تحقيق تسخينفال (اوسيتيا الجنوبية)- د. سامي عماره: جمهورية اوسيتيا الجنوبية الواقعة في منطقة شمال القوقاز كانت السبب الرئيسي في اشتعال الحرب في القوقاز في صيف عام 2008 . هذه الجمهورية اعلنت استقلالها من جانب واحد عن جورجيا منذ قرابة العشرين عاما . رفعت لواء التمرد والانفصال مع أبخازيا وأدجاريا في مطلع تسعينيات القرن الماضي . نجحت مع الاولى في الدفاع عن هذا الاستقلال بدعم مباشر من روسيا التي طالما انضوت تحت راياتها للعديد من القرون . وكانت موسكو قد هرعت لمساعدة اوسيتيا الجنوبية حين داهمتها جحافل القوات الجورجية ما اسفر عن كسر شوكة نظام الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي وثورته الملونة وايقاظ المعارضة التي ترفع اليوم رايات المطالبة برحيله . و في زيارة اخيرة الى تسخينفال العاصمة التقينا رئيس جمهوريتها الشاب ادوارد كوكويتي والذي كان حتى الامس القريب مدرسا للتربية الرياضية وبطلا لجورجيا في المصارعة الحرة . قال كوكويتي ان اوسيتيا مسقط رأس الزعيم السوفييتي الاسبق يوسف ستالين ..ولد عن اب كان اسكافيا اعرج وام جورجية من بلدة جوري المجاورة ولذا فقد جرى اطلاق اسمه على تسخينفال التي تحولت الى " ستالينير " لتعود الى اسمها القديم في اعقاب الحملة المعادية لستالين بعد رحيله في 1953 والتي شملت ازالة اسمه عن كل المدن ومنها ستالينجراد التي هي اليوم فولجاجراد . يذكرون في اوسيتيا اسم ستالين بمشاعر هي خليط من الفخر والادانة معا . يقولون انه دعم "صناعة" دولة اسرائيل حين سمح بهجرة الكثيرين منهم الي فلسطين من اجل اقامة اول دولة اشتراكية في المنطقة. بل وكان الاتحاد السوفييتي اول دولة اعترفت باسرائيل بعد دقائق من اعلان قيامها . يُحَمِلونه مسئولية الجرائم التي ارتكبها الاسرائيليون بدعمهم لنظام ساكاشفيلي وامداده باحدث المعدات التقنية العسكرية ومشاركتهم كمستشارين عسكريين في حملته ضد تسخينفال في صيف عام 2008 .ويضيف كوكويتي انه ليس صحيحا ان اسرائيل توقفت عن التعاون العسكري مع جورجيا . اكد ان مستشاريها لا يزالون هناك، يواصلون دعمهم لنظام ساكاشفيلي وتدريب جنوده ممن يحشدهم سعيا وراء الانتقام .كشف عن ان هذا النظام لا يكف عن محاولاته لاغتياله . قال انه جرى احباط 11 محاولة ومنها المحاولة التي حاول المنوط به تنفيذها مقابل 220 الف دولار خلال رحلته الى اوسيتيا الشمالية . وكشف الرئيس ايضا عن محاولة كان موعد تنفيذها في توقيت مواكب لتوقيت زيارتنا ما دفعني الى الاشارة الى احتمالات ان تكون تستهدف ضيوف الرئيس . وكنا نجلس الى جواره في عربته المرسيدس المدرعة . قال انه تعود على تغيير مسار رحلاته اليومية . كشف عن انه يفاجئ جهاز حرسه بتغيير السيارة التي يستقلها . عادة ستالينية قديمة . كان ستالين ايضا يفعل ذلك . لم يكن احد من افراد حراسته يعرف المسار الذي يختاره ستالين لتحركاته . كان يتعمد اطلاق اكثر من موكب لسياراته . ولا احد سواه كان يعرف السيارة التي تحمله . ونعود الى اليهود لنقول ان المدينة التي كانت موطن الكثير منهم حتى الامس القريب تخلو اليوم من كل هؤلاء وهو ما يثير الدهشة والغرابة . قالوا انهم بدأوا رحلة الهجرة الى اسرائيل منذ اطلق ميخائيل جورباتشوف حرية الهجرة منذ ثمانينيات القرن الماضي . اعربوا عن دهشة ازاء رحيل اليهود عن وطنهم الذي كان في حاجة اليهم للذود عنه ابان سنوات المحن . تركوه جميعا ليواجه وحده غزو اصدقاء ورفاق الامس. قالوا أيضا ان يهود اوسيتيا أو يهود الجبال كما يسمونهم كانوا من اكثر اليهود المتشددين الحريصين على اطلاق لحاهم وارتداء قبعاتهم الشهيرة . وكنا التقينا خلال زيارتنا للمدينة بأحد هؤلاء ما أثار الكثير من الفضول . هو ياكوف خوخاشفيلي . لم يجد ياكوف غضاضة في حكاية قصته . بل ونقول انه كان سعيدا بسرد تفاصيلها . ولم يكن من اصحاب اللحى او القبعات . اضطر تحت ضغط " الصغار " وزوجته الى الموافقة على الهجرة الى اسرائيل ولم يكن يريد ذلك . لم يخش الاعتراف بانه عاش أسود أيام عمره هناك بعد ان اكتشف زيف الكثير من الوعود بالعدالة والرخاء في اسرائيل . سرد بعضا من خلافاته مع جيرانه بسبب حبه لستالين وكراهيتهم له . أعرب عن دهشته تجاه من يعلن عن كراهيته لمن أنقذ اليهود من براثن النازية والهتلرية . قال انهم هناك يضعون علامة التساوي بين هتلر وستالين !!. ومضى ياكوف ليقول انه لم يطق صبرا حين بلغت اسماعه اخبار الغزو الجورجي لوطنه القديم . ولذا فقد حزم امره واتخذ قرار العودة ليكون اليهودي الوحيد اليوم الموجود في اوسيتيا الجنوبية وليعيش بمفرده بعيدا عن ذويه الذين اختاروا البقاء في اسرائيل . تذكر احد أبنائه . كان ذلك اليوم عيد ميلاده. وتحت فيض المشاعر ترقرقت دمعة حائرة سرعان ما انزلقت على وجنته ليمسحها في خجل مطرقا بناظريه . كشف عن انه يخشى الاتصال بعائلته في اسرائيل خوفا من احتمالات ملاحقتهم بسببه . قال انه يحاول البحث عن السلوى من خلال زياراته لما بقي من اطلال المعبد اليهودي الوحيد الباقي عند اطراف المدينة رغما عن انه لم يكن يوما من المؤمنين المتشددين . تهدج صوته ليقول في اسى ان المعبد اليهودي ليس وحده هو الذي طاله الدمار وعبثية العسكريين من جورجيا. حقا قال .. فقد طالت مخالب شياطين الخراب والكراهية كل ما هو جميل في اوسيتيا . لكنني اخشى اكثر ما اخشى ان تكون اسرائيل عادت الى غرس ابنائها في هذه الارض الطيبة كرسل شر أومصدر معلومات . واذا كان بعض الظن اثم فان بعضه الآخر قد يكون تذكرة لمن يتذكر .