يا معشر الشعراء أن ترفعوا راية لغة الضاد إلي أعنة الجبال وشواش الشجر‏..‏ وأنتم يا آخر جيل الشعراء العظام قادرون علي حمل الراية ورفع الهامة‏..‏
صفصف المكان الذي نقف فيه في قلب قاعة الزوار في الدور الأول من الدار علينا نحن الثلاثة‏:‏ حامي حمي الثقافة فاروق حسني بقامته المديدة كأنه امرؤ القيس في زمانه مترجلا للتو عن حصانه‏..‏ والشاعر الطائر بالأحلام‏..‏ بالوعود‏..‏ بالآمال الوردية المحلق في سماء الوطن العربي كله بشعره‏..‏ بقلمه‏..‏ بأدبه‏..‏ بكتيبة دفاعه عن كتاب الشعر المقفي الموزون‏..‏ لا الشعر الطائر المنثور‏..‏ أحمد عبدالمعطي حجازي‏..‏ وأنا بقلمي وهمي وخيالي العجيب‏..‏ الذي لا يفارقني كظلي‏..‏
كان سيد بيت الشعر ثائرا منفعل الكلمات عصي القوافي‏..‏ هو ثائر‏,‏ ووزيره الفنان منصت غاية الإنصات‏..‏ فالقضية لا تحتمل حد السكوت‏..‏ فثمة نفر من أهل مصر يريدون لنا العودة إلي عصر الظلام‏..‏ إلي عصر محاكم التفتيش علي الفكر والإبداع والخلق العظيم‏..‏ بحثوا ونقبوا كفئران الليل حتي عثروا علي ضالتهم‏..‏ كتاب ألف ليلة وليلة‏..‏ إنهم يريدون محاكمة ألف ليلة بحجة أنها انتهكت التقاليد والموروثات‏..‏ بما حوته في اعتقادهم من خارج الألفاظ وسفيه المواقف ورزيل العلاقات وفاضح الحب‏..‏
أحمد عبدالمعطي حجازي ثائرا غاضبا حاملا ثورته إلي فاروق حسني‏:‏ ما قولك يا سيدي في البلاغ الذي قدمه المحامون التسعة للنائب العام ضد كتاب ألف ليلة وليلة‏,‏ وضد المسئولين عن نشره في هيئة قصور الثقافة‏..‏ ما الذي يعرفه هؤلاء السادة الأفاضل عن هذا الكتاب؟
من المؤكد أنهم لم يقرءوه‏..‏ فهو بالنسبة لهم كما قالوا في بلاغهم مجرد مؤلف من جزءين ويسمي ألف ليلة وليلة‏..‏
فاروق حسني مندهشا‏:‏ ألف ليلة وليلة إنها المصدر الأساسي لفهم الحضارة العربية من خلال حياة السواد الأعظم من الرجال والنساء الذين عاشوا حياتهم أحرارا طلقاء في طول البلاد الإسلامية وعرضها‏..‏ بعيدا كل البعد عن مجمع الشعراء والأدباء والفلاسفة الذين كانوا يتحدثون باسم السلاطين والخلفاء والملوك والأمراء‏..‏ ولكن عامة الناس صنعوا لهم لغة خاصة بهم وثقافة غير ثقافة رجال السلطة والملك‏..‏ قوامها الملاحم والأزجال والسير والقصص الشعبية‏..‏
أحمد عبدالمعطي حجازي يلضم من خيط الكلام‏:‏ المؤلف هنا مجهول بالطبع لا نعرفه ولن نعرفه‏..‏ وهو في ألف ليلة وليلة يطلق لنفسه العنان وهو يسرد الوقائع ويصف العجائب والغرائب مستخدما في السرد والحوار لغة شخصياته التي لا تستطيع أن تميز فيها بين مؤلف القصة وبطلها‏,‏ وبين راويها وجمهورها‏..‏
أتدخل لأول مرة في الحوار‏:‏ تلك هي ميزة الأدب الشعبي الذي يشارك الجميع في إبداعه‏..‏ واللا إيه يا عم حجازي؟
