أعتقد أن خطاب الرئيس محمد مرسي غدا أمام مجلس الشوري, يجب أن يتضمن إجابات واضحة ومحددة عن أسئلة عديدة, بعد أن أخفق في تضمينها خطاب أمس الأول, الذي لم يأت علي مستوي طموح رجل الشارع الذي كان ينتظر الكثير, كما لم يرض غرور القوي السياسية التي كانت تترقب المزيد, بل لم يشف غليل الناخبين الذين أجابوا ب نعم في الاستفتاء علي الدستور, أملا في أن يرد الرئيس تحيتهم بأحسن منها, أو حتي الذين أجابوا ب لا, في محاولة لتهدئة النفوس, أما إذا جاء خطاب الغد كسابقه, فنحن أمام أزمة حقيقية علي كل المستويات, إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. فقد انتظر القوم خطاب أمس الأول بشغف كبير علي أمل أن يجدوا من خلاله الوصفة المناسبة لحل مشكلتهم, أو علي الأقل توصيفها, بوضع النقاط علي الحروف, أملا في حلول مستقبلية, إلا أن الرئيس يبدو أنه قد استوعب الدرس من خلال ما لحق ببرنامج المائة يوم, أو بمشروع النهضة, فآثر عدم إطلاق الوعود مستخدما تعبيرات من قبيل سوف أبذل معكم وأتحمل معكم وقد عشنا جميعا ونرفض جميعا والتشكرات, لمن قال لا, ومن قال نعم, والتحيات, للمدنيين والعسكريين والقضاة والولاة, وأجدد الدعوة, ونعم هناك مشاكل, ونعم كانت هناك أخطاء, وحينما تحمس الرئيس قال: إن الأيام المقبلة سوف تشهد انطلاق مشاريع جديدة, ما هي هذه المشاريع؟, وأين؟, وكيف؟.. في علم الغيب!. ومن هنا فإن خطاب الغد مطالب بتحديد أولويات المرحلة المقبلة, ومطالب بالإجابة عن كيفية مواجهة الانفلات الأمني, والجدول الزمني لذلك, ومطالب بشرح واف للحالة الاقتصادية والمالية الراهنة, والرد علي التقارير الخارجية في هذا الشأن, التي تتوقع إفلاسا وشيكا, ومطالب بتحديد الموقف من الأوضاع الحالية من اعتصامات واحتجاجات وإغلاق ميادين وقطع طرق, ومطالب بشرح خطة الدولة في مواجهة البطالة, واستراتيجيتها في سداد الديون, والمصالحة الوطنية مع جميع فئات المجتمع, واستعادة هيبة الشرطة, وسد الفجوة مع القضاء.. باختصار.. ننتظر خطابا من زعيم أمة, وليس خطيب جماعة, وخاصة أن المشهد الحالي, لن يقبل بأقل من الزعامة, في مواجهة الفوضي والسقوط ومؤامرات الداخل والخارج. الموقف جد خطير, وقد ارتفع سقف توقعات المواطن من الرئيس بعد إعلان نتيجة الاستفتاء علي الدستور, وهو حق أصيل لشعب صبر وعاني, وأصبح من حقه, بعد اكتمال بناء المؤسسات, أن يري تغييرا جوهريا في حياته اليومية, إلا أن خطاب الرئيس لم يبشر بما هو أفضل, ولم يحمل أي جديد, ولو لم يكن قد تم الإعلان عن خطاب آخر أمام مجلس الشوري غدا, لكانت هناك أزمة حقيقية, إلا أن البعض رأي أن خطاب الغد سوف يكون أشمل وأكثر دقة في الوقت نفسه, وهو ما يعد بمثابة تأجيل للأزمة, والأزمة هنا ليست صداما مع قوي بعينها بقدر ما هي إحباط للشعب كل الشعب الذي كان ينتظر قرارات مصيرية مادام الأمر يتعلق بأموره المعيشية الآنية, ومستقبل مظلم بتصنيف أجنبي, روجت له