لم تظهر الأبراج المخالفة في عزبة الهجانة كأنها نبت شيطاني فجأة بدون سابق إنذار بل استغرق الأمر سنوات, بل عقودا اشتري فيها المواطنون الأراضي بعقود عرفية من البدو وتمكنوا من مد الخدمات إليها, مما يضفي عليها شرعية الأمر الواقع, بعد أن تورطت الأجهزة المسئولة في الأمر, وتسببت بإهمالها وتواطئها فيما حدث, مما يقتضي تقنين الوضع الراهن, بإصدار تشريع خاص لتسوية أوضاع الملاك من واضعي اليد, بحسبة غير واحد من الخبراء. لقد جعل عدم وجود تقسيم معتمد لأراضي عزبة الهجانة البدو يضعون أيديهم عليها, ويقومون بتجزئتها وتداولها فيما بينهم ومع غيرهم بعقود عرفية, لمنازل بسيطة ومنشآت مختلفة كانوا قد أقاموها. وخلال الفترة من1971 حتي1981 قام الكثير من المشترين بتقنين أوضاعهم من خلال شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير, وكذلك جهاز أراضي القوات المسلحة حيث استخدم الأهالي العقود في توصيل الخدمات إلي مبانيهم. ومن هنا كان لابد من رصد الجانب التاريخي لعقود الملكية الثلاثة لأبراج عزبة الهجانة( العقد العرفي وعقد شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير وعقد جهاز أراضي القوات المسلحة), ووضعها أمام الجزاء لمعرفة مدي الإلتزام القانوني المترتب علي هذه العقود, والمسئولية الجنائية والتأديبية بحق من اشترك في الخطأ والآثار المترتبة علي الإزالة ل28 برجا في عزبة الهجانة. في البداية يقول عصام منصور( محاسب) انه يوجد في عزبة الهجانة3 آلاف برج بارتفاع يتراوح بين5 و11 دورا, ومتوسط عدد الوحدات من22 حتي88 وحدة وتبدأ تكلفة البرج من مليون حتي خمسة ملايين جنيه واجمالي ما تم انفاقه علي الانشاءات يصل إلي12 مليار جنيه تم بيع90% من الوحدات السكنية حيث يوجد بالعزبة ما يقرب من مليون مواطن. ويضيف عصام منصور قام بدو الهجانة بوضع يدهم في السبعينيات علي أرض عزبة الهجانة وبعد فترة قاموا ببيع هذه الأراضي إلي الأهالي من خلال العقود العرفية التي تم بمقتضاها دخول بعض المرافق كالكهرباء, واستمر العمل بالعقود العرفية حتي صدر القرار الجمهوري رقم3124 لسنة71 ورقم506 لسنة1984 بإنشاء شركة مدينة نصر للاسكان والتعمير وكذلك القرار الجمهوري رقم531 لسنة81 المنشيء لجهاز مشروعات الأراضي للقوات المسلحة, وبعدها بدأ بعض من حصلوا علي الأراضي بعقود عرفية في تقنين أوضاعهم من خلال المصدرين السابق ذكرهما, وبمقتضي العقدين استطاع الأهالي توصيل الخدمات أيضا( الكهرباء والمياه والتليفونات والصرف الصحي). البناء بالمشاركة ويوضح عصام منصور أن أهالي عزبة الهجانة قاموا ببناء أبراجهم بنظام المشاركة مع صغار المقاولين والمهندسين حيث قدم المالك الأراضي, وتم البناء بالمشاركة وحصل المالك طبقا للعقود الثلاثة علي نصف عدد الوحدات والباقي علي النصف الثاني من الوحدات, ثم قام الطرفان بتسويق90% من هذه الوحدات لجميع الفئات من خلال28 شركة للتسويق العقاري. اللقاء التالي كان بالمهندس صبري إبراهيم محمد الذي قام بالإشراف علي بناء4 أبراج سكنية بشارع حسني مبارك بعزبة الهجانة فقال: تقدمنا لحي مدينة نصر برسومات هندسية أشرف عليها أساتذة من جامعة القاهرة للحصول علي رخصة فرفض الحي وقال لنا اشتغل مثل الباقين, وبعدها بدأنا العمل طبقا للرسومات الهندسية لكبار الاستشاريين, وتم بناء الأبراج الأربعة طبقا للمواصفات الهندسية التي وضعت طبقا للكود المصري وهي المواصفات الهندسية