من الصحافة الورقية إلي الإعلام الالكتروني مرورا بالتليفزيون أرضيا وفضائيا, غطت مناقشات الدورة التاسعة لمنتدي الإعلام العربي, الذي ينظمه سنويا نادي دبي للصحافة. عددا كبيرا من أهم قضايا الإعلام العربي. فكان عنوان هذه الدورة التي عقدت يومي12 و13 مايو الحالي, تعزيز المحتوي لتطوير الأداء هو الأقرب إلي رسالة نادي دبي للصحافة الذي ينظم أكبر مسابقة لجوائز الصحافة العربية( في11 فرعا) وأكثرها موضوعية ومصداقية. فالهدف الأول لمثل هذه الجوائز في أي مجال, وخصوصا حين تكون جدية أكثر منها لزومالوجاهة هو الحث علي تطوير الأداء والارتقاء به. ولم يكن ممكنا أن يطرح موضوع تطوير أداء الإعلام العربي بدون تناول قضية البرامج الحوارية( التوك شو) التي تثير جدلا حولها بمقدار مايثار فيها من نقاش وربما أكثر منه. فلا تخلو محطة تليفزيونية, أرضية أو فضائية, الآن من هذا النوع من البرامج, التي يزداد تنوعها بالرغم من أن الكثير منها يبدو متشابها. ولذلك كان طبيعيا أن تشهد الجلسة التي نوقش فيها هذا الموضوع أكبر مقدار من الخلاف. وربما لو حضر مقدم برنامج الاتجاه المعاكس فيصل القاسم, الذي اعتذر في اللحظة الأخيرة, لازداد الخلاف وارتفعت حرارة القاعة الكبيرة التي احتضنت فعاليات الدورة. ومع ذلك كانت جلسة البرامج الحوارية هي الأسخن في هذه الدورة, بالرغم من أن المذيعين الذين شاركوا فيها( تركي الدخيل وعمرو أديب ومارسيل غانم) ليسوا هم الأكثر إثارة للجدل. ولكن دور أديب في المعركة المصرية الجزائرية, التي بدأت كروية وتحولت إعلامية, رفع درجة حرارتها. وكان طبيعيا, أيضا, أن يتجاوز النقاش في هذه الجلسة الزاوية التي اختارها منظمو الدورة وهي المقاطعة أثناء الحوار وتأثيرها في مسار البرنامج الحواري. غير أنه ربما يكون من أهم ما أظهره النقاش هو وجود خلاف كبير علي مصدر مشكلة هذه البرامج بين المذيعين الثلاثة, كما بين المشاركين ممن أتيح لهم التداخل فيها من بين عدد كبير سعوا إليه. فقد توزعت الآراء في ثلاثة اتجاهات ذهب أحدها إلي أن المعضلة تكمن في المذيع مقدم البرنامج بسبب سعيه إلي النجومية في المقام الأول ومحاولته تعظيم دوره إلي حد تقمص دور البطل في بعض الأحيان, بينما رأي من نظر في اتجاه آخر أن جمهور المشاهدين هو مصدر هذه المعضلة نتيجة إقبالهم علي البرامج الأكثر سخونة بغض النظر عن محتواها وميلهم إلي النقاش الأكثر صخبا وتفضيلهم المواضيع الأشد فضائحية. وإلي جانب هذين الاتجاهين, ضرب البعض في اتجاه ثالث عبر اتهام الضيف بأنه هو مصدر المشكلة لأنه لايجيب علي السؤال أو يتحدث في غير موضوع الحلقة أو لايدرك طابع الحوار التليفزيوني الذي يقتضي أقصي درجة من التركيز أو يسهب في تاريخ ما أهمله التاريخ علي نحو يهدر الوقت. فكل ذلك, وغيره مما يتسم به الضيف في محطات التليفزيون العربية, هو الذي يفرض علي المذيع مقاطعته. وثمة اتجاه رابع أشار إليه بعض المشاركين, وهو أجندة المحطة التليفزيونية التي تفرض معالجة منحازة لبعض المواضيع أو تجاهل قضايا معينة. والحال أن هذه الاتجاهات ماهي إلا أبعاد متعددة لمعضلة مركبة تواجه البرامج الحوارية