رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماعا موسعا لأعضاء هيئة التدريس بالتربية النوعية    "الشيوخ" يدعم "العمرة بلس".. ومناقشات حول السياحة الدينية في مصر    رئيس مجلس الشيوخ يعلن رفع الجلسة العامة لموعد غير محدد    محافظ المنوفية يفتتح حمام السباحة بمركز شباب أشمون باستثمارات 8 مليون جنيه    المنيا تعلن استمرار فتح باب التقدم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    توفير فرص عمل ووحدات سكنية ل12 أسرة من الأولى بالرعاية في الشرقية    وزير الخارجية يشارك في اجتماع وزراء خارجية دول تجمع بريكس    الرئيس السيسي يؤكد ل"بلينكن": ضرورة إنهاء الحرب على غزة وإنفاذ المساعدات للقطاع    رئيس فنزويلا يحذر المعارضة من إثارة العنف خلال انتخابات يوليو    مباراة وحيدة بين مصر وغينيا بيساو قبل موقعة اليوم بتصفيات المونديال..تعرف عليها    جدول مباريات كوبا أمريكا2024.. كل ما تريد معرفته قبل بداية البطولة    مصر تحصد ذهبية منافسات الفرق في بطولة إفريقيا لسلاح الشيش    بطولة كوبا أمريكا..موعد المباراة الافتتاحية والقناة الناقلة    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    غرفة عمليات تعليم سوهاج: لا شكاوى من امتحانات الثانوية العامة    نجت بأعجوبة، الفنانة مروة أنور تتعرض لحادث مروع    بآية قرآنية.. أحمد خالد صالح وهنادى مهنا يردان على أنباء انفصالهما    مكين: اعلان حالة التأهب القصوى بالمستشفيات والادارات الصحية لمارثون الثانوية العامة بالدقهلية    مستشفيات جامعة أسوان تعلن خطة الاستعداد لعيد الأضحى    «القومي للبحوث» يوضح أهم النصائح للتغذية السليمة في عيد الأضحى    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    قبل عقد المؤتمر بمصر.. نائب رئيس بنك دول "بريكس" يؤكد الرغبة في توسيع عملياته بالعملات المحلية    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    إعلام إسرائيلى: قتلى وجرحى فى صفوف الجيش جراء حادث أمنى فى رفح الفلسطينية    "كابوس".. لميس الحديدي تكشف عن كواليس رحلتها مع مرض السرطان.. لماذا أخفت هذه المعلومة عِقدًا كاملًا؟    ياسمين عبد العزيز ترد على رسالة أيمن بهجت قمر لها    شقيقة الفنان خالد أنور تتعرض لحادث سير (صورة)    متى تبدأ التكبيرات في عيد الأضحى وما صيغتها؟.. «الأوقاف» توضح التفاصيل    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في ختام تعاملات الإثنين    «الدفاع الروسية»: تدمير زورق مسيّر أوكراني بنيران مروحية روسية    محافظ أسيوط يشيد بتنظيم القافلة الطبية المجانية للرمد بقرية منقباد    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    مظاهرات في ألمانيا وأمريكا تطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    «الصحة»: خدمات كشف وعلاج ل10 آلاف حاج مصري من خلال 24 عيادة في مكة والمدينة    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    جمال عبدالحميد يكشف أسباب تراجع أداء منتخب مصر أمام بوركينا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف الحائر وقضايا الوجود‏(4)‏
ثرثرة فوق النيل
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 12 - 2012

حمدي السكوت : الدهريون والعدميون وثرثرة فوق النيل فأما الدهريون‏(‏ بفتح الدال‏)‏ فهم الملحدون الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر‏,,‏ وقد نقلت عنهم الآية الكريمة(رقم24) في سورة الجاثية قولهم: وقالوا ماهي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ومايهلكنا الا الدهر ويلحق بهم من لف لفهم من كفار الجاهلية, ففي آية أخري يقول تعالي لهم في سورة المؤمنون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لاترجعون( الآية115).
وأما العدميون أو أنصار المذهب العدمي, فلا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر, ويؤمنون بأن الوجود كله ليس له معني ولاهدف ولاقيم, ولايعترفون بأي سلطة دينية أو أخلاقية. وقد ظهر هذا المذهب الفلسفي في روسيا علي يد الأديب الروسي الكبير, ترجينيف, وطبقه علي روايته: الآباء والبنون التي نشرها عام1862, والتي يعتبرها النقاد الروس الآن أول رواية روسية حديثة, كما يعتبرها كثير من النقاد من كلاسيكات الأدب العالمي, وأنها تركت آثارا في أعمال تولستوي وغيره من أدباء روسيا وأوروبا الغربية.
وواضح مما سبق اتفاق العدميين والدهريين ومن لف لفهم من المشركين علي أنه لايوجد اله ولايوم آخر, ولابعث ولاحساب, وهذا الاعتقاد هو في الواقع سبب أزمتهم وقضيتهم جميعا, اذ مامعني هذه الحياة الدنيا اذا لم تكن هناك حياة أخري؟!.