أحمد عبدالمعطي حجازي‏:‏ هو من الشعب وإليه‏,‏ وهو ما يري فيه الشعب نفسه وتحفظه الأجيال للأجيال‏,‏ ويتصل فيه الحاضر بالماضي‏..‏
فجأة ساد بيت الشعر ظلام دامس انقطعت أنوار مصابيح الكهرباء‏..‏ لتحل محلها مصابيح عمرها ألف عام‏..‏ مصابيح عربية تضاء بالزيت كانت معلقة في سقف البيت من أيام أن دخلته فاطمة خاتون كجارية قبل أن تصبح سيدة الدار‏..‏
من أبدل المصابيح؟ لا أحد يعرف‏..‏ يسأل فاروق حسني‏:‏ ما الذي حدث؟
قطعت علينا دهشتنا جارية في لون وحجم ورائحة عود البخور الحبشي‏..‏ قالت‏:‏ تفضلوا بالداخل‏..‏ سيدتي فاطمة خاتون في انتظاركم‏.‏
قلت‏:‏ ندخل إلي قاعة الحريم وبعد منتصف الليل‏..‏ ما الذي حدث؟
الوزير الفنان‏:‏ إنها دعوة كريمة من ربة الدار‏..‏ هل نرفضها؟
عبدالمعطي حجازي بوصفه الآن صاحب بيت الشعر‏:‏ لندخل ونري لعل في الأمر أمرا‏..‏
‏.............‏
‏.............‏
قبل أن نلج باب الحريم‏..‏ طلبت منا الجارية الحبشية اللون والعود والطلعة أن نترك مداسنا علي الباب ونضع في أقدامنا خفا عربيا رقيقا حتي نحافظ علي السجاد الشيرازي الذي نسير فوقه‏..‏ رضخنا للأمر الخاتوني‏..‏ ودخلنا نتحسس بأقدامنا الطريق تقودنا جاريتنا الأبنوسية العود‏..‏ لنجد أنفسنا داخل صوان وردي علي جنباته رصت خداديات للاتكاء عليها عند الجلوس‏..‏ من حول مائدة من نحاس أصفر رصت عليها ما لا يخطر علي بال من لذيذ الفواكه وعظيم الحلوي في مقدمتها الفلاوذج الشهي مع طيب القطائف وملفوف الكنافة وناعم الفطير‏..‏ وصوت مثل تغريد البلابل يرحب بنا من خلف الستار‏:‏ أهلا بالفن والإبداع والأدب العظيم‏..‏
انفتح الستار عن وجه صبوح‏..‏ قدمته لنا الجارية البرونزية بقولها‏:‏ مولاتي وربة نعمتي فاطمة خاتون‏..‏
قلت‏:‏ هاهي ربة الدار ترحب بصاحب الدار الجديد‏..‏
قال عبدالمعطي حجازي‏:‏ الدار تضيء بأصحابها‏..‏ أنا مجرد أمير لبيت الشعر ليس أكثر‏..‏ أمير بلا إمارة‏!‏
بانت فاطمة خاتون‏..‏ في غلالة تخفي وتكشف كأنها المبدعة سميحة أيوب صاحبة القصر التي اشترت بحر مالها السلطان لكي تحرره من رق العبودية في رائعة توفيق الحكيم السلطان الحائر‏..‏
قالت‏:‏ تفضلوا الدار داركم‏..‏ ويكفيني شرفا وعزا وكرامة أن يكون وزيرنا فاروق حسني حامي حمي الأدب العربي والثقافة العربية كلها في ضيافتنا الليلة‏..‏ يا للحبور‏..‏
فاروق حسني بروح طفل صغير‏:‏ لم أفعل إلا الواجب‏..‏
قالت‏:‏ لقد سمعتكم من وراء حجب الغيب تتحدثون عن مأساة ألف ليلة وليلة‏,‏ وكيف انبري نفر من المغرضين الهدامين لكل عرف وكل دين وكل أدب رصين‏..‏ لكي يهدموا صرح ألف ليلة العظيم‏..‏ عندي لكم مفاجأة لم تخطر علي بال‏..‏ لقد أحضرت لكم من أخرجت ألف ليلة وليلة إلي الوجود‏..‏ ولولاها لانطفأ نور الحياة من كل العذاري قبل الأوان‏,.‏
