آخر معلومات البرلمان البريطاني عن قضية رد الأموال المنهوبة لمصر تقول: بريطانيا تريد التأكد من أن لديها الأدوات والسلطات اللازمة لضمان ألا تكون ملاذا آمنا للتستر علي عائدات الفساد( في الدول الأخري). بريطانيا ضغطت لإجراء تغييرات في قواعد العقوبات الأوروبية, وجري تطبيق تلك التغييرات في السابع والعشرين من نوفمبر2012. هذه التغييرات تسمح بتبادل أفضل للمعلومات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي ودول الربيع العربي, ومن بينها مصر, بشأن استعادة الأموال المنهوبة. غير أنه بعد عامين من صدور العقوبات الأوروبية( في21 مارس عام2011), لم يحدث أي تبادل للمعلومات بين مصر وبريطانيا, ولم تقدم السلطات البريطانية لنظيرتها المصرية سوي معلومة واحدة, بعد ضغوط, وهي أن إجمالي قيمة الأصول والحسابات المصرية المجمدة في بريطانيا يبلغ85 مليون جنيه استرليني( تعادل850 مليون جنيه مصري). أحمد عز وزوجتاه فمعلومات الأهرام تؤكد أن مصر تشكو, بمرارة, في اللقاءات المغلقة مع البريطانيين من أنها طلبت من المملكة المتحدة تقديم معلومات عن ال85 مليون جنيه استرليني. لكنها رفضت تقديم المعلومات, واستندت في رفضها إلي أحكام قرار الاتحاد الأوروبي لتجميد الأرصدة. وقال مصدر مصري مسئول متابع للملف هناك صعوبات تعترض تعاملنا مع السلطات البريطانية المختصة حتي الآن, خصوصا فيما يتعلق بتوفير المعلومات والوثائق, وتسليم المطلوبين, والنظر في طلبات المساعدة القضائية المتبادلة. فرغم التعديلات التي أدخلها الاتحاد الأوروبي, التي تقول بريطانيا إنها كانت وراءها, فإنها مازالت, حسب الشكوي المصرية, تصر علي عدم إمكانية تقديم المعلومات. لم تعط أي جهة بريطانية وزارة العدل المصرية أي معلومات حتي عن الشخصيات التي جمدت أموالها وأرصدتها في بريطانيا, فاضطرت وزارة العدل إلي الاعتماد علي امكاناتها المحدودة لجمع المعلومات, وفي مواجهة الصعوبات القانونية التي تتذرع بها بريطانيا, تمكنت اللجنة القضائية لاستعادة الأموال التابعة لجهاز الكسب غير المشروع في وزارة العدل, حسب معلومات' الأهرام' التي تكشف لأول مرة, إلي التوصل إلي النتائج التالية: أولا: من بين الشخصيات ال19 الواردة في لائحة عقوبات الاتحاد الاوروبي, جمدت بريطانيا أموال وممتلكات8 أشخاص فقط, هم: جمال مبارك, وحبيب العادلي وأحمد عز واثنتان من زوجاته, وأحمد المغربي وزوجته, ورشيد محمد رشيد. ثانيا: قدمت مصر أكثر من25 طلب مساعدة قضائية إلي الهيئة المركزية في المملكة المتحدة' منذ بدء الجهود المصرية لاستعادة الأموال المهربة عقب تنحي مبارك, وحتي الآن, رفضت الهيئة أكثر من15 طلبا, ولم تبت حتي الآن في بقية الطلبات. طلب تنازل مرفوض جيرمي براون وفي اتصالات للأهرام, رفضت وزارات الخارجية والداخلية والمالية وأجهزة التحقيق تأكيد أو نفي تلقي هذه الطلبات. وقالت إن القواعد الدولية المعمول بها تمنع السلطات البريطانية المختصة من تأكيد أو نفي وجود طلبات مساعدة قضائية. وهذا يعني أن المعلومات المتوفرة لدي المصريين كانت بجهد ذاتي دون تعاون مع البريطانيين. وهذا ما دفع وزارة العدل المصرية للاصرار علي رفض الطلب البريطاني التنازل عن القضية المرفوعة ضد الحكومة البريطانية أمام المحكمة الإدارية العليا للحصول علي حكم قضائي ملزم بتعاون البريطانيين مع المصريين لاستعادة الأموال, وتكشف معلومات الأهرام أن هذه القضية كانت مثار توتر بين المصريين والبريطانيين خلال زيارة الوفد البريطاني لمصر أخيرا برئاسة جيرمي براون, وزير الدولة لمنع الجريمة في وزارة الداخلية البريطانية. ثالثا: استأجرت مصر مكتب تحريات خاصا في أوروبا لجمع معلومات عن ممتلكات وأموال وأصول قائمة من الشخصيات المصرية في الدول الأوروبية. وحصلت مصر علي قائمة بعقارات في أحياء راقية عدة في لندن يعتقد بأنها مسجلة باسماء عدد من الشخصيات ال19 الواردة في القائمة الأوروبية. مصر وليبيا غير أن سلطات التحريات البريطانية, وأهمها وكالة مكافحة الجرائم الخطرة المنظمة سوكا, لم تتعاون حتي الآن للتحقق من هذه المعلومات, وتشير المصادر إلي أن مصر تبحث الآن اللجوء إلي القضاء البريطاني لتمكينها من تحويل ملكية هذه العقارات لمصر أسوة بما فعلت لندن مع ليبيا. رفضت اللجنة القضائية لاستعادة الأموال بوزارة العدل التعليق علي معلومات الأهرام. غير