من المؤكد أن تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة علي منح فلسطين وضع دولة غير عضو لم يسعد وحدة الشعب الفلسطيني ولكن تأثيره كان اكبر بسبب الدور الإيجابي الذي لعبه في توحيد الصف الفلسطيني حيث دعمت حركتا حماس والجهاد الإسلامي مسعي السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس( أبومازن) للحصول علي هذا الوضع في تطور دراماتيكي حدث قبل التصويت بأيام مما جعل الكثير من الدول التي كانت مترددة تحسم موقفها مع الطلب الفلسطيني ليخطو الفلسطينيون خطوتهم الأولي في سبيل إعلان دولتهم المستقلة حيث أن هذا الإعتراف يمنحهم علي الأقل فرصة حق مقاضاة إسرائيل علي جرائمها ضدهم في محكمة العدل الدولية. وقبل حوالي أسبوع واحد فقط من موعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة علي الطلب الفلسطيني حظي الطلب بدعم استثنائي غير متوقع من أهم فصيلين علي الساحة الفلسطينية وهما حركتا حماس والجهاد الإسلامي واللتين سبق ان أعلنتا معارضتهما له وجاء هذا التحول الإيجابي فور توقف العدوان الإسرائيلي علي غزة وإنتهاء عملية عامود السحاب التي كان أحد أهدافها غير المعلنة تعميق الإنقسام بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك بين السلطة وفصائل المقاومة الإسلامية ولكنها أدت إلي العكس فقد تظاهر سكان الضفة دفاعا عن غزة ففتحت قوات الإحتلال نيرانها علي المتظاهرين عند النقاط الحدودية مما أدي لإستشهاد أحد الشباب وإصابة العديدين غيره كما سارعت السلطة إلي إعلان دعمها لأبناء غزة وإدانتها للاحتلال. وببساطة شديدة يمكن وصف عملية التغير التي طرأت علي موقف حماس من توجه السلطة للأمم المتحدة بانه كان قرارا شجاعا من قيادتها ممثلة في رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل الذي لم يستسلم لتأثير الشعور بالإنتصار علي العدوان الإسرائيلي في عامود السحاب وهو الشعور الذي تعاظم بنجاح فصائل المقاومة الفلسطينية للمرة الأولي في تاريخها في جعل المدن الإسرائيلية الكبري وفي مقدمتها تل أبيب تحت تهديد صواريخها سواء المهربة من الخارج أو المصنعة في غزة وكان من المتوقع ان يكون موقف حماس أكثر تشددا تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس( أبومازن) وسلطته بعد أن بدأت بالفعل وبقوة الأمر الواقع عملية الإعتراف الدولي بحماس كتنظيم فاعل مستقل عن السلطة وبدرجة قد تشجعها علي الانفصال- أن أرادت- عن السلطة والعمل ككيان منافس لها. والعنصر الأخر الذي برز من خلال موقف حماس الداعم للتوجه للأمم المتحدة يتمثل في تغليب قيادتها لمصلحة الشعب الفلسطيني علي مصلحة الحركة حيث كان قطاعا مؤثرا في حماس بغزة يرفض دعم مسعي أبومازن ويعتبره تفريطا في الثوابت لأن الحصول علي إعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدةبفلسطين كدولة غير عضو سيعني من وجهة نظر هؤلاء المعارضين تأكيد الإعتراف بإسرائيل وبأن حدود فلسطين المستقبلية ستكون فقط هي حدود الرابع من يونيو1967 وكان أبرز القيادات التي تتبني هذا الموقف الدكتور محمود الزهار عضو المكتب السياسي للحركة أضف إلي ذلك أن إعلان مشعل جاء بعد وقت قصير من تأكيد طاهر النونو المتحدث بأسم حكومة غزة برئاسة إسماعيل هنية أن الحركة ترفض مسعي ابومازن في الأممالمتحدة وتعتبره تفريطا في الثوابت ولكن موقف رئيس المكتب السياسي أسكت ولو علنا ومؤقتا هذه المعارضة وأظهر الفلسطينيين في مظهر المتحد أمام العالم ليضرب في مقتل الحجة الإسرائيلية الدائمة بأنه لايوجد في الساحة الفلسطينية من يمثل كل أبناء الشعب الفلسطيني. ولا يمكن باي حال من الأحوال تجاهل الدور الإيجابي الذي قام به الدكتور رمضان شلح امين عام حركة الجهاد الإسلامي في توحيد المواقف الفلسطينية قبل التوجه إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة فرغم أن حركة الجهاد ترفض أن تكون جزءا من عملية التسوية السياسية طبقا لأتفاق اوسلو و لم تشارك في كافة الأنتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية او البلدية ومازالت تتمسك بهذا الموقف إلا أنها تلعب دورا إيجابيا في تقريب المواقف بين السلطة ممثلة في فتح وأبومازن من ناحية وحركة حماس وحكومتها في غزة من ناحية أخري. وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير علي غزة ظهرت الجهاد علي الساحة العالمية كرقم صعب في المعادلة الفلسطينية حيث أجبرت صواريخها إسرائيل علي مساواة خطرها علي أمنها بخطر حركة حماس عليها وربما أكثر ومع ذلك فقد خرج الدكتور رمضان شلح من هذه المواجهة وهو اكثر إيمانا وتصميما علي العمل علي إنجاز المصالحة الفلسطينية ومنها توحيد الموقف الفلسطيني أمام العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة وطلب من مصر تنظيم لقاء سريع بين أبومازن ومشعل يعقبه عقد أجتماع للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي يضم الأمناء العامين للفصائل والقوي الوطنية والإسلامية الفلسطينية علاوة علي قيادات أخري من المؤسسات الفلسطينية التنفيذية والتشريعية وذلك لإجراء مباحثات ماراثونية لإنجاز المصالحة الداخلية علي غرار المباحثات التي أنجزت التهدئة مع إسرائيل بالشروط الفلسطينية. وقد كان لموقف حركة الجهاد الإسلامي مدعوما بالتشجيع المصري تأثير إيجابي علي القرار الذي اتخذه السيد خالد مشعل بدعم الرئيس أبومازن في الجمعية العامة للأمم المتحدة رغم معارضة بعض قيادات حماس في غزة بشكل خاص كما قلنا. ولعل موقف حماس والجهاد الإسلامي من الطلب الفلسطيني في الأممالمتحدة يفتح بالفعل الطريق للمصالحة لأنه يعني عمليا أن الفصيلين يعترفان بالوضع القانوني للسلطة الفلسطينية حيث أنهما اصبحا شريكين في المستقبل من خلال أنهما ايضا ينتميان حاليا للإطار القانوني المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي تعد رسميا الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني طبقا لقرارات جامعة الدول العربية وحركة عدم الإنحياز ومنظمة التعاون الإسلامي.