توصيات المؤتمر (1) الحفاظ علي هوية مصر وعمقها الحضاري وتنوعها الثقافي. (2) يؤكد المؤتمر الموقف الثابت والمبدئي لمثقفي وأدباء مصر برفض أشكال التطبيع كافة مع العدو الصهيوني, ويقف المؤتمر ضد كافة محاولات حل القضية الفلسطينية علي حساب السيادة الوطنية المصرية. (3) التمسك بضرورة كفالة حرية الاعتقاد والتعبير, ورفض جميع أشكال الوصاية علي الإبداع والفكر, والدعوة إلي التعامل مع الإبداع والثقافة وفق معاييرهما الخاصة. وتعديل مواد الدستور الخاصة بحرية الرأي والإبداع واستبعاد الصياغات الفضفاضة التي تحتمل أكثر من وجه. (4) التشديد علي أهمية ترسيخ أهداف الثورة: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية. (5) الاهتمام بتنمية سيناء والعمل علي تعميرها بالبشر والحفاظ عليها من القوي الخارجية, وإدارة ملفها بطرق غير تقليدية, آخذة في الاعتبار ظروف البيئة المحلية. (6) إحياء وتوثيق العلاقات الرسمية والشعبية مع دول حوض النيل تأكيدا لهوية مصر الإفريقية. (7) الاهتمام بثقافة البيئة واستجلائها في تخطيط المدن. (8) زيادة ميزانية وزارة الثقافة بحيث تتمكن من أداء دورها. (9) إعادة النظر في آلية تقديم البرامج الثقافية بالإعلام المصري بحيث تكون جاذبة للمواطن. هذه الدورة لمؤتمر' أدباء مصر' التي اختتمت أعمالها أول أمس بمدينة' شرم الشيخ' ربما تكون الأعجب في تاريخه! لأنها عقدت في مدينة' شرم الشيخ' المستعادة من غيابها السياسي بعد سقوط النظام الذي عزلها وعزل نفسه عن واقع مصر كلها. ما جعل البون واسعا بين واقعنا المعيش الآن, بارتباكاته واضطرابه, وأهداف المؤتمر الذي حمل عنوان'عقد ثقافي جديد' وسط غياب' العقد السياسي الآمن'. المدينة المبهرة بعماراتها شكلت مشهدا مدهشا, يحيطه البحر والجبال, ويغص بالسواح من أجناس عديدة, فبدت في ظاهرها باهية ترفل في دعة نهارية, وألق ليلي يعزز عزلتها الفخمة, ليبقيها بمنأي عن زماننا وواقعنا. كأن مصر لم تشهد تغيرا. لكن الأديب المقدر'صنع الله إبراهيم' بدد كل هذه الإيحاءات في جلسة افتتاح المؤتمر, وأعاد الجميع إلي سيرة الثورة, حيث دعا الحضور في كلمته كرئيس للمؤتمر'.. للوقوف حدادا علي شهداء حريق مسرح بني سويف وشهداء التحرير ماسبيرو ومحمد محمود واستاد بور سعيد ومحمد محمود الثانية وقصر الاتحادية, وبقية شهداء ميادين الثورة, ضحايا الفاشية العسكرية والدينية'. ولاقي هذا قبولا فوريا واستحسانا كبيرا. وفي بقية كلمته وبدقته المعهودة لفت الأنظار إلي التوصية الدائمة المتكررة في دورات المؤتمر السابقة' برفض التطبيع الثقافي' مع إسرائيل, وهي الوحيدة بتقديره التي تمت الاستجابة لها و' إن تم ذلك طبقا لسياسة السلطة ذات الوجهين', وكذا توصية وردت في أغلب الدورات بضرورة' كفالة حرية التعبير ورفع كافة الضغوط والقيود التي تحول دون حرية الأديب المطلقة في التعبير عن فكره وإيصاله بشتي الوسائل', وأكد علي' ضرورة التصدي لمحاولات الردة الفكرية التي تعوق تقدم حركة الفكر والإبداع وإدانة التطرف بكل أشكاله'. ومن الأحداث التي استلفتت الحضور اعتراض أحد المشاركين علي تعبير' الفاشية العسكرية والدينية' الذي جاء في كلمة الأديب' صنع الله إبراهيم' والذي بادر هو بتفسير قصده منها في جلسة ما بعد الافتتاح, بأن الفاشية تعود إلي ما فعله المجلس العسكري أثناء الفترة الانتقالية بعد الثورة من بعض الممارسات التي كانت فاشية, وهذا لا علاقة له بالجيش المصري الذي يعد أحد أهم أدوات الوطن, وكذلك الدين الذي يعد من أهم أركان الحياة, والفاشية هنا هي استغلال بعض الأشخاص للدين في ممارسة الفاشية لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالدين. ورأي الشاعر والإعلامي النشط' محمود شرف' أمين عام المؤتمر' أننا بحاجة إلي وطن جديد وثقافة مغايرة ليأتي الغد متخلصا من إرتباكات المشهد الراهن, والثقافة هي المفتاح السحري'. وتوقف الشاعر' سعد عبد الرحمن' في كلمته أمام نقاط مهمة كان من أبرزها أننا بصدد استهلال عهد جديد' يستند علي سواعد أبناء الوطن كلهم, فقد ثار المصريون علي الظلم, وعلي غياب العدالة الاجتماعية, وعلي الديكتاتورية والتوريث, وحطموا صنم القوة الواحدة المستبدة, فلا