ص55 سنة مرت منتصف مايو الحالي علي رحيل فنان عالي القيمة وبلا نظير في السينما المصرية والعربية منذ نشأتها وحتي اليوم. إنه أنور وجدي الذي كان يتباهي من يكتبون عن الفن والسينما في النصف الأول من القرن الماضي بأنه شارلي شابلن السينما العربية باعتبار ان شارلي كان من أوائل السينمائيين متعددي المواهب في العالم, حيث كان يكتب أفلامه ويمثلها ويخرجها ويؤلف أحيانا موسيقاها وأغانيها سواء أيام السينما الصامتة أو بعد أن تكلمت. أنور وجدي المولود في أكتوبر سنة1904 في مقدمة أهم صناع السينما العربية منذ نشأتها والي اليوم. كما كان من أكثر المؤثرين في الأجيال التي تلته. فقد كان جامعة سينمائية وحده في فروع فنون السينما. فقد كتب الكثير من قصصه السينمائية واعد لها السيناريو وقام بإخراجها الي جانب استاذيته وتمكنه في الإنتاج السينمائي والتسويق وأكتشاف المواهب. ومن عجب أنه كان تلك الجامعة رغم عدم استكمال تعليمه بعد المرحلة الثانوية, حيث جذبه المسرح, وبوجه خاص مسرح فرقة رمسيس, فبذل العديد من المساعي حتي ألحقه يوسف وهبي بالفرقة أوائل الثلاثينيات وأسند اليه دورا صغيرا في مسرحية( راسبوتين) واستطاع أنور وجدي إقناع صاحب فرقة رمسيس بموهبته فأسند اليه دورا أساسيا في فيلم( الدفاع) عام1935, وهو ما جذب إليه اهتمام رائد الواقعية في السينما العربية كمال سليم فأسند إليه دور الشباب الفاسد في فيلم( العزيمة) أمام فاطمة رشدي وحسين صدقي والذي أعتبره المؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول واحدا من أهم مائة فيلم علي مستوي العالم كله. وقد عمل أنور وجدي بعد فرقة رمسيس مع الفرقة المسرحية الحكومية التي أصبحت المسرح القومي فيما بعد. وفي عصر كانت فيه الوسامة شرطا أساسيا لأدوار الفتي الأول استطاع أنور وجدي أن ينتزع هذا اللقب لنفسه من أبناء جيله: حسين صدقي ويحيي شاهين ومحسن سرحان, ثم ترك المسرح عام1945 لينتج ويخرج فيلم( ليلي بنت الفقراء) ويلعب بطولته أمام ليلي مراد. ويحقق الفيلم نجاحا كبيرا ليبدأ بعدها سلسلة من الأفلام الغنائية والاستعراضية مع ليلي مراد التي يتزوجها, ويكون شركة باسم( شركة الأفلام المتحدة) قدم من خلالها عديدا من الأفلام الأخري, حيث قدم للسينما العربية الطفلة المعجزة فيروز في أفلام منها( دهب) و( فيروز), وذلك علي مثال ما قدمته السينما العالمية عندما ظهرت الأمريكية شيرلي تمبل كأول طفلة معجزة. رغم مرور عديد من السنين علي رحيل أنور وجدي وسقوط عديد من الأفلام من ذاكرة الأجيال وفقدانها لقيمتها. فإن أفلام أنور وجدي لا تزال حية وبقوة سواء أكانت الأفلام التي انتجها لليلي مراد بعد فيلهما الأول( ليلي بنت الفقراء), وقدمت بها مجموعة من أعذب أغانيها ومنها( عنبر) و(قلبي دليلي) و(شاطئ الغرام) ثم أعظم وأهم أفلام أنور وجدي( غزل البنات) الذي جمع فيه معظم نجوم التمثيل في مصر وفي مقدمتهم نجيب الريحاني ويوسف وهبي, ومحمد عبدالوهاب وفريد شوقي وسليمان نجيب وكثيرون آخرون بالإضافة إليه وليلي مراد. فقد مات أثناء رحلة علاج الي السويد مع زوجته الثانية ليلي فوزي التي اقترن بها بعد خلاف مع ليلي مراد وطلاقه لها. وعادت به ليلي فوزي من استكهولم في صندوق ليدفن في وطنه عن55 سنة تاركا ثروة من الفن لا تقدر بمال ومن عجب أنه مع كثرة مهرجانات السينما في مصر والتي أصبحت تقام منذ ستينيات القرن الماضي.. فإنها لا تهتم بأنور وجدي وأفلامه بالشكل الذي يجب أن يكون, فالمفروض أن تجري مناقشة أفلامه في بعض ندوات تلك المهرجانات. وذلك لأن أحدا من صانعي منتجي السينما المصرية لم يحقق لهذا الفن ما حققه أنور وجدي. أن سينما أنور وجدي تمثل نوعية من الأفلام تشكل جزءا مهما من ذاكرة الوطن. كما أنها تعرض صورا للحياة في القاهرة ولمدن مصرية أخري في النصف الأول من القرن العشرين. وبلا شك فإن عرضها سواء في مهرجانات أو علي قنوات الأفلام مع مناقشتها يحقق الكثير من المتعة لمحبي السينما النظيفة والإفادة للأجيال الشابة التي تدرس الفنون. المزيد من مقالات محمد صالح