من أسماء الله تعالي الحسني اسم الحليم, وقد ورد في كتاب الله تعالي في مواطن كثيرة, منها; قوله تعالي:( والله غفور حليم),البقرة:225], وقوله تعالي:(واعلموا أن الله غفور حليم),البقرة:235]. والحليم هو ذو الحلم, وهو الصفح مع القدرة علي الانتقام, يقال: حلمت عن الرجل أحلم عنه حلما: إذا لم أعجل عليه, والفعل منه حلم بضم اللام. ومعناه في حقه تعالي أنه هو الذي لا يعجل بالانتقام مع غاية الاقتدار, أو الذي يعزم علي عدم الانتقام ولا يظهر ذلك, فإن أظهر ذلك كان عفوا, وسمي عفوا, أو الذي لا يستخفه شيء من عصيان العباد, ولا يستفزه الغضب عليهم,ولكنه جعل لكل شيء مقدارا فهو منته إليه. واسم الحليم من الأسماء التي تملأ معانيها قلب المذنب أملا ورجاء في الرحمة والمغفرة وقبول التوبة;لاستئناف السير علي صراط الله المستقيم. وقد تخلق بهذا الاسم خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام, حتي وصفه ربه به في قوله تعالي:( إن إبراهيم لحليم أواه منيب),هود:57], كما كان النبي صلي الله عليه وسلم متخلقا بهذا الاسم أيضا في أموره كلها, ومن تلك المواقف ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالي عنها, أنها قالت: إن النبي قال لملك الجبال لما جاءه عارضا عليه أن يطبق علي قومه الجبلين المحيطين بمكة: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا( صحيح البخاري/4754), بل أوصي السيدة عائشة في بعض تلك المواقف بالحلم علي الرغم من كونه هو الذي تحقق في حقه الأذي, وذلك حينما ردت بغلظة علي من دخل عليه من بعض أعدائه وبدل أن يلقوا عليه تحية القادم دعوا عليه بالموت بقولهم: السام عليك فقال صلي الله عليه وسلم: يا عائشة,عليك بالحلم وإياك والجهل( مسند إسحاق بن راهويه/1686). كما كان النبي صلي الله عليه وسلم يحب من أصحابه من كان فيه صفة الحلم, حيث قال للأشج بن قيس رضي الله عنه: إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله:الحلم والأناة(صحيح مسلم/17). ومن سنته صلي الله عليه وسلم أنه قرب منه ذوي الأحلام أهل الأناة والعلم والتثبت في الأمور, وقد جاء ذلك في قوله صلي الله عليه وسلم لأصحابه عند تسوية الصفوف للصلاة: ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم(صحيح مسلم/432), قال الإمام النووي معلقا علي هذا الحديث:ولا يختص هذا التقديم بالصلاة بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلي الأمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها, ويكون الناس فيها علي مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب,والأحاديث الصحيحة متعاضدة علي ذلك(شرح الإمام النووي علي مسلم155/4). ويجب علي المسلم أن يؤمن بأن الله تعالي حليم بعباده مع غاية الاقتدار عليهم, وهذا محض فضل منه ورحمة بخلقه. وعلي المسلم أيضا أن يتخلق بهذا الاسم كما تخلق به أنبياء الله وأولياؤه الصالحون, ولا ييأسن أحد من أنه غضوب سريع الانفعال والانتقام, لأن الحلم يحصل ببعث النفس وتنشيطها إليه مثله مثل العلم,ولكن يحتاج إلي صبر ومثابرة, قال صلي الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم, وإنما الحلم بالتحلم,ومن يتحر الخير يعطه,ومن يتق الشر يوقه(الأوسط للطبراني/2663). وحلم المسلم يكون بالصفح عمن خالف أمره, و بحفظ الود,وحسن العهد,وإنجاز الوعد وستر العيوب التي يراها, وقد وعد الله الذين يكظمون غيظهم ويعفون عن الناس بجنة واسعة فقال تعالي:) وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين(,آل عمران:134,133], كما أن للحليم من الناس ثوابا جزيلا عند ربه, قال صلي الله عليه وسلم:إن الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم,وإن الرجل ليكتب جبارا,ومايملك إلا أهل بيته(الأوسط للطبراني/6273). وقد ذكر الإمام الماوردي عدة أسباب باعثة علي ضبط النفس, وهي:الرحمة للجهال, القدرة علي الانتصار, الترفع عن السباب واستنكافه وقطعه والتفضل عليه, الاستهانة بالمسيء, الاستحياء من جزاء الجواب, الخوف من العقوبة علي الجواب, الرعاية ليد سالفة وحرمة لازمة, المكر وتوقع الفرص الخلفية.. وبعض الأسباب أفضل من بعض( أدب الدين والدنيا/255 بتصرف).فاللهم جملنا بالحلم حتي يفشو السلام والأمان في أنفسنا وفي ربوع أوطاننا.. آمين. المزيد من مقالات د. علي جمعة
