لعل ما يبعث علي الخوف هو أن النخبة في مصر لم تتمكن بعد من اقناع الأغلبية الصامتة في الخروج عن صمتها, والانغماس في اللعبة السياسية. فهي لم تزل علي حالها من عدم الاكتراث, بل قد يتجرأ المرء ليقول إننا أمام المقولة القديمة حكومة بلا شعب. وشعب بلا حكومة فلاتزال الاغلبية الصامتة من المصريين تدبر أمور حياتها بعيدا عن الحكومة, وأحسب أن حكومات ما بعد ثورة25 يناير حالها مثل الحكومات السابقة لا تجد تجاوبا من شعبها, ناهيك عن رضاه!. وحتي الجاليات المصرية الكبيرة في الخارج لا تذهب إلي السفارات المصرية, وتدبر أمورها بعيدا عن السفراء والعاملين بها. ولم يتغير هذا الحال أبدا, ويبدو أن الطرفين قد استراحا إلي هذا الوضع فلم يتوقف أحد سواء من رموز المعارضة أو الحكم لكي يتساءل: لم هي صامتة, ومتي تتكلم؟. بل إن أحدا لم يتجاسر لكي يتوجه بسؤالها.. متي تتكلم أيها الشعب الصبور, ولماذا أيتها الأغلبية الصامتة لا تتفاعلين معنا, ألم يرقك أي حزب حتي ولا حازمون أو أي برنامج حتي ولو كان برنامج البرادعي لم وهناك برنامج النهضة ومصر القوية والوفد والحرية والعدالة والنور والمصريين الأحرار والوسط بل حتي برامج الفوضي الخلاقة والثوريون الاشتراكيون. باختصار هناك كل شيء مما قد تحلمين به أو تتوقعين!. وإذا كانت البرامج هكذا مثلما نقول, ويقول أصحابها.. فلربما أن السر ليس في البرامج, ولعله في أصحاب البرامج, ورموز العمل الحزبي, بل وفي النخبة ذاتها التي تتصدي المشهد. في الحقيقة, فإن اللعبة السياسية تدار بطريقة قاسية, وإن لم نقل إنها تمارس بلا قواعد بالمرة. كما أن حجم الافتراءات والتجاوزات قد فاق حدود المعقول, وبلغ بنا الأمر أننا وصلنا إلي مسرح العبث. وعندما يتابع المرء حجم الاتهامات سواء بالعمالة أو الكفر أو التخوين, أو يستمع إلي الشريط المسرب والمنسوب للشيخ ياسر برهامي, أو يصدق الاتهامات التي يسوقها البعض ضد نادر بكار أو عصام سلطان أو البرادعي أو عمرو موسي فإن الشخص العادي سوف يفر من هذه المسرحية ولن يكون حاله مختلفا بعد الاتهامات الخاصة بمؤامرة اختطاف الرئيس والتي قيل إن صباحي والبرادعي ومرسي متورطون بها فلا يزال الأمر معلقا: الاتهامات معلقة في الهواء والمتهمون يمارسون حياتهم, لا حسم! كما أن عمرو موسي أحد رموز جبهة الانقاذ ومعه السيد البدوي زعيم حزب الوفد كليهما يقول بضرورة الحوار والعمل تحت رئاسة الرئيس مرسي في ظل حكومة طوارئ أو وحدة وطنية. وهنا بالنسبة للمواطن العادي: هل الرئيس ديكتاتور يجب إسقاط دستوره أم مرسي رئيس شرعي يجب العمل معه لانقاذ البلاد. بالقطع المسألة معقدة, وليست السياسة أبيض وأسود أو صراعا ما بين الأخيار والأشرار. كما أن الديمقراطية ليست في غالب الأحيان عملية اختيار ما بين الحسن والأحسن, بل كثيرا ما يذهب المواطنون في الدول الديمقراطية للاختيار ما بين السيئ والأسوأ. وأحسب أن البعض في انتخابات الرئاسة المصرية مر بهذه التجربة, وكان عليه أن يختار ما بين مرسي وشفيق, وهو لا يري فيهما الخيار الأصوب من وجهة نظره . وبعبارة أخري, مازال68% من المصريين الذين لم يشاركوا في الاستفتاء ممن يحق لهم التصويت يصرون علي رؤية النصف الفارغ من كوب العملية الديمقراطية وبقية ال32% الباقية توزعت ما بين القبول والرفض للدستور. إلا أن ذلك كله يجب ألا يفزعنا مادامت اللعبة سلمية.. سلمية, ومادامت ستؤدي إلي تداول السلطة لا إلي دولة المرشد, حيث الانتخابات مرة أولي وأخيرة, ومادامت الأوضاع الاقتصادية سوف تتحسن لا اشهار افلاس مصر, ومادامت مشاركة لا مغالبة. وبدلا من البكاء علي ما فات, أو تبادل الاتهامات, أو التوقف عن الحوار الجاد وصولا إلي التوافق. فأن الجميع مطالب بالجدية, وبمحاولة إخراج الصامتين عن صمتهم. وهنا فإنني أبعث إليهم بكلمات كامل الشناوي في نشيد الحرية التي يخاطب فيها الشعب المصري: كنت في صمتك مرغم.. كنت في صبرك مكره فتكلم وتألم.. وتعلم كيف تكره وأرجو أن نتعلم المشاركة والايجابية, وأن نكره الظلم والظالمين فقط. المزيد من مقالات محمد صابرين