كانت ندوة' تاريخ الكتاب العربي ودوره الحضاري'التي شهدتها مكتبة الإسكندرية بمشاركة خاصة من منظمة الإسيسكو' المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة علي مدي يومين في الأسبوع الماضي بدءا من يوم الاثنين26 نوفمبر مناسبة لتفسير. كما يقول د. عبد الحميد الهرامة ممثل الإسيسكو- كيف كانت الحضارة العربية هي حضارة الكتاب. فيكفي ما كان من تاريخ لمكتبة بغداد ومكتبة المستنصر بالأندلس. فلم تكن أوروبا لتحقق أي من نهضتها دون عبور لهذه الكتب من الاندلس وصقلية. بدأ الكتاب مع الحفر علي الحجروأصبح مع الزمن هناك تاريخ للطباعة, أصبحت للكتابة أدوات ومواد مستخدمة علي مر العصور, خاصة بالنسبة للمخطوط الإسلامي- كما يشير د. علاء عبد العال مدرس الآثار الإسلامية بجامعة سوهاج- بدءا من عصر الرسول صلي الله عليه وسلم وحتي العصر العثماني. فهناك استخدام لأدوات لضبط جودة الخط والمخطوط. ومنها الأحبار والمداد والورق والرقوق والأديم وأنواع الجلود والمرملة والنشأة والمصقلة والمسن والمزبر والسكاكين. والكتاب العربي بهذا المفهوم يعد ملحمة- في رأي د. أحمد شوقي بينيين مدير المكتبة الملكية بالرباط- استغرقت1400 سنة منذ نزول القرآن الكريم الذي يعد الكتاب الأول الذي تبعه عدة كتب مثلت نقلة حضارية مهمة في القرن الأول الهجري. وفي القرن الثاني الهجري تعددت الرؤي وأصبح حتي للنحاة كتبهم وظهر الشرح والحواشي والايضاح والتعقيبات والتعليقات, بل وظهرت مختصرات للشروح. كما ضم الكتاب العربي في تلك القرون الكثير من الإبداعات ومنها إبداع العرب الطبي الذي كان شاهدا علي حضارة متميزة وقد مر- كما يشير الباحث مراد تاغوت- عبر ثلاثة مراحل وهي: النقل عن اليونانية والوجود المعرفي للطب العربي, أخيرا تفهم أوروبا قيمته عبر نقله إلي اللاتينية. وكان كتاب' القانون' لابن سينا,' والكليات في الطب' لابن رشد هما الأشهر بين كل الكتب الطبية العربية. ولم تقتصر الندوة علي تعريف الأشياء وتتبع تاريخها فقد دخلت بعض الأوراق البحثية في جدل حول مصطلح' التحقيق' الذي تعرض كما يقول الباحث رامي الجمل للكثير من الابتذال حيث انه لابد من وضع حدود لهذا المصطلح الذي أصبح غامضا. جنوب وشمال وغرب: أما الجنوب فقد تحدث عنه د. يوسف فضل وتحديدا عن تأثير الكتاب العربي علي التواصل الحضاري في السودان وشرق أفريقيا, حيث كان الكتاب أداة لنشر الإسلام, كما أنه أزدهر بعد التمازج مع الشعوب عقب الفتح الاسلامي. وفي السودان ظهرت مجموعة من العلماء تبحروا في المعارف الإسلامية ونهلوا من اللغة العربية والتصوف والتاريخ حتي صاروا مثل علماء المشرق. وعن الشمال قال د. محمد علي فرحات من لبنان انهم يميلون لتحديد علاقة بين مدينتهم جبيل' بيبلوس' وبين الأصل اللاتيني لكلمة' كتاب', حتي انتشرت كلمات تذكر ببيبلوس مثل ببليوجرافيا وببليوتيك وبيبليوماني. وهناك اتصال في زمن آخر بين اللبنانيين والاوروبيين أخذ طابع التبشير وان كان تأثيره الأدبي وصل للجميع. فقد طبعت لبنان كتبها لتسبق مطبعة بونابرت في مصر. ويرتبط الكتاب في لبنان بالحريات الثقافية حتي قبل استقلاله, فطبعت كتب احياء التراث جنبا إلي جنب مع كتب الآداب الحديثة والمترجمة. وتحدث د. محمود الزروق من جامعة بنغازي عن الدعوة السنوسية بليبيا حيث كانت الزاوية البيضاء في الجبل الأخضر أولي الزوايا بجوار برقة وقريبة من سيوة المصرية وكان إمامها مولعا بجمع الكتب, فتأسست مكتبة زاوية جغبوب التي ضمت ما يزيد علي الثمانية آلاف مجلد نجا بعضها من الاحتلال الايطالي لليبيا. الكتاب الرقمي: أما داوود الهنائي نائب مدير ذاكرة عمان الرقمية فتحدث عن الحفاظ علي التراث الفكري وتوفير محرك بحث متطور للوصول للكتب. فالمكتبة الرقمية في عمان سعيا لتحقيق هذا الهدف تضم200 كتاب وطني و21 ألف مخطوطة و40 ألف وثيقة و500 صورة نادرة وهناك مشروعات لبناء مكتبة رقمية وذاكرة تاريخية وقاعدة بيانات للآثار. وأضاف د. خالد عزب من مكتبة الاسكندرية انه يتعين علينا الآن تقديم منتجنا الأدبي والثقافي في إطار مختلف. فالمكتبات التقليدية ستحتفظ بوظائف حفظ الكتاب المطبوع, والمهم أن نزيد من رصيدنا العربي علي شبكة الانترنت وفي المكتبات التي ستكون في المستقبل أداة صناعة للفكر والثقافة. وتنتهي وقائع هذه الندوة التي تري انه من المهم إنتاج كتاب يرصد تاريخ الكتاب العربي وبمشاركة الاسيسكو ومكتبة الاسكندرية وتعميق الدراسات التي تكشف دور الكتاب الحضاري في الثقافة العربية.