جاءت الأزمة المالية لليونان لتحتل موضع الصدارة في الصحافة والتحليلات الاقتصادية والسياسية علي الصعيد العالمي. علي مستقبل العملة الاوروبية الموحدة ومدي قدرتها في شق طريقها وتثبيت قواعدها في النظام النقدي العالمي. تطورات الازمة وانعكاساتها والاجراءات الطارئة التي اتخذت حيالها, وصفت بأنها متأخرة ومترددة في بداية اندلاع الازمة, من جانب شركائها في منطقة اليورو بالاضافة الي دول الاتحاد الاوروبي الأخري وصندوق النقد الدولي. إلا انه يجب ان نأخذ في الاعتبار ان هذه الازمة واندلاعها. شأنها شأن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي اندلعت في عام2008, بمثابة سلاح ذي حدين علي ان سلبياتها وانعكاساتها في صورة تقلبات في اسواق المال العالمية وبالتالي تداعياتها الاقتصادية, تعد بمثابة أجراس تبنيه وانذار الي كل من يعنيه الامر, أو من يرغب ويعي اهمية إستخلاص الدروس الحقيقية من هذه الازمة, ابتداء من تفجرها الي المراحل المختلفة لمواجهتها ومدي ملاءمة التوقيت الزمني للقرارات من عدمه. 1 لقد أظهرت الازمة ودقت الاجراس محذرة من خطورة وفداحة التلاعب بالارقام الاقتصادية بشقيها المالي والنقدي سعيا وراء تحقيق مكاسب سياسية في لعبة الانتخابات العامة بين الاحزاب اليونانية, وإذا كانت اليونان من أبرز دول اوروبا بالنسبة لتقلب الحكومات وتولي الاحزاب المتنافسة بالتداول خلال فترة ما. فقد ادي الطموح السياسي من اجل الانضمام الي منطقة اليورو في عام2001 الي اخفاء وطمس الكثير من الارقام الخاصة بالعجز المالي والمديونية العامة الداخلية والخارجية لتصل الي150% من إجمالي الناتج المحلي بالنسبة للديون, واكثر من13% بالنسبة للعجز المالي محتلة المرتبة الاولي في منطقة اليورو, ولولا حلول ميعاد سداد8,5 مليار يورو من السندات, ما تفجرت الازمة بذات الحدة. وقد تعددت أساليب الطمس أو الاخفاء والتحوية وحجب الحقيقة عن المواطن والمستثمر الاجنبي في آن واحد, فكان هذا التراكم الهائل في المديونية السيادية, والذي تم تحويله من خلال التجارة الطائرة للعملات او من خلال التوريق المتبع من جانب بنوك غربية عملاقة.. إلخ. وهذا جرس انذار يجب ان تعيد الكثير من الدول علي امتداد الكرة الارضية بخاصة في جزئها الجنوبي المعروف بالنامي أو الصاعد, فما تستطيع حكومة ما إخفاءه. يتجرع مرارته الشعب بأكمله ويدفع ثمنه لاجيال, مع مراعاة ان الحكومة اليونانية برئاسة جورج باباندريو وهي ممثلة للحزب الاشتراكي تعد اسعد حظا مقارنة بغيرها, حيث تلقي قدرا من التأييد العمالي والشعبي لبرنامجها التقشفي. 2 كما تعد الازمة اليونانية, بمثابة جرس إنذار جديد للدول عامة والنامية خاصة, فيما يتعلق بتعاملها مع بعض البنوك العالمية التي تقوم بتقديم المشورة المالية وترتيب إجراءات الاقتراض من الاسواق العالمية او اخفائها تحت التجارة الطائرة للعملات او التوريق وسندات الاقتراض العقاري. ويبرز في هذا المجال الدور الذي كشفت عنه المعلومات. الخاصة بالبنوك الامريكية وفي مقدمتها جولدمان ساكس الذي استطاع علي مدي الفترة منذ بداية القرن الحادي والعشرين, اخفاء تحوية الارقام والاحصاءات المالية الخاصة بالموازنة العامة اليونانية, حتي بالنسبة لإدارة الاحصاءات التابعة للاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو. فلاشك ان سعي هذه البنوك او البعض منها الي تحقيق ارباح وايرادات مرتفعة من خلال تخليق أو التقديم والترغيب في ادوات استثمار جديدة ذات مخاطر عالية. هو الذي أدي الي تفجر الازمة المالية والاقتصادية العالمية الاخيرة, واكدتها الازمة المالية والاقتصادية اليونانية. ولاشك أن هذا الانذار يجب ان يأخذ في الاعتبار, ليس في مجال التعامل مع البنوك العالمية فقط, وانما ايضا مع البنوك التابعة لاية دولة كانت, حتي يتم تجنب الوقوع في دائرة المخاطر المالية المرتفعة. 3 من الامور اللافتة للانتباه, ان بنك جولدمان ساكس خضع لاستجواب وتحقيقات من جانب المسئولين الامريكيين فيما يتعلق بتلاعب في الاستثمار في مجال صناديق التحوط محققا ارباحا طائلة من الازمة التي تعرضت لها شركة اية اي جي العاملة في مجال التأمين والدعم المقدم من الحكومة لانقاذها. وفي ذات الوقت لم نجد جهة ما تنبري لمحاسبة المسئولين في بنك جولدمان ساكس علي تلاعبه بالارقام الاقتصادية وإخفاء الخسائر المالية بالنسبة للحالة العامة اليونانية سواء علي الصعيد الداخلي او في مواجهة المستثمر الخارجي, والمفوضية الاوروبية والبنك المركزي الاوروبي!! 