المصرية للتشييد والبناء للإسكان. بعرض العقود الثلاثة التي حصلت عليها تحقيقات الأهرام علي المستشار محمد إبراهيم خليل نائب رئيس محكمة النقض الأسبق قال إن الأصل في ظل الدولة الحديثة هو أن الأرض مملوكة لها إلا ما يملكه الغير بطريق قانوني سواء بالاحياء أو بالميراث أو بالبيع أو الشراء وغيره من التصرفات الناقلة للملكية والأصل هو أن الدولة حين تنقل الملكية تمنحها لأي شخص أو جهة لابد أن يكون ذلك وفقا للقانون فلا يكفي قانونا أن تمنح الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو وزير الاسكان أو وزيرالمالية الأرض لأي جهة. تصرفات قانونية يؤكد المستشار محمد إبراهيم خليل إنه بالنسبة لأرض عزبة الهجانة فالثابت أن هناك من وضع يده علي قطع من تلك الأرض وظهر عليها بمظهر المالك, فقسمها وبني عليها واستقر في ذلك زمنا طويلا نسبيا في مجال التصرفات ولم تعترض الدولة بهيئاتها ومؤسساتها علي ذلك الوضع فتمت اقامة عمارات ارتفعت في عنان السماء بأدوار جاوزت عشرة أدوار, ووضعت الطرق ومهدت الوصول إليها وأنشأت بذلك مخططا تنظيميا لم تعترض عليه تلك الجهات, بل ووفقت أوضاعها بالسماح بإدخال المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي مما يعني أن الدولة أقرت هذا الوضع واعتبرت هؤلاء الأشخاص كمن أحيا أرضا مواتا يتملكها طبقا لأحكام الشريعة الاسلامية ومن ثم فالتصرفات الصادرة من هؤلاء الأشخاص تصرفات قانونية صحيحة منتجة لآثارها سواء بالبيع أو التأجير أو الهبة ولا يجوز لأحد حتي ولو كان مالكا قانونا لتلك الأرض يوما ما الاعتراض لأنه أسقط حقه في مواجهة حق ذلك الشخص واضع اليد الذي أصبح حقه في التملك يعلو حق المالك الأصلي ويعتبره كأن لم يكن في مجال التعامل فالمشتري من هذا الواضع اليد أو من وضع اليد نفسه ينفذ في حق الغير كافة كما قالت الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض سنة1967 وبالتالي فإن ما تثيره محافظة القاهرة حول ملكية هؤلاء الأشخاص غير سديد ويجب اطراحه والالتفات عنه, كما أن القول بمخالفة قوانين البناء ووجود مخالفات في هذه الأبنية التي تم انشاؤها وتزويدها بالمرافق وسكن كل وحداتها أو بعضها لا يجوز القول بهدم هذه الأعمال بدعوي مخالفتها القانون لأن سكوت الأحياء والجهات المنوط بها الرقابة علي أعمال حتي اكتملت دون اعتراض أو تدخل منها برغم ما لديها من سلطات في هذا الشأن تصل إلي حد الإزالة أثناء القيام بالأعمال المخالفة من شأنه أن يضفي الشرعية علي تلك الأعمال وتقع المسئولية علي عاتق هذه الأحياء ما لم تكن هذه الأعمال خطيرة علي شاغليها ومعرضة للإنهيار لعيوب فنية تجعل سلامة العقار في خطر أما ما لم يكتمل فإن ما تم منه من أدوار يجب اضفاء الشرعية علي ما تم مع تكليف القائم بالأعمال بتصحيح المخالفة وعدم اكمال البناء إذا كان القانون لا يسمح به. ويضيف أن العقود التي بيد واضعي اليد صادرة من ملاك بعقود مشهرة أو عرفية هي الأخري, وهؤلاء وإن كانت الملكية لم تنتقل إليهم لأنها لا تنتقل إلا بالتسجيل أو بوضع اليد المدة القصيرة مع وجود السبب الصحيح أو المدة الطويلة وهي15 سنة مع توافر وضع اليد الهاديء الظاهر المستمر بخمسة عشر عاما.. هؤلاء أصحاب حق ما لم ينهض حق آخر علي هذه الأرض يسمو علي حقه, وينحيه جانبا فهؤلاء لهم حق البناء عليها, والتصرف في هذه الأرض ولا يواجهون بإدعاء عدم ملكيتهم لها لأن حقهم يوازي حق الملكية.