الوزير بنفس روح الاندهاش الجميلة عنده لكل شيء مثير‏:‏
لا تقولي إنك تخفي عندك شهرزاد؟
قالت‏:‏ ها هي بلحمها وشحمها وقدها‏..‏
‏.............‏
‏.............‏
لم نصدق أعيننا‏..‏ ونحن نري بدرا في ليلة تمامه‏..‏ كما يقول أهل بلدنا عندما يشاهدون الجمال كله في صورة امرأة‏..‏ كأنها جنية خرجت من قوقعة في قاع بحر لازوردي‏..‏ لا حدود لحسنها ولا مهرب من سحرها ولا وصف لدلالها ولحظها وحضورها‏..‏ خلص الكلام‏.‏
أحسست للحظة أن للجمال صدمة‏..‏ وأن للجمال ظلما‏..‏
لا أعرف بماذا شعر ساعتها الفنان فاروق حسني؟
ولا شاعر العشق والجمال كيف تلقي صدمة الجمال؟
كل ما أعرفه أننا نحن الثلاثة كما الفراش يسحره الضوء فيطير حوله حتي لو احترق بناره‏..‏ أحطناها في نصف دائرة‏..‏ ربما خوفا من أن نفقدها وقد هبطت علينا من بين أستار الغيب في لحظة أراد فيها الزمان أن يصحح مسار الحق‏..‏ وأن يعدل ميزان الخير والجمال والفضيلة بعد أن مال وانحرف‏..‏ وأن يحمي طيور الإبداع الخضر من شر حاسد إذا حسد‏..‏ ومن هجمة طيور الرخ التي أيقظوها وأطلقوها من غابات التخلف في غفلة من عيون القدر‏..‏
كانت تبتسم وتتوهج‏..‏ وتكاد تضيء‏..‏
قالت في صوت كشدو البلابل‏:‏ هاأنذا بينكم‏..‏ لقد نزلت إليكم من علياء دنيا الحق‏..‏ لأسمع كلمة حق فيما ادعاه من يريدون بحكاياتي عبر ألف ليلة وليلة شرا ونكدا‏..‏
قلنا‏:‏ احكي ياشهرزاد؟
قالت‏:‏ لقد كان الملك شهريار انتقاما من زوجة خائنة خانته مع عبد أسود‏..‏ فقتلهما معا‏..‏ يتزوج في كل ليلة عذراء‏..‏ وما إن جاء الصباح حتي يقتلها هي الأخري‏..‏ حتي لم يصبح في المدينة بقية من عذاري‏..‏
قلت‏:‏ فتطوعت أنت ابنة وزير شهريار أن تنقذي عذاري المملكة‏..‏ بالزواج من شهريار؟
قالت‏:‏ ولكنني احتلت لكي أحيا‏!‏
تسألها‏:‏ كيف؟
قالت بمكر الأنثي بأن أحكي كل ليلة حكاية‏..‏ لا تنتهي أبدا‏..‏ حتي أكملها في الليلة التالية‏..‏ حتي اكتملت الليالي إلي ألف ليلة وليلة‏..‏ وهكذا خرجت ألف ليلة إلي الوجود‏..‏
أحمد عبدالمعطي حجازي‏:‏ لقد صرفت عقل الملك في العبث بالأرواح إلا ليبقي علي روحك؟
شهرزاد مبتسمة‏:‏ هو ذاك‏..‏
فاروق حسني يتكلم‏:‏ عمنا وأستاذنا توفيق الحكيم في كتابه عنك‏.‏
تسأله بدلال‏:‏ كتاب باسمي؟
قال‏:‏ نعم‏..‏ وقد كتبه في صورة مسرحية فلسفية رائعة في عام‏1934..‏ وقد ترجم إلي الفرنسية بعدها بعامين‏..‏ وكتب مقدمتها جورج لينكونت ويهمني أن تعرفي ما قاله هذا الناقد الفرنسي العظيم‏..‏
تسأله‏:‏ ماذا قال ياتري؟
قال الوزير‏:‏ قال لينكونت بالحرف‏:‏ إنه التصادم العارم بين قلق الإنسان وسر الأشياء‏..‏ لقد قال شهريار الملك‏:‏ لقد استمتعت بكل شيء وزهدت بكل شيء‏..‏ شبعت من الأجساد‏..‏ لا أريد أنا أشعر أو أحس‏..‏ أريد فقط أن أعرف‏!‏
