تباينت آراء القوي السياسية المصرية بين مؤيد للقرارات التي أصدرها الرئيس مرسي أخيرا وبين معارض لها. ويري المؤيدون أن هذه القرارات تعتبر تصحيحا لمسار الثورة في حين يصفها المعارضون بأنها امتداد لديكتاتورية العهد البائد. اللافت للنظر أن هذا التباين في الآراء لم يكن مقصورا علي عامة الناس ولكنه انسحب إلي النخبة بل إلي صفوف القضاة وأساتذة القانون أنفسهم, حيث أيد بعضهم هذه القرارات من منطلق أن الضرورات تبيح المحظورات وعلي خلفية أن مصر تعيش ظروفا استثنائية جدا خطيرة تستدعي اتخاذ قرارات صعبة لفترة محددة للحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة, بينما عارض بعض القضاة وأساتذة القانون هذه القرارات بشدة معتبرين إياها تجريفا لدولة القانون وانقضاضا علي السلطة القضائية ولاسيما أن الرئيس قد حصن كل قراراته السابقة واللاحقة ضد أي طعون أمام كل الجهات القضائية إلي حين إصدار الدستور وانتخاب مجلس جديد للشعب. وبعيدا عن اللغط الحادث حول ماهية هذه القرارات وما إذا كانت قرارات ثورية أم ثأرية, فإننا نعتبرها بمثابة الدواء المر الذي يجب علي الجميع تعاطيه بعد أن أصبح الاختلاف علي كل شيء في مصر هو السمة السائدة من منطلق (الاختلاف من أجل الاختلاف). كما أن هناك أطرافا خارجية لا يروق لها استقرار مصر لأنها تدرك جيدا حقيقة مفادها أنه (مصر إذا قامت قادت) ولعل مطالبة العالم استقرارها لكي ترعي اتفاقا للتهدئة إثر العدوان الإسرائيلي الوحشي علي قطاع غزة خير دليل علي ذلك, فعلي الرغم من موقف مصر القوي ضد العدوان فقد نجحت في عقد اتفاق بين إسرائيل وحماس حقق بفضل صواريخ الأخيرة كل مطالبها التي أذعنت لها إسرائيل ولأول مرة. فهل هناك حقا من يريد لمصر أن تكون مثل سيزيف في الأسطورة اليونانية القديمة, حيث حكم عليه بلعنة رفع حجر من أسفل جبل إلي قمته.. ولكنه ما أن يستقر الحجر علي القمة بعد طول عناء يعاود التدحرج إلي أسفل, فيعاود سيزيف حمله مرة أخري ويصعد به إلي أعلي قمة الجبل فيتكرر ما حدث ودواليك وإلي ما لا نهاية. لعل أخطر ما في المشهد المصري الآن هو أن من جمعتهم الثورة فرقتهم المصالح وانقسموا إلي مدنيين (ليبراليين) وإسلاميين, ومن أسف فإن كلا الفريقين يخون الآخر ويعمل جاهدا علي إقصائه وتهميشه, علي الرغم من أن أيا منهما لا يستطيع بمفرده إنقاذ مصر وانتشالها من كبوتها وتضميد جراحها, فالتركة التي خلفها العهد البائد تركة مثقلة تنوء بحملها الجبال, ومن ثم فإنه لا مناص من تضافر جهود كل المصريين علي اختلاف مشاربهم للعمل من أجل مصر فهي فوق الجميع. د. محمد محمود يوسف - أستاذ بزراعة الإسكندرية