في الآونة الأخيرة نشطت مشاهد الرعب في القنوات الفضائية لتصبح مادة تكاد تكون ثابتة من مواد الأفلام والمسلسلات الأجنبية, وبالتالي أصبحت هذه المادة تقتحمنا في بيوتنا, فيتأثر بها الأطفال, ويقبل عليها الشباب, ويستغرب منها الكبار.. ولما كانت مثل هذه النوعية من المشاهد ذات تأثير سلبي علي فئات معينه كانت دور العرض السينمائية تجنب الصغار من مشاهدتها بوضع عبارة للكبار فقط علي أفيش الفيلم.. واذا كانت هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات تأتينا من خارج الحدود لتعرضها القنوات الفضائية دون ممانعة أصبح التعرف علي حقيقتها وأهدافها, هو أقل ما يمكن عمله حيالها. وللتعرف علي ذلك يمكن القول اتفاقا مع نقاد السينما ومؤرخيها إن هذه الموجة بدأت بألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولي حين كان الشعب يتجرع مرارة الهزيمة, ويعاني من آثار الانهيار الاقتصادي وما نجم عنه من بطالة وأزمات اجتماعية, ثم بدأت الموجة الثانية في الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم قبل الحرب العالمية الثانية, لتتوالي بعد ذلك موجات هذه الأفلام, ليكون أخطرها وأبشعها ما يعرض الآن في القنوات الفضائية, وذلك حين بدأت بعض الحكومات خاصة الأمريكية تشجع علي انتاجها لتهيئة أذهان الناس للأهوال التي ستنجم عن ويلات الحروب النووية والبيولوجية حتي يستطيعوا مواجهة الخراب والدمار الذي سيصيب العالم من جرائها.. وهكذا ارتبطت هذه النوعية بالفترات العصيبة من حياة الأمم. مثلا اذا رجعنا الي ما بعد الحرب العالمية الأولي, فإننا نجد السينما الألمانية تعرض علي الناس سلسلة من أفلام الرعب منها فيلم الرجل الغريب الذي ينجح في تصنيع انسانا آليا بدون روح.. ومن عجيب الأمور أن هذا الفيلم الذي أثار الرعب في نفوس المشاهدين, تحققت بعض أحداثه في عصر هتلر, حينما تحولت بعض الخيالات المرعبة التي أتي بها صناعه الي حقائق عاشها الناس في ألمانيا النازية.. لكن علي الرغم من ذلك وجدنا من يدافع عن هذه النوعية بعد أن استعانت شركات الانتاج السينمائية العالمية ببعض علماء النفس للدفاع عنها, فمثلا من العلماء الدكتور جروتاهن أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا, الذي قال: إن مشاهدة أفلام الرعب تكسبنا مناعة سطحية, وتجعلنا دائما علي استعداد لمواجهة ما يطرأ علينا من مخاطر, وأيا ما كانت نوعية هذه الأفلام والمسلسلات, أو ما يترتب عليها من تأثيرات سلبية أو رأي المدافعين عنها.. فينبغي علينا أن نحترس من عرضها في القنوات الفضائية بأن نعيد النظر في شأن عرضها لأنها تدخل بيوتنا دون استئذان, وتقتحم عقول أولادنا دون رحمة, لتفعل في عقولهم فعل المتفجرات.. أقول أينبغي إعادة النظر مرارا خاصة اذا علمنا أن أستوديوهات البلاد المنتجة لهذه الأفلام تعد ثلاث نسخ مختلفة, فتعرض أخفها وطأة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض دول أوروبا الغربية, ثم ترسل النسخة الثانية الي البلاد الأقل تقدما في أوروبا الشرقية وبعض بلدان آسيا حيث تحتوي هذه النسخة علي قدر أكبر من المشاهد المرعبة, أما النسخة الثالثة التي تكون عامرة بمشاهد الرعب والعنف فترسلها الي إفريقيا ودول الشرق الأوسط. ومنها مصر. أقول ينبغي إعادة النظر مرات في شأن هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات قبل عرضها في القنوات الفضائية بشكل يجعلنا نفكر فيما لو كانت شركات الانتاج الأجنبية تقدم لنا نوعا من السم أقوي من الذي تمنع عرضه في بلادها.. فما هي الضرورة التي تجعلنا نسمح بعرضه وتناوله في بلادنا!؟