4 اظهرت الازمة المالية اليونانية, ان الجمود الاوروبي في مجال تطبيق اتفاقية الاستقرار والتثبيت, او الاندفاع في مجال تحويل الانفاق العام وبرامج الانعاش عقب الازمة المالية العالمية, كلاهما يتطلب المرونة في مواجهة الاوضاع ومن هنا, كان التحول في الموقف الالماني من المعارضة للدعم المالي لليونان الي المشاركة في صفقة الانقاذ. كما اظهرت الازمة ان التوقيع علي اتفاقية لشبونة في مجال اختيار رئيس للاتحاد ووزير للخارجية, ليس نهاية المطاف, او حصرا للذات في قوانين وقرارات جامدة ومجمدة فكانت التحركات والمشاورات الطارئة والوصول الي خطوط عامة للاتفاق علي صفقة الانقاذ التي قدرت بألف مليار دولار, بالتعاون مع صندوق النقد الدولي, والتخفيف من سياسة مكافحة التضخم. 5 بروز دور صندوق النقد الدولي, وأعمال روشتته الشهيرة في مجال اتباع سياسة اقتصادية ومالية تقشفية, كان ضرورة حتمية, علي الرغم من رفضها في البداية من جانب الدوائر الاوروبية والحساسية اليونانية, وهذا يعني انذارا او دقات جرس آخر, بأن النظام المالي العالمي, يقتضي تكاتف جميع الاطراف في مجال التعاون وليس استئثار جانب بالقرار الفوقي دون آخذ الرأي الاخر, وبما يمثل جزرا منعزلة وكيانات مالية منفصلة. 6 شكلت هذه الازمة الاغريقية, دافعا للتساؤل حول لماذا تنجح التجمعات والمؤسسات المالية والاقتصادية الغربية وفي مقدمتها الاتحاد الاوروبي, بينما تتجمد نظيرتها او تتعثر علي الصعيد العربي. الاجابة تكمن في مرونة التطبيق وتقليل أثر العوامل القومية في اتخاذ القرارات الاقليمية, اتضح ذلك في موقف المانيا علي الرغم من الاختلاف في نقطة البداية مع الرؤية الفرنسية حول كيفية انقاذ الاقتصاد اليوناني. فعلي الرغم من الضغوط الداخلية والانتخابات الاقليمية في المانيا, الا ان المستشارة الالمانية رأت ان اهتزاز اليورو يمثل إهتزازا عنيفا لحلم أوروبي تحول لحقيقة علي مدي الفترة منذ منتصف الخمسينات في القرن العشرين وكان حصادا لتحالف كونراد اديناور و شارل بيجول. 7 من ابرز القضايا المرتبطة بالازمة اليونانية تلك المتعلقة بدور مؤسسات تقييم الجدارة الائتمانية, فقد كانت هذه المؤسسات من أبرز الجهات التي تستند اليها البنوك في مجال الترويج للاوراق المالية والسندات المصدرة من جانب الحكومة اليونانية المعنية, وذلك علي نفس المنوال التي سارت عليه هذه المؤسسات في مجال الترويج للادوات الاستثمارية والأوعية المستحدثة من جانب البنوك وصناديق الاستثمار الغربية والتي تفجرت عنها الازمة المالية العالمية. كما كانت هذه المؤسسات, الأسرع في مجال تخفيض تقيم الاوضاع الاقتصادية والمالية اليونانية وبالتالي ارتفاع درجة المخاطر وانهيار الثقة في الحكومة اليونانية وانتقال هذه الحمي الي اسواق المال العالمية. نتيجة التشابك والتداخل في العلاقات بين البنوك اليونانية ونظيرتها الاوروبية والامريكية. * وبعد إذا كان الوضع كذلك بالنسبة للسلبيات التي أدت الي الازمة اليونانية.. والتي تعد ايجابيات في مجال مراعاة الدقة وعدم الهرولة في التنفيذ للوعود السياسية او الانصياع للاستشارات المالية بغض النظر عن تكلفتها السيادية, او الاصرار علي مكافحة التضخم بينما الاقتصاد في حالة انكماش ويظهر ذلك في تحول موقف البنك المركزي الاوروبي. وتبقي نقطة جديرة بالدراسة والمتابعة وتتمثل في رد الفعل الصيني إزاء تطورات الازمة اليونانية وانخفاض اليورو, حيث لم يتنافس رجال الاعمال الصينيون علي الاستيراد من الاتحاد الاوروبي نظرا لانخفاض قيمة الواردات. ولكن القضية الاساسية التي شغلت الصين بكافة دوائرها من صانعي ومتخذي القرار الاقتصادي او رجال الاعمال, هو كيفية الصمود امام المنافسة الاوروبية في ظل انخفاض تكلفة المنتج الاوروبي, فهذا يشكل تحديا أمام الصادرات الصينية الي دول منطقة اليورو والاتحاد الاوروبي. ويرتبط بهذه القضية ارتفاع قيمة الدولار في مواجهة اليورو, وحيث ان اليوان مرتبط بالاول, فهذا يعني ان الحديث عن خفض سعر صرف العملة الوطنية الصينية, أمر خارج المناقشة, والتحدي الأهم هو الحفاظ علي حجم وقيمة الصادرات الصينية الي أسواق الاتحاد الاوروبي.. اكبر سوق تصرفية لهذه الصادرات, بينما التجمع الاوروبي يعاني من انخفاض الانفاق والاجراءات التقشفية.