بقوة آلة دعائية محلية, وكان كل ما صدر كرد فعل رسمي, هو نفي متضارب لهذه الأنباء, التي, إن صدقت, لن يفلح في مواجهتها بالطبع مجرد خطاب لرئيس. بداية.. من المهم أن نقر بأن الاستقرار السياسي والأمني هو أساس الاستقرار الاقتصادي الذي يعود بآثار إيجابية علي الأحوال المعيشية للمواطن, وبداية أيضا يجب أن نعترف بأن هناك قوي سياسية في المجتمع لا ترغب في الاستقرار السياسي, بل تعمل دائما علي إثارة التوترات أملا في استمرار الوضع الاقتصادي كما هو عليه, معتقدة أن ذلك سوف يحقق لها مكاسب سياسية مستقبلا, وهي في الوقت نفسه تعي أن لهذه التوترات السياسية انعكاسات مباشرة علي الانفلات الأمني الذي يجد فيها أرضا خصبة للنمو, وقد أسهمت هذه الحالة السياسية والأمنية في تدهور التصنيف الائتماني لمصر, وهو ما رفع من أسعار فوائد القروض التي تحصل عليها, بالإضافة إلي هروب الاستثمارات, وما يستتبع ذلك أيضا من تراجع معدلات الجذب السياحي, في ظل عجز كلي بالموازنة العامة للدولة2012/2011 بلغ166.7 مليار جنيه, أي ما يعادل10.8% من الناتج المحلي الإجمالي, مقابل134.5 مليار جنيه خلال العام المالي السابق له, ووسط توقعات بارتفاع هذا العجز في العام المالي الحالي إلي نحو213 مليار جنيه. ويكفي أن نشير إلي أن رأس المال السوقي للأسهم بسوق الأوراق المالية قد خسر24 مليار جنيه بمجرد أن أعلنت مؤسسة ستاندر آند بورز خفض التصنيف الائتماني لمصر إلي بي سالب, وهو التصنيف الذي تزامن مع صدور القرار الرئاسي بوضع حد أقصي للتحويلات الفردية من مصر إلي الخارج بمقدار عشرة آلاف دولار, وعلي الرغم من أن هذا الإجراء معمول به في معظم دول العالم بهدف الحد من عمليات خروج النقد الأجنبي, فإنه قد استغل هو الآخر بدهاء لمزيد من تعقيد الأزمة, حيث هرع البعض إلي سحب أرصدتهم, وأحجمت بعض مكاتب الصرافة عن بيع الدولار اعتقادا منها أن أسعاره سوف تشهد طفرة وشيكة مما أوجد سوقا سوداء موازية, وارتفعت أسعار بعض السلع مباشرة, وخاصة ذات الصلة بالاستيراد, أو بالعملة الأجنبية, وسط قلق رسمي من انعكاس ذلك علي الاتفاق المرتقب مع صندوق النقد الدولي, الذي قد يطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات أخري لضمان تطبيق خطة إصلاح اقتصادي جادة وحادة تتطلب تقشفا قد لا تتحمله طبيعة المرحلة, وبالتالي يصبح هذا الاتفاق في مهب الريح. إذن.. نحن أمام أزمة حقيقية تتطلب من الرئيس حينما يخرج إلي الشعب أن يكون علي مستوي الأزمة, وليس مجرد تحصيل حاصل للتشكرات والتحيات, وتتطلب وضع المواطن في الصورة كاملة وذلك بمصارحات بحقيقة الموقف علي كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية, ففي النهاية, الشعب هو الذي سوف يسدد الفاتورة, وهو وحده الذي سوف يتحمل عبء إخفاقات رسمية, وإرهاصات نخبوية, وإذا كنت أري أن حديث الأزمة الاقتصادية الراهنة قد أخذ طابعا مبالغا فيه, وذلك لأن الإفلاس لابد أن