شهرزاد‏:‏ لقد تحول شهريار من مجرد طفل يلهو بالنساء‏..‏ إلي مفكر وفيلسوف‏!‏
الوزير الفنان يبدع‏:‏ هل تريدين أن تعرفي ما قاله عنك شهريار الملك في كتاب توفيق الحكيم؟
شهرزاد بدهشة‏:‏ وهل قال عني شيئا لم يقله لي في ليالينا الألف؟
الوزير يبدع‏:‏ لقد قال أنت لست امرأة ككل النساء‏..‏ أنت الحبيسة في خدرك طوال حياتك تعلمين بكل ما في الأرض‏..‏ كأنك الأرض نفسها‏..‏ أنت العروس البكر تعرف الرجال كامرأة عاشت ألف عام بين الرجال‏..‏ وتدركين طبائع الرجال من سامية لسافلة‏..‏ أنت الصغيرة التي لم يكفها علم الأرض فصعدت إلي السماء‏..‏ كأنك ربيبة الملائكة‏..‏ وهبط إلي أعماق الأرض تحكين عن مردتها وشياطينها وممالكها السفلية العجيبة كأنك بنت جن‏!‏
تصفق عذراء بيديها جذلا وهي تقول‏:‏ لكم كان شهريار رائعا في وصفه لي‏..‏ ولكنني أبدا لم أسمعه منه‏..‏ وربما قاله ولم أسمعه‏..‏ ولكن الذي أتذكره حقا‏..‏ انه قال لي مرة في لحظات صفاء‏:‏ أنت تعرفين كل شيء‏..‏ انت كائن عجيب لا يفعل شيئا ولا يلفظ حرفا إلا بتدبير‏,‏ لا عن هوي ومصادفة‏..‏ أنت تسيرين في كل شيء بمقتضي حساب لا ينحرف قيد شعرة كحساب الشمس والقمر والنجوم‏..‏ ما أنت إلا عقل عظيم‏!‏
أسألها‏:‏ وماذا تراك قلت له؟
شهرزاد‏:‏ دعني أتذكر‏..‏ لقد قلت له أنت تراني فقط في مرآة نفسك؟
‏.............‏
‏.............‏
مازلنا وقوفا في نصف دائرة من حول أجمل ما خلق الله‏..‏ شهرزاد‏..‏ دعتنا مضيفتنا فاطمة خاتون إلي الجلوس علي الوسائد السندسية الطرية‏..‏ فجلسنا‏..‏
يذكرنا شاعرنا أحمد عبدالمعطي حجازي بمن يريدون أن يطفئوا نور الشمس بقوله‏:‏ إنهم يريدون أن ينزعوا من حياتنا أجمل ما فيها‏..‏ ألف ليلة وليلة‏..‏ هي الحياة نفسها وهي الزمن كله‏,‏ وليست الليلة الأخيرة بعد الألف إلا إشارة إلي ما لا نهاية له من الزمان‏..‏ وألف ليلة ليلة هي الحياة وليست مجرد تمثيل أو تقليد‏..‏ كما هي الحال في القصة الغربية‏!‏
أسأله‏:‏ وماذا تقول لنا القصة الغربية؟
قال‏:‏ القصة الغربية هي فن المدينة الغربية‏..‏ المدينة التي تهتم بالفرد والبيئة والظروف التي تصنع شخصيته وتحدد مصيره‏..‏ ليس أكثر ولا أقل‏..‏
قلت‏:‏ ولكن ألف ليلة كما قرأت هي فن المدينة الشرقية‏..‏ حيث يتسع المسرح للجميع دون تفرقه بين سلطان وندمان‏,‏ بين وزير وحقير‏..‏ القصة تقود إلي قصة تتوالد منها والجميع أبطال في العمل الفني‏:‏ المؤلف والأبطال بل والجمهور أحيانا‏!‏
مالك بيت الشعر‏:‏ المسرح يتسع للجميع والقصة تقودنا في ألف ليلة إلي قصة أخري‏..‏ كأننا في قصر التيه أو اللابيرانت ندلف من بابه المفتوح إلي قاعاته ومن بهو إلي بهو‏,‏ ومن قاعة إلي قاعة‏..‏ فإذا أردنا أن نخرج وجدنا أنفسنا تائهين عاجزين عن العودة إلي حيث كنا‏..‏ ونحن في الحياة نستطيع أن نتقدم إلي المستقبل ولكنا لا نستطيع العودة إلي الماضي‏..‏ وهكذا فعلت أنت يا شهرزاد‏..‏
