أول ما لفت نظري فيها وكنت قد زرتها في مطلع مشواري الصحفي لافتة تستقبلك عندما تدخل الامارة:( ابتسم انت في الشارقة). هل كانت العبارة نبوءة بما هو آت؟ ربما. هل هي جملة اعتراضية في كتاب الخليج؟ ربما. هل كانت مدخلا انسانيا لأرض اشتهرت ببترولها ومعاييرها المادية؟ ربما لكن الشارقة وقد زرتها منذ ايام, كانت علي موعد مع مباراة في الوثب العالي نحو التقدم. ذلك ان حاكمها الشيخ سلطان القاسمي عربي التوجه, مصري الهوي, عصري الثقافة, عالمي الطموح, وخليجي التراث, ولست أقارن بين مصر والشارقة فهذا توازن مختلف, لأن حي شبرا في مصر تعداده اضعاف اضعاف ناس الشارقة. وهنا اركز علي( منهج تفكير) الشيخ. فالشارقة لم تستثمر في البزنيس المغامر, إنما استثمرت في التعليم الجسور.. الشارقة لم تشيد فنادق ناطحات سحاب تصادق السحاب, انما بنت جامعات تناطح الأمل وتصادق المعرفة.الشارقة لم تسع لتكون امارة دولية انما احتفظت بهويتها وعروبتها وطعم خليجها. كان الخليج في الماضي يشتري الاعلان وكان يهتم بالكينونة عبرحملة علاقات عامة وخاصة. سمعت مرة الصحفي اللبناني الراحل سليم اللوزي يقول ساخرا وكنا في أبوظبي أنا جاي هون ميشان أبني حضارة الامارات؟. جاء اليوم الذي يلفت الخليج نظرة العالم ليس لبتروله فقط, انما لمناحي اخري وثروات( ليست هدمية) بلغة الاقتصاد. الشارقة واحدة من الامارات السبع ليست معقدة من الطرق علي باب العلم واستقدام الأجنبي ليشارك في بنائها حتي أول خريج من ابنائها يعمل علي ارضها. ولأن الشيخ الحاكم تخرج في زراعة القاهرة, تروق له مشروعات المياه والارض, حضرت محاضرة بالخرائط الالكترونية لخبرة عالمية عن ملوحة البحر وسبل استخدامها في الزراعة, رأيت الاساتذة الاجانب يدرسون للطلبة في الجامعة الأمريكية علوم الحياة والسوق. اساتذة لهم بيوت وحياة اسرية واستقرار لا يعرف التنطيط. المصريون من اصحاب التجربة يحاورون عقل الشيخ ولهم مكان ومكانة في جامعة الشارقة ومصر ولأن الشيخ من جيل الامتنان, لم ينس فضل مصر علي تكوينه الوجداني, أعرف من الصديق الكبير د.عبدالعزيز حجازي المبحر في المحيط المدني بعمق مساهمات حاكم الشارقة في مصر. مركز للاستنساخ الحيواني في كلية الزراعة. مكتبة ومركز معلومات للكلية(50 ألف عنوان ومرجع و132 حاسبا آليا). مجمع الشارقة التكنولوجي في مدينة اكتوبر ويتكون من مدرسة فنية وكلية تكنولوجية تستوعب1500 دارس. سكن داخلي لطالبات المدينة الجامعية من المغتربات. مقر لجمعية المؤرخين بمدينة نصر وفيها قاعات ومحاضرات ومكتبة تنشط الوعي بالتاريخ. مجمع للمعامل بكلية الزراعة. وديعة قيمتها خمسة ملايين جنيه يصرف عائدها علي البحث العلمي بالجامعة. انشاء اتحاد المجاميع العلمية اللغوية العربية بمدينة6 أكتوبر علي مساحة6 آلاف متر بتكلفة40 مليون جنيه. آخر مرة كان الشيخ في مصر للاحتفاء من جانب دار نشر مصرية بكتابه سرد الذات. إنه سيرة ذاتية لسلطان بن محمد القاسمي يقول في مقدمته كتبت هذا الكتاب لأوثق فيه تاريخ أهلي وبلدي علي مدي29 عاما, من كتب الشيخ: اسطورة القرصنة العربية في الخليج, والاحتلال البريطاني لعدن, وتقسيم الأمة المورية العمانية وصراع القوي والتجارة في الخليج و.. الحقد الدفين, وكلها صدرت عن منشورات القاسمي, وهو أول حاكم خليجي في دولة الامارات, الثقافة شغله وشاغله, والتاريخ عنده ليس علم الحوادث الميتة. وقف الشيخ يقول في كلية العلوم الصحية في جامعة ماكماستر بكندا قومي قدموا للغرب العلوم من كيمياء وفيزياء وفلك وجبر. ولقد تركنا بصماتنا واسماءنا في تلك الحقول. الارقام التي تستخدم اليوم جاءتكم من عندنا بما فيها الصفر, واين سيكون اليوم بدون الصفر. نحن لانفاخر, انما نسرد حقيقة, فلسنا جهلة, لقد دخلنا فقط عصرا مظلما. حين يأتي الشيخ الي مصر أو يسافر الي بلاد الله الواسعة لا يكف عن السؤال عن قضايا محددة ومدي التقدم فيها. واحدة من هذه القضايا( الاعاقة بصورها) وفي الخليج نسبة ليست بقليلة معاقون ذهنيا أو سمعيا أو بصريا. وتبنت الشارقة مفهوما عصريا عن( الدمج) بين المعاق وقرينه السليم بحيث لا يشعر المعاق بالعزلة, وكنت قد تذكرت اقتراحا في مصر بتمثيل واحد من المعاقين في مجلس الشوري المصري, فأدركت معني الدمج الذي رأيته في مدينة الشارقة للخدمات الانسانية وهي مدينة تحنو بصبر ومودة ورحمة علي المعاق طفلا أو شابا. واذا امسك المعاق قلما ملونا وراح يرسم بجناحين مكسورين, ذهبت اللوحات الي معرض يحضره الحاكم ويمضي مع المعاقين وقتا لا يقل عن متابعته لمهرجان اضواء باهر يشع جمالا في ليل الشارقة وهو يحتضن البحيرة العريضة في ضوء القمر. الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة يعتقد ان الثقافة والفهم والاحاطة بما حولنا وقبول الواقع هو رقة العرب امام الغرب, فليس الغرب بعبع, انما البعبع حقا هو الجهل والعزلة والسلبية. وجيل جامعات الشارقة هو صمام الامان من التطرف اليمني أو اليساري, لأن العالم لم يعد يحتمل انانية المفكر قال لي طالب بالجامعة الامريكية في الشارقة وهو من اهل الشارقة يجب ان يرانا العالم بوجه آخر غير الوجه النفطي. ولما سألته كيف؟ قال( بالتفاعل مع الآخر). الشارقة, مجتمع خليجي هادئ يتفاعل مع الآخر ولا ينعزل بحجج فقهية ربما لان الحاكم رجل يتعامل بعملة الثقافة في سوق السياسة ولا تهمه قناة تليفزيونية متعددة القنوات متعددة الاطباق ولا سيارات فارهه تنهب الارض ولا حفلات اسطورية لنساء عاريات الاكتاف. يحلم حاكم الشارقة ب شروق الانسان العربي بعد غروب طويل من العزلة ومخاطبة الذات بعنترية كاذبة!