تسبقه مؤشرات عديدة, أهمها العجز عن سداد الديون, وإفلاس البنوك, وهو ما لا ينطبق علي الحالة المصرية, فإنه يجب أن نعترف بأننا أمام وضع اقتصادي صعب, يتمثل في عجز الموازنة العامة للدولة, مع تراجع في الإنتاج إلي حد كبير, بسبب المطالب الفئوية التي نتجت عن تراكمات عقود عديدة من الإهمال والقهر, وهي أمور تتطلب مواجهة الموقف بشجاعة من خلال برامج زمنية يعي معها المواطن أهمية دوره في هذه المرحلة, حتي يمكن أن تنقشع هذه الظلمة. إن حصاد عامين من الأزمات اليومية التي شهدتها مصر كفيل بما هو أكثر من انهيار أو إفلاس, كما أن حصاد عامين من الانهيار الأمني كفيل بضرب كل مقومات الدولة, إلا أن المصريين أثبتوا بفضل الله أنهم علي مستوي المسئولية, في مواجهة كل هذه الأعاصير, ويكفي أن أشير هنا إلي ما استرعي انتباهي خلال الأيام القليلة الماضية من اهتمام إعلامي غريب من دول عربية, وخاصة خليجية, بذلك الشأن المصري الخالص الخاص بالاستفتاء, ثم بالتصنيف الائتماني, وحينما نقول خليجية, فمن المهم الإشارة هنا إلي أن هذه الدول كانت دوما لا تتدخل في الشأن الداخلي لدول أخري, سواء في تصريحات سياسييها أو التناول الإعلامي, إلا أن ما وضح, خلال هذه الفترة, هو أن مصر أصبحت مشاعا, وأرضا خصبة للتناول الممزوج بالتحريض تارة, والتحامل علي سلطة الدولة الرسمية تارة أخري, علي الرغم من أن بيوت هؤلاء من زجاج هش, لا يتحمل حصاة صغيرة يمكن قذفه بها في كل لحظة, ونستطيع التجربة مستقبلا, وبالطبع سوف تجد لنفسها المبررات حينما تقول إن مصر أم الدنيا, وقضاياها قضايانا, وما يؤثر فيها يؤثر علينا.. وغير ذلك من الذرائع, إلا أن طريقة التناول الإعلامي هذه, وخاصة من دولتين خليجيتين, تحتاج إلي وقفة يبدو أنه لا مفر منها. وفي هذا الإطار, سوف أظل أؤكد أننا في الداخل, وفي هذه الظروف تحديدا, في حاجة إلي إعلام بناء, يعي طبيعة المرحلة, وينأي عن الإسفاف, وإهانة رموز المجتمع, وإذا كانت هذه المهمة ثقيلة أو غريبة علي إعلام خاص يعتمد علي إنفاق ودعم رجال الأعمال, وأحيانا علي دعم خارجي, فهي إذن مهمة الدولة الرسمية التي يجب أن تضع حدا لهذا الوضع الذي أصبح أشبه بفواصل من' الردح' تارة, والافتراء تارة أخري, وعلي الرغم من فشل هذه وتلك في التأثير علي المواطن, أو علي نتيجة الاستفتاء علي الدستور, فإنها لم تتوقف, ولا يبدو أنها ستتوقف, وكل ما يعنينا هنا هو أن نصل بالشارع إلي حالة من الهدوء يستطيع معها المجتمع العودة إلي الإنتاج, وليكون الحوار هو الطريق الوحيد لحل قضايانا العالقة, أما إذا استمرت بعض وسائل الاعلام في العمل بهذه الوتيرة, فمن المؤكد أن تصنيفات مصر داخليا وخارجيا لن تتوقف عند الائتماني منها أو المصرفي, وإنما ستمتد إلي قطاعات عديدة, إن لم تكن قد امتدت بالفعل. وباستقراء كل هذه الأوضاع فلن يستطيع أحد أن ينكر أن المسئولية ثقيلة, وأن الإرث متخم بالهموم, وأن الأجواء المحيطة غير مشجعة علي النهوض, وأن رياح المؤامرات لم يعد مصدرها الغرب فقط, إلا أن ثقة المواطن حتي الآن في شخص الرئيس وإخلاصه, هي ما تجعله يصبر علي هذه الأوضاع المتردية, ولكن, إلي متي سوف يتحمل؟