تتجه أنظار العالم خلال الساعات المقبلة صوب إسرائيل للتعرف علي نتائج انتخابات الكنيست التاسع عشرالمزمع عقدها اليوم الثلاثاء. وتجري هذه الانتخابات في ظل مناخ شديد التطرف أكثر من أي وقت مضي, حيث تشتد فيه المنافسة بين مختلف الأحزاب الإسرائيلية حول مستقبل عملية السلام وسياسة المستوطنات والتحالفات الإقليمية والعالمية والأمن الإسرئيلي. وتفيد استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية أن الساحة الإسرائيلية باتت مهيأة أكثر من ذي قبل لفوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو بنتائج الانتخابات, وهذا بفضل تحالف الليكود بيتينو الذي أسسه نيتانياهو مع افيجدور ليبرمان مؤسس حزب يسرائيل بيتينو, والذي يرفع شعار تجديد الليكود. ولاشك أن لهذا الشعار أهمية بالغة الأثر في الساحة السياسية الإسرائيلية لاسيما أن حزب الليكود يعد واحدا من أقدم الأحزاب السياسية في إسرائيل, حيث تأسس في عام1973, ويملك هذا الحزب إرثا عقائديا يمينيا شديد التطرف. وقد توالي علي رئاسته عدد كبيرمن القادة المتطرفين مثل مناحم بيجين(1913-1992) مهندس مجزرة صابرا وشاتيلا, و إسحاق شامير(1915-2012) مفجر فندق داود بالقدس, و إرييل شارون صاحب المجازر الشهيرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وبالرغم من عراقة هذا الحزب وأهميته في الساحة السياسية الإسرائيلية إلا أنه قد اعترته خلال العقد الماضي الكثير من الانقسامات والانشقاقات فاستقال منه إرييل شارون في عام2005, مفضلا تأسيس حزب كاديما, كما استقال منه إيهود اولمرت و تسفي ليفني وغيرهم. ومن هنا فإن شعار تجديد دماء الليكود الذي يرفعه بنيامين نيتانياهو في حملاته الانتخابية التي يتوقع معظم المراقبين والمحللين فوزه بنتائجها يؤكد أنه عاقد العزم علي إحياء سياسات حزب الليكود اليميني المتطرفة في مواجهة المنطقة. وبالرغم من أن حزب يسرائيل بيتينو الذي أسسه أفيجدور ليبرمان في عام2003 يعد حزبا جديدا علي الساحة السياسية الاسرائيلية مقارنة بحزب الليكود الذي يتزعمه نيتانياهو إلا أنه توجد مساحة ضخمة من الاتفاق بين الحزبين تتمثل في تبنيهما لنهج شديد المتطرف. ولاشك أن نهج افيجدورليبرمان الذي سبق له التعاون مع أحزاب يمينية عنصرية شديدة التطرف مثل حزبي موليدت و تكوماه يلقي قبول نيتانياهو, حيث سبق لليبرمان أن رفع شعارات خاصة بالترحيل الطوعي لفلسطينيي48 وتبادل الأراضي مع الفلسطينيين كما سبق له أن طالب بالتخلص من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتفكيك السلطة الفلسطينية. ولعل أهم ما يميز ليبرمان أنه طرح الشعار العنصري الشهير المواطنة مقابل الولاء لمنع ممثلي عرب48 من خوض الانتخابات البرلمانية. وبالإضافة إلي التوافق الفكري الذي يجمع بين نيتانياهو وليبرمان فلاشك أن نيتانياهو يرحب بالتعاون معه, خاصة أن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية تشير إلي أن نحو40% من الناخبين الروس مازالوا مصممين علي التصويت لتكتل يسرائيل بيتينو باعتبار أن الاتهامات الموجهة للزعيم الروسي جزء من اضطهاد المؤسسات