سلطان اليوم إلا لما أراده الشعب أو لما سيريده, ولا بقاء إلا للقوة التي يستمدها من ضمير الشعب, فلم يعد ممكنا أن تستأثر قوة بعينها بما قدر للوطن, ولا أن تستبد سلطة علي الشعب'.' وهنا فقد أصبح دور المثقف حتميا'. وأشار وزير الثقافة دكتور' صابر عرب'إلي أن' مصر ليست دولة بترولية ولا غنية اقتصاديا, لكنها تتمتع بغني ثقافي كبير, لأن شعبها منذ فجر التاريخ مبدع ومحب للفنون, وحاز احترام العالم بتاريخ ممتد من الفكر والفن والوعي, وكان المعلم الأول للدنيا, وهذا الميراث الضخم يعفينا من الخوف علي هويتنا'. وتم تكريم عدد من الأدباء علي رأسهم الأديب' صنع الله إبراهيم', وزميلنا بالأهرام الصحفي الدؤوب والشاعر'سيد محمود', والشاعر والناقد الدكتور' أمجد ريان', والشاعر' محمود شرف', والأديبة' هيام عبد الهادي', والشاعر' أشرف عتريس', والشاعر' فاروق خلف', واسم الشاعر الراحل' أحمد زرزور, ولم يعكر الفرحة بتكريم المبدعين سوي الحرج الذي تعرض له الشاعر السيناوي' حازم المرسي', واحتسبه الحضور خطأ غير مبرر من أمانة المؤتمر. وفي الجلسة الحرة التالية علي الافتتاح تحدث العديد من الأدباء عن هموم النشر ومركزية القاهرة ومظالم شتي يعانونها, وأمعنوا في طرح تفاصيل محلية تعكس مشقات الحياة الثقافية في المحافظات, ولم تعد الجلسة من يطالب بتكريم وزير الثقافة الأسبق' فاروق حسني' وتجاهلت المنصة الرد عليه تماما, وضمن مداخلته طلب الوزير' صابر عرب' من رئيس الهيئة' سعد عبدالرحمن'' تغيير اسم الهيئة' من العامة لقصور الثقافة' إلي' الثقافة الجماهيرية' لاستعادة اسم وروح الإنجاز القديمين, ولاقي طلبه ترحيبا من الحضور, وأوضح' عبد الرحمن' أن الأمر يستلزم استصدار قرار جمهوري. وأبرز ما استوقفني في ثنايا ردود الوزير أمران كلاهما بتقديري أخطر من الآخر, أولهما طلبه من رئيس الهيئة' فتح مجالس الأمناء بقصور الثقافة' في أنحاء مصر للشخصيات العامة, وهذا لو حدث في ظل المتغيرات الجارية سيكون بمثابة من يفتح' بابا واسعا لريح عاتية', يمكنها اقتلاع أوتاد الثقافة وإلقاؤها في مهب تشدد يري الأنشطة الثقافية والفنية محض أشياء زائدة ولا لزوم لها, وأفضل منها الاستغناء عنها من باب الاحتراز. والأمر الثاني مطالبة' الأغنياء' بدعم الثقافة والفن بحجة أننا' في وطن واحد ولا' نشحت' من أحد' هكذا قيلت وهو مجال متسع لدخول كل من تسول له نفسه لاستغلال الأنشطة الثقافية في الدعاية لأنشطته' وخيريته وصلاحه' بطريقة' الحزب المنحل', و' تجيير' الأنشطة والإبداع لصالح أشخاص بعينهم, ما قد يؤدي إلي تحلل مؤسسات الدولة من الدور المنوط بها في حماية وجدان المجتمع, وحماية هويته وثقافته, والتخلي عنها لرجال أعمال تحت مسميات خادعة مثل' الضريبة الاجتماعية'. ومضت جلسات المؤتمر في اليومين التاليين بفعالياته المختلفة وتحت عناوين جيدة, وبحضور متفاوت, وأبحاث مهمة, من بينها حفل توقيع رواية' نجمة أغسطس' للأديب' صنع الله إبراهيم'في طبعتها الثانية الصادرة عن قصور الثقافة, ودارت الجلسات علي أربعة محاور هي' معوقات التحول( الأدب والإعلام والتعليم) ومنها' نحو عقد ثقافي جديد' معوقات التحول في الأدب' للدكتورة المتميزة أماني فؤاد, و'تحديات النص الراهن' ومنها' سؤال الحرية ومساءلة الاستبداد' للناقد النابه الدكتور'يسري عبد الله', والمحور الثالث عن' المؤسسة الثقافية ودورها في التحولات' ومنها' دور وزارة الثقافة في عالم متغير' للدكتور زين عبد الهادي', وأخيرا' المثقفون من التهميش إلي الفعل' وهو عن بحث للأستاذ' عصام ستاتي'. المفارقة أن هذا البحث وبحثين آخرين ضمن المحور الأخير لم يجسدا التهميش لواقع للأدباء في أنحاء مصر بمثل ما عكسته مداخلاتهم الشخصية في آخر جلسات المؤتمر والتي أدارها المبدع' محمد أبو المجد' بصبر وسعة أفق كبيرين, حيث أتاح المجال لبوح الحضور بشكاواهم المؤلمة في بعضها, ومضحكة في جانب, وبقدر ما كشفت معاناتهم, أوضحت وقوع بعضهم فريسة لأفق إقليمي لم يرتق لمستوي عنوان المؤتمر الجديد' أدباء مصر', أغرقهم في الشعور بالتقصير بحقهم, والمطالبة بأشياء معيشية بسيطة لا علاقة لها بأولويات المرحلة التي تهدد الثقافة المصرية والمؤتمر إجمالا.