, وإلي أي مدي سوف يصبر؟, هذا هو ما تراهن عليه بعض القوي في الداخل, وهذا هو ما تترقبه أوساط خارجية بعينها. ويكفي أن أشير هنا إلي ما كشف عنه أشرف العربي, وزير التخطيط والتعاون الدولي, أخيرا, من أن حجم خسائر الاقتصاد المصري خلال عام2012 فقط جراء الاعتصامات والإضرابات والمليونيات بلغ نحو100 مليار جنيه, وهي بالطبع كارثة إذا استمرت الأوضاع بهذه الوتيرة التي لا تهدأ, وهي أيضا كارثة لن يتحملها العام الجديد2013 بأي حال, والكارثة الأكبر هنا هي أن تقف الدولة مكتوفة الأيدي هكذا في ظل هذه الظروف بتصريحات وردية تارة, وتصريحات لا تتفق مع حجم الحدث تارة أخري. ولأن الأمر كذلك.. فأعتقد أن المواطن سوف يدعم بقوة أي قرارات للقيادة السياسية من شأنها الحسم والحزم في مواجهة أعمال البلطجة والغوغاء, والأهم من هذه وتلك, التحريض, الذي لا يتوقف ليل نهار بدعاوي الثورية والديمقراطية, وسوف يقف المواطن خلف القيادة السياسية في أي إجراءات من شأنها الحفاظ علي أمنه ومستقبله. ولذلك أجدني مناشدا هذه القيادة العمل علي عدة محاور هي: - استرداد أموال مصر المنهوبة بالخارج من خلال حوارات مع أصحاب هذه الأموال داخل السجون, وخاصة أننا أصبحنا علي يقين من أن المفاوضات مع الدول المودعة بها الأموال لن تجدي نفعا, كما أن وجود هؤلاء داخل السجون دون استردادنا هذه الأموال, لم يعد أيضا مجديا. - محاربة الفساد بجميع أشكاله بعد أن استشري في معظم المؤسسات عما قبل الثورة, وأنا علي يقين من أن إغلاق منافذ الفساد كفيل وحده بحل النسبة الأكبر من أزماتنا. - تطمين أصحاب رؤوس الأموال ومنحهم التيسيرات المعمول بها في كل دول العالم, وذلك بعد حالة التوجس التي جعلت معظمهم يحجمون عن العمل أو الاستثمار داخل مصر. - سوف أظل أؤكد أن العزل السياسي يجب ألا يطول سوي الصادرة ضدهم أحكام قضائية نافذة, أما العزل لمجرد انتماءات سياسية سابقة, أو حتي حالية, فهو أمر غريب في هذا الزمان, ولم يعد مقبولا بأي حال. - وقف كل مظاهر التجمعات, حتي وإن بدت سلمية في الميادين والشوارع لمدة عام علي الأقل, حتي تستعيد الدولة عافيتها,وأجهزة الدولة هيبتها. - استصدار تشريع حاسم يجرم ترويج الشائعات وازدراء الأشخاص واستخدام التعبيرات غير اللائقة بوسائل الإعلام, وذلك في محاولة لإعادة الإعلام إلي مساره الصحيح. علي أي حال.. الآذان والعيون سوف تترقب خطاب الرئيس غدا, والأفئدة والعقول هي التي سوف تحكم عليه إيجابا أو سلبا, وحينها فقط سوف نستطيع أن نحدد, إلي أي طريق سوف يسير بنا؟, وإلي أي منقلب سوف يكون؟, وأعتقد أنه مازال هناك متسع من الوقت لأن يعيد النظر في خطابه المقبل بالطريقة التي تناسب المرحلة, وليس علي طريقة برايل.