أنها أكدت أنها تعمل علي مختلف المسارات ومع احدي عشرة دولة ومنطقة عربية وغير عربية نتوقع وجود أموال مصرية مهربة إليها. وقال المستشار أحمد سعد, عضو اللجنة للأهرام إن اللجنة تعمل بإمكانات فنية ومالية ضئيلة للغاية حرصا علي استعادة الأموال بأقل تكلفة. ويعترف سعد بأن ما تحقق هو بالتأكيد دون مستوي طموح اللجنة أو الرأي العام المصري. غير أنه أضاف' خبرتنا في العامين الأخيرين كشفت أن خصومنا من الشخصيات التي نسعي لاسترداد أموال الشعب المصري منها لديها المليارات ويمكنهم استئجار جيوش من المحامين, وهذا ما لا يتوفر لنا'. وفيما يتعلق بالتكلفة التي تحملتها الميزانية المصرية حتي الآن لمتابعة ملف الأموال المهربة, قال سعد إنها لا تتجاوز4 ملايين دولار في كل الدول بينما أنفقت الشخصيات المستهدفة مالا يقل عن150 مليون دولار. ونبه سعد إلي أنه ليست لمصر خبرة في قضايا استعادة الأموال, مقارنة بدولة مثل المملكة المتحدة. وضرب مثلا بأن اللجنة بذلت جهدا مضنيا لمجرد التحقق بالادلة من الأموال التي يمكن تجميدها, تمهيدا للسعي لمتابعة إجراءات استعادتها. تغييرات متوقعة وحسب تقارير اللجنة, فإن اجمالي هذه الأموال مليار وثلاثة ملايين و320 ألف دولار أمريكي في ثماني دول ومناطق أجنبية هي: المملكة المتحدة وسويسرا وإسبانيا وقبرص وهونج كونج وفرنسا وليختنشتاين. ورغم الإحباط من تردد بريطانيا في التعاون, فإن هناك مؤشرات علي تغير متوقع خلال الاسابيع المقبلة بعد تشكيل بريطانيا' قوة المهام الخاصة لاعادة الأموال. وقالت مصادر وزارة الداخلية البريطانية إن هذه القوة تراجع الآن الإطار القانوني اللازم توفره في بريطانيا لتقديم المساعدة للدول الأخري الساعية لاستعادة الأصول المسروقة'. ويعتقد سعد إن الإصرار المصري علي متابعة الملف وفق الإجراءات القانونية والقضائية في المملكة المتحدة رغم قلة الإمكانات هو أحد أسباب اقدام الحكومة البريطانية علي تشكيل هذه القوة. وفي آخر بيان قدمته إلي مجلس العموم واللوردات البريطانيين, قالت وزارة الداخلية إن جري استئجار الخبير القانوني مايكل بيلوف ليكون مستشارا قانونيا لهذه المراجعة. وتشير معلومات الأهرام إلي أن هناك شعورا بريطانيا بالقلق من تأثير بطء جهود رد الأموال المنهوبة علي صورة بريطانيا في الشرق الأوسط ودول الربيع العربي. وقال مسئول بريطاني ل الأهرام إن قوة المهام الخاصة سوف تقود جهدا دبلوماسيا لاعادة بناء سمعة بريطانيا الجيدة في رد الأموال. وتستشعر وزارة العدل المصرية, خاصة بعد زيارة وزير الشئون الداخلية لمصر, بجدية بريطانية في تحقيق تقدم. وتوقع سعد أن يكون الوزير والخبراء المرافقون له قد تأكدوا بأنفسهم من أهمية هذه القضية بالنسبة للشعب المصري, وطالب بإجراءات فعلية ليس لمجرد التعاون وتبادل المعلومات ولكن للبدء العملي في استرداد الأموال, وهو الهدف النهائي لهذه العملية الطويلة المعقدة. تحذير بريطاني ويشكو المسئولون البريطانيون من أن القانون يقيد قدرتهم علي التعاون مع مصر وليبيا وتونس لاعادة الأموال. ففي حالة مصر مثلا, طعن أحمد عز أمام القضاء البريطاني بدعوي التضرر في قرار الاتحاد الأوروبي الأصلي بالعقوبات, الصادر في مارس2011, وهذا ما دفع الحكومة البريطانية لادخال تعديل علي القرار. وهذا هو أحد الاسباب الذي استند إليها متحدث باسم وزارة الداخلية البريطاني في التأكيد علي تحقيق تقدم جيد في رد الأموال إلي دول الربيع العربي. ويرجع البريطانيون هذا التقدم إلي وجود إصرار سياسي من جانب رئيس الوزراء البريطاني علي مساعدة هذه الدول في هذا الملف. وينعكس هذا الاصرار, كما تقول وزارتا الداخلية والخارجية البريطانيتان, في تشكيلة قوة المهام الخاصة التي تضم: إدارة التحقيقات المالية في الشرطة البريطانية اسكوتلانديارد, ووكالة مكافحة الجريمة الخطرة المنظمة, وهيئة ادعاء التاج( النيابة العامة البريطانية). غير أن مسئولا بريطانيا يحذر من الإفراط في التفاؤل, قائلا إن استعادة الأموال يحتاج عملا شاقا لتحديد الأصول المخفية وتتبعها, مع ضرورة مراعاة الإجراءات القضائية اللازمة لمصادرتها. ويشير إلي أن تشكيل قوة المهام الخاصة مجرد خطوة, وأن تحقيق الهدف النهائي المرغوب, وهو رد الأموال المسروقة, يحتاج إلي صبر ووقت وجهد من جانب السلطات في الدول المعنية. الجزء الثاني في الأسبوع المقبل