ونجيب محفوظ رحمه الله وقد قرأ كل هذا, لم يشأ أن يحرم القاريء العربي من الاطلاع علي هذه التجربة الغريبة والعميقة فكريا وسيكولوجيا, ولكنه آثر أن يستخدم المصطلح القرآنيالعبث أو المذهب العبثي بدلا من المصطلح الروسي:العدمأو المذهب العدمي وكالعادة تجلت أصالته ومعاصرته في صمت ودون تفاخر, من خلال التخيل الآتي: لو افترضنا أن هناك مجموعة من المصريين الآن تعتنق مذهب الدهريين والعدميين, كيف يتصور أن يمارسوا حياتهم؟ وكيف سيواجهون هذا الموقف, وهل ستختفي روح المرح المصرية؟ وكالعادة أ يضا أسعفته موهبته العاتية, وقراءاته الواسعة, فقدم لنا هذه التحفة الرائعة:
ثرثرة فوق النيل
تدور الرواية حول مجموعة من المثقفين والمفكرين يجمع بينهم أنهم عبثيون. ويعرف العبث في منتصف الرواية تقريبا( في المسودة التي كتبتها سمارة بهجت لمشروع المسرحية التي كانت تبغي أن تديرها حول هذه المجموعة) وفكرة المسرحية تدور عن الجدية في مواجهة العبث. والعبث هو فقدان المعني, معني أي شيء انهيار الايمان, الايمان بأي شيء, والسير في الحياة بدافع الضرورة وحدها ودون اقتناع وبلا أمل حقيقي.. وتموت القيم جميعا وتنتهي الحضارة وهكذا يبدو التطابق بين العبثيين المصريين والعدميين الروس والدهريين الجاهليين.
وبالطبع مادام لايوجد إله ولاحياة أخري ولاحساب ولاعقاب بالدار الآخرة فستفقد الحياة والقيم والأخلاق السائدة معناها بالنسبة لكل هذه الجماعات, وهو ماحدث بالفعل للعبثيين المصريين, الذين سنقصر الحديث عليهم منذ الآن, وسنري أنهم, نتيجة اعتناقهم للعبث, وهو ماحدث بالفعل للعبثين المصريين, الذين سنقصر الحديث عليهم منذ الآن وسنري أنهم, نتيجة اعتناقهم للعبث, لم يبق لهم مهرب, من قسوة التساؤلات الفكرية المترتبة عليه, ومن العيش بين الناس العاديين, بثقافتهم المختلفة جذريا عن ثقافتهم هم إلا بالإجتماع سويا كل يوم, بعد أن ينتهوا من أعمالهم الرسمية والأسرية, فيتحادثون ويتصرفون بحرية, ويتناولون المخدرات, ليتناسوا أو ليتقاسموا همومهم الفكر ية أما مقر الاجتماعات فهو عوامة علي النيل يمتلكها أحدهم, وهو النجم السينمائي رجب, ويتخذها أنيس زكي, موظف الأرشيف, و أعمق شخصيات الرواية فكرا وثقافة, مسكنا له بالمجان, بعد وفاة زوجته وابنته, في مقابل قيامه باعداد كل مستلزمات السهرة بمساعدة عم عبده حارس العوامة.
وهذه اللقاءات اليومية تغطي كل فصول الرواية تقريبا. وذات يوم يخبره أحدهم بأن سمارة بهجت الصحفية الجادة سوف تزور العوامة, فيدور نقاش غير مرحب ويسأله أحدهم, هل أخبرتها بأن الذي يجمعنا هنا هو الموت؟ أما سبب الزيارة فهو رغبتها في أن يكترثوا بالقضايا العامة من جهة, ولكي تكتب مسرحية تدور فصولها حولهم, وتفسر موقفهم غير الايجابي تجاه احداث الوطن من جهة أخري.
لكن مشروع المسرحية الذي كتبته يستولي عليه, بطريقة غير آمينة, أنيس زكي, ويكون مثار مناقشات حافلة بالسخرية, وبالعمق أيضا وتنتهي الرواية حين يخرج الجميع, لأول مرة, لنزهة ليلية تصدم سيارتهم فيها شخصا مجهولا وتقتله ويثور بينهم خلاف حاد يصل الي حد التشابك العنيف الدامي بين رجب وأنيس, حول الابلاغ أو عدم الابلاغ عن الحادث, ثم يدور حوار في الصفحات الأخيرة بين الصحفية والبطل يبدو منه أن موقفه العبثي لم يتغير وأن موقف الصحفية الجادة التي جاءت لاصلاحهم هو الذي بدأ يتجه نحو العبث.
أما نوعية التساؤلات فنكتفي بالأمثلة التالية:
في أحد المواقف يتأمل أنيس توهج نار المجمرة ويتساءل: وعندما ويتوهج في السماء نور كهذه المجمرة يقول الراصد ان نجما قد انفجر بالتالي مجموعته الكوكبية, وانتشر الكل غبارا وذات مرة تساقط الغبار علي سطح الأرض فنشأت الحياة وتقول لي بعد ذلك سأخصم من مرتبك يومين!!