في الدولة العبرية للمهاجرين من الاتحاد السوفيتي السابق. ويعقد نيتانياهو آمالا ضخمة علي تحالف الليكود بيتينو وعبر عن أهميته بقوله: إن تحالف قوي اليمين سيمنحنا القدرة للدفاع عن إسرائيل وإحداث تغيير اجتماعي واقتصادي, ويستلزم هذا التغيير تأسيس حكومة قوية يترأسها رئيس وزراء قوي. وتفيد استطلاعات الرأي العام أن الليكود بيتينو سيحصل علي اثنين وثلاثين مقعدا من مقاعد الكنيست البالغ عددها مائة وعشرين مقعدا, ومن هنا يري عدد من الخبراء أن نيتانياهو سيقدم علي تأسيسس تحالف قوي مع أحزاب أخري مثل يش عاتيد الذي يترأسه يورام لابيد, وحزب كاديما وربما مع حزب العمل. ويفضل نيتانياهو التعاون مع هذه الأحزاب لمواجهة غلاة اليمين الديني المتطرف الذي يمثله نفتالي بينت مؤسس حزب البيبت اليهودي الذي سبق له الانخراط في صفوف منظمة جوش ايمونيم اليمينية المتطرفة, والحاخام عوفديا يوسف زعيم حزب شاس الذي أصدر فتوي بتحريم التصويت لحزب الليكود, نظرا لأن التلاميذ الاسرائيليين في عهد حكومات الليكود لم يعودوا يعرفون شيئا البتة عن الديانة اليهودية فضلا عن تطاول نيتانياهو علي المدارس الدينية اليهودية, حيث وصفها بأنها حجر عثرة علي درب التقدم. ولا يكتفي نيتانياهو بالترويج لآرائه اليمينية في داخل إسرائيل وإنما يعمل علي الترويج لها في الأوساط الأوروبية الغربية, مؤكدا أن إسرائيل ستظل الحليف المخلص دوما للغرب والولايات المتحدةالأمريكية, فأكد خلال لقائه بالرئيس الفرنسي اولاند وفي إطار الحديث عن العملية الفرنسية في مالي انه لا بد من اقتلاع الإرهاب الاسلامي من القارة الافريقية, حيث إنه يهدد العالم الحر مثلما يهدد اسرائيل وهو لايبعد عنها سوي عشرات الكيلومترات ويكشف ما قاله نيتانياهو خلال لقائه بالرئيس الفرنسي أنه يؤكد أن إسرائيل وفرنسا تواجهان خطرا مشتركا يتمثل في التطرف الإسلامي, كما يكشف عن أن خريطة المصالح الإسرائيلية تتلاقي وتتفاعل حتما مع المصالح الغربية, ومن هنا لا بد أن تنعم إسرائيل دوما بالحماية الدولية. ويحرص نيتانياهو في خطابه علي الالتزام بآليات التأثير والإقناع الخاصة باليمين الإسرائيلي والتي تتمثل في تعزيز الإحساس بالخوف والهلع في نفوس الإسرائيليين من الخطر العربي الداهم والدائم, فجاء في إحدي خطبه التي ألقاها أمام طلاب جامعة اريئيل اليهودية المقامة علي آراضي الضفة الغربية: يجب علي اسرائيل دائما ان تكون دولة قوية لأنه لايمكننا ان نتعايش مع ديكتاتوريات عسكرية في المنطقة لاتتوقف عن ذبح سكانها. ويكشف مثل هذا الخطاب أن رئيس الوزراء نيتانياهو المرشح للفوز بنتائج انتخابات الكنيست التاسع عشر يحرص علي تعزيز إحساس الناخب الإسرائيلي بالخوف من السلام مع العرب, مفضلا تقديم شعوب المنطقة في صورة العدو القديم الحديث الذي يعيش علي سفك الدماء. ويتضح لنا علي ضوء كل ما تقدم أن الخريطة الإسرائيلية في انتخابات الكنيست التاسع عشر تقوم علي تحالفات يمينية متطرفة يتعذر معها الحديث عن ربيع قادم في العلاقات العربية الإسرائيلية, ويصعب في ظلها التوصل إلي اتفاقيات يتحقق بموجبها السلام والأمن للجميع.