قالت‏:‏ لقد كنت أسابق الزمن‏..‏ لأن سكوتي معناه الموت لي‏..‏ وحياتي رهن أن أواصل الحكي‏..‏
الوزير الفنان يبدع‏:‏ لقد كنت ياشهراد تصارعين الموت بالفن بالإبداع‏..‏ وتنتصرين علي الواقع المؤلم بالخيال الجميل وبالكلمة وبالحكاية‏..‏
قالت‏:‏ وهاأنذا حية ترزق بين أيديكم‏..‏
الوزير الفنان يبدع‏:‏ نعم لقد تحولت ياملكة القلوب إلي كلمة لابد أن تظل ناطقة وإلا مت‏..‏ ولقد رآك توفيق الحكيم في مسرحية كتبها عنك روحا وجسدا وقلبا وعقلا‏..‏
صاحب بيت الشعر‏:‏ ورآك الموسيقار العظيم رمسكي كورسانوف في متتابعاته الموسيقية باسم ألف ليلة مدينة مسحورة وحلما بعيد المنال‏..‏
الوزير يبدع‏:‏ وكنت في فكر المخرج الإيطالي المبدع يازوليني تعيشين في قلب وفكر أبطال قصص ألف ليلة وليلة‏..‏ أما المبدع وليد عوني فقد عبر العصور في الباليه المعروف باسمك وكيف تخلصت من قيودك واسترددت حقك في الحياة والحب والحرية‏!‏
شهرزاد بأسي‏:‏ لكم كنت أود أن أقرأ وأري وأشاهد كل هذا الإبداع الفني عني‏..‏ كتابا وفيلما وباليها‏..‏ أنتم أيها المبدعون المصريون تتحدثون عني بإبداعكم العظيم كأنني مازلت حية ترزق‏..‏
قلت‏:‏ يا مليكتي لقد أصبحت أنت وكتابك ألف ليلة وليلة ملك البشرية كلها‏..‏ لقد قرأ الغرب ألف ليلة بكل أسف قبلنا بأكثر من مائة عام‏..‏ فقد صدرت الترجمات الإنجليزية والفرنسية في أوائل القرن الثامن عشر‏..‏ أما نحن فقد صدرت الطبعة المصرية الأولي في أوائل القرن التاسع عشر‏!‏
‏.............‏
‏.............‏
لا أعرف كم مضي من الوقت‏..‏ والليل يسحب آخر أستاره‏..‏ فالجلوس إلي شهرزاد يساوي العمر كله‏..‏
اسأل شهرزاد‏:‏ عندي سؤال أنا في غاية الإحراج من طرحه عليك؟
قالت بأدب‏:‏ تفضل ليس علي المبدعين حرج‏..‏
قلت‏:‏ الذين رفعوا علي الإبداع الممثل في ألف ليلة وليلة قضية يرون أن فيها مواقف فحش وقلة حياء‏,‏ وألفاظ جنسية مباشرة تخدش الحياء العام‏..‏
قالت‏:‏ حاشا لله‏..‏ إنها حياة الناس وحكاياتهم المتداولة جيلا بعد جيل‏..‏ وفيها من الصراحة والكشف عن المستور الشيء الكثير‏,‏ وتلك أمور متداولة بين العامة والخاصة‏..‏ فلماذا نخفيها؟
قلت‏:‏ ولدينا في مصر الفرعونية الإله بين إله التناسل صوره فوق جدران المعابد والمسلات والأهرامات‏..‏
صاحب بيت الشعر‏:‏ إنه سرد صادق للتراث الشعبي بكل ما فيه من عفوية وصدق وصراحة وبعد عن التزمت والتكلف ورغبة في التحرر والانطلاق‏..‏