وفي احدي شطحات أنيس يتخيل راصدا من كوكب آخر لمجلسهم في العوامة ويرجح أنه لاتوجد حياة علي كوكب الأرض فيعلق أنيس: بل لنا حياة وقد أوغلنا في الفهم حتي أدركنا أن لامعني لها, وسوف نوغل أكثر فأكثر, ولاأحد يستطيع التكهن بما سيكون.
وحين تسألهم سمارة الصحفية عن سبب ادمانهم الجوزة يجيبونها بأن الامتناع عنها هو مايحتاج الي تفسير, ويحذرها أحدهم مصطفي من ترديد الاكليشيهات السخيفة مثل الهروب الخ, ثم يضيف: جميعنا أناس عاملون, مدير حسابات, ناقد فني, أديب, محام, موظف, كلنا نعطي المجتمع مايطلب منا وأكثر, من أي شيء نهرب؟.. اننا نواجه هموم حياتنا اليومية بكل همة.. نحن أرباب أسر ورجال أعمال.
فيعلق أنيس بداخله: أفكار, هموم, تنابله, ماذا تريد المرأة وماذا يريد المساطيل, يقولون وقت فراغ وتقول ادمان ونظر أنيس الي الأمواج النيلية كاللآليء, تحت أضواء المساء وابتسم ثمانتبه الي صوت سمارة, أود أسمع رأيك أنت ؟ فقال ببساطة تزو جي آنسة! فضحكوا وانصرف أنيس الي عالمه الداخلي كدأبه: لماذا واحد زائد واحد يساويان اثنين, امرأة مزعجة تقتحم علينا بديهيات الحياة, هم تناقشوا عن الحياة.. السياسة المحلية والعالمية والكونية ومما قد يحيق بهم من مصادرة واعتقال وقتل وصمت أنيس وقد وتلاطمت في رأسه خواطر عن الغزوات الاسلامية والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش ومصارع العشاق والفلاسفة.
وحين يستدعي مدير الأرشيف أنيس الي مكتبه ويسأله: طلبت منك بيانا مفصلا عن حركة الوارد في الشهر الماضي نعم ياسعادة البك وقد قدمته لسعادتك أهو هذا؟ نظر الي البيان فقرأ علي الغلاف بخط يده مذكرة مرفوعة الي السيد مدير عام المحفوظات. هو ياأفندم انظر واقرأ ذهل أنيس وهو يلاحظ وجود بضعة أسطر فقط واضحة, يليها فراغ أبيض حتي نهاية المذكرة! وتبين أن الحبر قد فرغ من القلم في بداية المذكرة واستمر هو في الكتابة, لأ نه كان مسطولا وسأله المدير يتعال وازدراء: خبرني ياسيد أنيس كيف أمكن أن يحدث ذلك؟(فردد أنيس لنفسه: أجل كيف دبت الحياة لأول مرة في طحالب فجوات الصخور بأعماق المحيط!.
وعقب لقاء المدير العام هذا يتذكر أ نيس فجأة اختفاء جميع الأشياء الثمينة من حياته, دراسته للطلب والعلوم والقانون والأهل المنسيين في القرية والزوجة والابنة. لكن ذاكرته أيضا لاتغفل أحداث التاريخ الملائمة لما حدث له من المدير, ولتغامز وشماتة زملائه بالأرضيف فيه وصاح المماليك في رحلة الرماية صيحات الفرح, وكلما عثروا علي آدمي في مرجوش أو الجمالية أقاموا منه هدفا لتدريبهم, وتسقط الضحايا وسط هتاف الفرح المجنون؟
وأثناء نقدهم للطريقة التي تكتب بها المسرحيات في مصر تقترح سمارة, أن تدير مسرحياتها حول أبطال عابثين, فيعلق أحدهم بأن لهؤلاء مشكلاتهم الفنية أيضا, انهم متشابهون الي درجة تجعل التمييز بينهم أمرا عسيرافضلا عن أنهم يعيشون بلا عقيدة ويقضون أوقاتهم في العبث لينسوا أنهم سيتحولون بعد قليل الي رماد وعظام وبرادة حديد وأزوت ونيتروجين وماء والرواية كلها تسير علي هذا المنوال.
ونلاحظ أن نجيب محفوظ لم يكتب عن العبثيين الا في هذه الرواية ولاكتب عن العلم, كبديل للدين التقليدي الا رواية أولاد حارتنا التي أثبتت فشل العلم في تحقيق ذلك, أما التصوف فقد ظل يكتب عنه, علي فترات مختلفة, حتي نهاية عمره, رحم الله هذا الأديب العظيم وسامح الذين يتهمونه بالكفر, وهم لم يقرؤوه, أو علي الأقل لم يحسنوا قر اءته!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.