في محطات التليفزيون العربية بوجه عام, مع اختلاف في التفاصيل من برنامج إلي آخر. فالمذيع الذي يبحث عن نجومية سريعة وسهلة, والضيف الذي يقول أي كلام, والجمهور الذي تزداد سطحيته وتتراجع رغبته في المعرفة يوما بعد يوم, والمحطة التليفزيونية التي تؤثر أجندتها في البرامج التي تبثها, كلهم يتحملون المسئولية عن مشكلة البرامج الحوارية بدرجات متباينة. ففي بعض هذه البرامج, يكون المذيع هو محور المشكلة, وفي برامج أخري يتحمل الضيف المسئولية الأولي. أما الجمهور فهو ذو أثر عابر للبرامج, ولكنه لايؤثر فيها كلها بالدرجة نفسها لأن الأمر يتوقف علي المذيع الذي قد ينساق وراء ما يطلبه المشاهدون كله أو بدرجة كبيرة أو صغيرة أو لاينساق. ولذلك يعتبر دور المذيع هو الأكبر, وبالتالي مسئوليته هي الأعظم, وسيزداد هذا الدور كلما احتدمت المنافسة لأنها تؤدي إلي تفاقم هاجس الريموت كونترول. فالمذيع الذي يتطلع إلي النجاح لابد أن يصيبه هذا الهاجس فيسعي لأن يقدم للمشاهد الذي يبدأ معه الحلقة كل الإغراءات التي يعتقد أنها كفيلة بإبعاد الريموت كونترول عن يديه طول وقت البرنامج. ولاينطبق ذلك بطبيعة الحال علي المذيعين أو مقدمي البرامج الذين يؤدون عملهم بطريقة الموظفين. وهم كثر في محطات التليفزيون الرسمية. ولكن المحطات الخاصة لاتخلو من مثلهم وإن بأعداد أقل. وبالرغم من عدم وجود قاعدة عامة مجردة في هذا المجال, فالمذيع أو مقدم البرنامج الحواري الناجح هو الذي لايفقده هاجس الريموت كونترول عقله وتوازنه, فيظل قادرا علي التفكير العاقل وهو يسعي إلي ضمان أكبر مقدار من المشاهدة. كما يبقي متوازنا علي صعيد عناصر الجذب التي يعتمد عليها, فلا يضحي بالمحتوي ويركز علي شكل فارغ من المضمون, ولايهبط بهذا المضمون إلي أسفل سافلين تحت شعار التبسيط الذي يصبح والحال هكذا تسطيحا وتهافتا. ومن مقومات هذا النجاح الصعب, والقليل أيضا في العالم العربي حتي الآن, إيجاد التوازن الضروري بين دوري المحاور والمحقق حين يتعلق الموضوع بقضية يسعي فيها المذيع إلي معرفة الحقيقة. ففي مثل هذه القضايا, لابد أن يحاول المذيع استخلاص كل ما يمكن الحصول عليه من الضيف عبر أسلوب يجمع بين الحوار والتحقيق, وبين السؤال والمساءلة, ولكن مع مقاومة الإغراء بأن يصبح وكيل نيابة وليس صحفيا تليفزيونيا. فأحد أكثر عيوب مقدمي البرامج الحوارية في محطات التليفزيون العربية هو خلطهم بين دورين مختلفين أشد الاختلاف. ولايقتصر ذلك علي المواضيع التي يقتضي الحوار فيها تحقيقا يسعي خلاله المذيع إلي محاصرة الضيف لاستخلاص إجابات منه. فكثيرا ما يقع المذيع في هذا الخلط بشكل تلقائي عندما يرد الضيف علي سؤاله بسؤال, فإذ به ينبري صائحا أنه يسأل( بفتح الياء) ولا يسأل(بضمها), وأن العكس ليس مسموحا به ولو مرة واحدة وبغض النظر عن السياق. وهكذا, يبدو دور المذيع أو مقدم البرنامج الحواري هو العنصر المحوري بين العناصر التي تحدد في مجموعها مستوي هذا البرنامج ومدي نجاحه أو فشله. ولذلك يحتاج تطوير أداء المذيعين العرب إلي جهد كبير تساهم فيه مؤسسات ومنتديات عدة في مقدمتها نادي دبي للصحافة.