الوزير الفنان مازال يبدع‏:‏ ألف ليلة قصص وحكايات مختلفة الفئات والأوساط والنماذج البشرية‏..‏ ما الذي ننتظره إذن أن يتحدث البائع أو الإسكافي‏..‏ ليس كما يتحدث فقيه الجامع أو الكاتب أو الشاعر أو الأديب‏..‏ والجنس خلقه الله لكي يحفظ النوع الإنساني‏,‏ وليس كله فحش وفجر ودعوة للرذيلة‏..‏ لابد أن نحيط الجنس ونحميه من القهر والابتذال‏,‏ وأن نجعله مودة ورحمة وسكينة كما أمرنا رسول الله‏.‏
قلت‏:‏ في الوقت الذي نغض فيه الطرف عن الانحلال الخلقي الذي يسري كالثعبان في أجسادنا وفي مجتمعاتنا‏..‏
إن نظرة واحدة إلي تلال الكتب المنحلة والأفلام المنحرفة والأغاني التي تدخل بالصوت والصورة إلي غرف النوم‏..‏ تجعلنا نري ألف ليلة علي حقيقتها بوصفها فرعا طيبا وأمينا من نهر حياتنا وشرفنا وخلقنا العظيم‏..‏
صاحبة الدار‏:‏ ألم تسمعوا بالخبر‏..‏ لقد رفض النائب العام دعوي التخلف‏..‏ وقال‏:‏ ليس علي الابداع من حرج‏!‏
وقال‏:‏ إن النيابة العامة انتهت إلي حفظ التحقيقات لعدم توافر أركان جرائم استغلال الدين في الترويج للأفكار المتطرفة وازدراء الأديان السماوية وإثارة الفتن‏,‏ وكذا نشر وعرض مطبوعات خادشة للحياء العام في محتوي الكتاب‏.‏
وقال‏:‏ إن أسباب الحفظ ان كتاب ألف ليلة وليلة صدر منذ ما يقرب من قرنين وأعيد طباعته مرارا‏,‏ وظل يتداول ولم تعترض الرقابة علي المطبوعات عليه بحسبانه من كتب التراث ويبعد كل البعد عن فكرة انتهاك حرمة الأخلاق وإثارة الشهوات‏..‏ بل إنه بنبيء عن طرائف التأليف والنظم الأدبية القديمة‏..‏ كما أنه لم يكتب أو يطبع بغرض خدش الحياء العام وهو من مكونات الثقافة العامة‏,‏ وأنه كان مصدرا للعديد من الأعمال الفنية الرائعة واستقي منه كبار الأدباء روائعهم الأدبية‏.‏
كما أكدت النيابة العامة أن الأسباب التي استندت إليها في حفظ التحقيقات سبق أن تناولتها المحكمة المختصة عام‏1985‏ في القضية التي عرضت عليها ضد القائمين علي طباعة ونشر هذا الكتاب في تلك الفترة وقضي فيها بحكم نهائي بالبراءة‏.‏
وأشار النائب العام إلي أن البلاغ الحالي ضد الكتاب لم يأت بجديد‏.‏
قال الفنان فاروق حسني موجها كلامه إلي امير بيت الشعر‏:‏ اريد ياعزيزي ان نجمع كل ماحدث في ملف كبير وعلينا ان ندرس من الآن ما يمكننا عمله حتي لاتتكرر هجمة فئران الظلام علي ابداع الآدب العربي مرة أخري‏.‏
لقد انتصر الابداع اخيرا علي جيوش الظلام‏.‏
قال أحمد عبدالمعطي حجازي‏:‏ سأبدأ علي الفور في جمع كل ما قيل وكل الأوراق الخاصة بالقضية‏..‏ واضع لك منهجا جديدا لمواجهة جيوش الظلام‏.‏
‏...........‏
‏...........‏
انحنينا أمام الجمال والسحر والحب العظيم‏..‏ وعندما رفعنا رءوسنا‏..‏ لم نجد إلا الظلام حولنا‏..‏ أين ذهبت شهرزاد‏..‏؟
علينا أن نبحث عنها في كل صفحة من ألف ليلة وليلة‏!..‏ بينها وملاذها وهديتها للدنيا كلها‏..‏ وتعظيم سلام للابداع في كل سماء وفي كل ارض‏{‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.