أزعجني بشدة ما نشرته صحيفة فايتشيال تايمز البريطانية, عن قرب وقوع كارثة اقتصادية بحلول الصيف المقبل في مصر, بسبب اقتراب نفاد الاحتياطي النقدي, وما يمكن أن يترتب عليه من عجز عن شراء الواردات من الغذاء والطاقة, مشيرة إلي بوادر الأزمة الاقتصادية التي بدأت تلوح في الأفق, ومحذرة من تدفق اللاجئين المصريين علي أوروبا بشكل غير مسبوق. وعلي الرغم من أن التقرير متشائم, فإنه لا يبتعد كثيرا عن الواقع, فالاحتياطي النقدي يتآكل يوميا, والأسعار تنهش أجساد المصريين وجيوبهم دون رقيب أو حسيب, فنحن شعب يستورد ولا ينتج, وازداد الوضع سوءا بعد أن انهارت السياحة, وتوقفت عجلة الإنتاج عن الدوران, وكانت النتيجة هذا الارتفاع الجنوني للدولار, الذي انعكس بدوره علي أسعار كل السلع والخدمات. زيادات متلاحقة طرأت علي المواد الغذائية الأساسية بدءا بالخضراوات ومرورا بالفاكهة وانتهاء باللحوم والبقوليات بأنواعها, وتحولت معيشة المواطن إلي حالة من المعاناة المستمرة نتيجة عدم قدرته علي تدبير احتياجات أسرته الأساسية, أما الملابس فقد اشتعلت أسعارها هي الأخري, وعاد الانتعاش إلي أسواق الملابس المستعملة البالة, ومن يرد أن يري فعليه أن يتجول في وكالة البلح أو شارع62 يوليو وباقي شوارع وسط البلد, التي تحولت إلي سوق مفتوحة للملابس المستعملة بعد تزايد الإقبال عليها. أيضا فإن مشكلة البنزين والسولار باتت من المشكلات المتكررة.. تهدأ يوما.. وتظهر في باقي الأيام, ومنذ عدة أسابيع لاتزال أزمة نقص السولار مستمرة, والسيارات تقف أمام محطات التموين بالساعات في طوابير تمتد لعدة كيلومترات, لتحصل علي ما تحتاجه من سولار, والسبب نقص السيولة وعدم تدبير التمويل اللازم لاستيراد ما نحتاجه من كميات ضرورية لحاجة الاستهلاك. أما المشكلة الكبري التي يمكن أن تظهر بوضوح في الصيف المقبل, فهي مشكلة الكهرباء بعد أن يصل الاستهلاك إلي ذروته في أشهر الصيف, ولأن محطات التوليد تعاني نقصا واضحا وحادا في الوقود, فإنها تعمل بنصف طاقتها, وربما أقل, مما تسبب في نقص خطير في كميات الكهرباء المتولدة من هذه المحطات. مصر تعيش أزمة اقتصادية خطيرة لا تحتمل مواجهتها التأجيل أو التسويف, وهي التي يجب أن تحتل الصدارة في تلك المرحلة, وقد أعجبتني دعوة السيد عمرو موسي التي أطلقها هذا الأسبوع لعقد مؤتمر دولي عاجل لإنقاذ الاقتصاد المصري, تشترك فيه كل الأحزاب والتيارات قبل أن ينهار علي رءوس الجميع, وللأسف الشديد, فقد ذهبت هذه الدعوة أدراج الرياح, ولم تهتم بها الحكومة من قريب أو بعيد, مما يؤكد فشل هذه الحكومة وانفصالها عن الواقع. وليت د. محمد مرسي, رئيس الجمهورية, يستجيب إلي دعوات إقالة هذه الحكومة, وتشكيل حكومة جديدة, واختيار شخصية وطنية توافقية قادرة علي قيادة الحكومة في هذه المرحلة الحرجة والحساسة, لكي تعود عجلة العمل إلي الدوران, ويتم البت في قضية قرض صندوق النقد الدولي, وتنظيم مؤتمر دولي لإنقاذ الاقتصاد المصري من المأزق الحالي. إلي جوار الإجراءات العاجلة التي يحتاجها الاقتصاد المصري قبل أن يتدهور أكثر مما هو عليه الآن, لابد أن تعود حركة العمل والإنتاج إلي سيرتها الأولي, وينتظم العمل في المصانع والشركات والمواني وكل المجالات, فلا أمل إلا بعودة الإنتاج ومهما كانت أهمية الحلول العاجلة فإنها لن تغني عن العمل لتوفير أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي وزيادة التصدير. الوقت يداهمنا والحكومة تقف متفرجة ورئيسها يلوذ بالصمت, في وقت يحتاج فيه الشعب إلي من يحاوره ويقنعه ويكشف الحقائق أمامه كاملة غير منقوصة, ليتحمل كل مواطن مسئوليته أمام ضميره أولا وأمام شعبه ثانيا, فالخطر إذا جاء فلن يفرق بين الحكومة والمعارضة, أو بين الليبراليين والإسلاميين, فالجميع ركاب سفينة واحدة, والصيف علي بعد خطوات قليلة, فاحذروه قبل فوات الأوان. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة