خطبة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام, فهي التي تعطي المسلم الدفعة الإيمانية التي يسير بها في حياته اليومية خلال الأسبوع حتي تأتي الجمعة التي تليها, وورد بالشرع الحنيف نصوصا قرآنية وأحاديث نبوية ترغب المسلم وتحثه علي المسارعة والسعي إلي ذكر الله والصلاة يوم الجمعة وترك البيع واللهو, فإذا انقضت الصلاة عاد المسلم ليمارس عمله المعتاد الذي أباحه الله له وابتغوا من فضل الله. لكن هذه الأيام شهدت تراجعا ملحوظا في تأثير خطبة الجمعة, وكثير من المسلمين يشكون من أساليب الوعاظ والخطباء, والخطباء بدورهم يرفضون أن يلقي عليهم وحدهم مسئولية هذا التراجع. ويحذر علماء الدين من استغلال المنابر في الصراعات والخلافات السياسية والحزبية التي تشهدها البلاد, مطالبين الأئمة والفقهاء والدعاة بالبحث عن القضايا التي تهم الناس وإعلاء فقه الأولويات, والمناداة بوحدة الصف, والبعد عن القضايا الخلافية التي تثير الجدل بين عامة المسلمين, وتبني خطاب ديني عصري يعالج مشكلات الواقع, والبعد عن التشدد والمغالاة حفاظا علي حرمة المساجد ووسطية الإسلام. ويطالب الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, الخطباء وأئمة المساجد بانتقاء الموضوعات التي من شأنها توعية الحضور, بواقعنا المعاصر, والمناداة بوحدة الصف وإعلاء قيم العمل, كما طالب بصياغة برنامج دعوي يختار بعناية,وأضاف:نحن لا ننادي بكتابة الخطب أو أن تقرأ من ورق,وإنما أن يوجد برنامج شهري ملزم يحدد الموضوعات لأئمة وخطباء المساجد, لأن بعض الخطباء يوظفون المنابر لأمور سياسية, ومنهم من يوظفها لأمور مذهبية, أو تصفية حسابات لجوانب سياسية أو دينية مع جماعات وطرق وفرق, فيجب تجنب هذه الأمور تماما, فخطبة الجمعة جعلت لتوعية الناس, وبناء عليه يجب الاستفادة من كلية الدعوة الإسلامية كمؤسسة أكاديمية بالتعاون مع إدارة الوعظ بمشيخة الأزهر الشريف, وإدارة الدعوة والإرشاد بالأوقاف, والتنسيق بينهم لوضع برنامج شهري لموضوعات الخطبة يكون ملزما لجميع الخطباء, ولا مانع من أن تحدد فيه الملامح الرئيسية أو العناصر فتترك حرية التعبير للخطيب, وهذا البرنامج يوزع شهريا في إدارة الأوقاف, ووعظ الأزهر. ويضيف كريمة: الأمر الآخر يجب أن نلتزم بتطوير الخطاب الدعوي, وتنقية الحقل الدعوي من الدخلاء وأنصاف المتعلمين, والذين لا يحملون الشهادات الأزهرية, فمهما كان تمرس الدعاة الهواة, فهم لا يرقون إلي مستوي خريجي الكليات الأزهرية التخصصية,مع أخذ التدابير الوقائية والزجرية,فعندما تحدد موضوعات الخطبة كل شهر تكون المنابر جنبنا من الصراعات الدينية والحزبية,وأن يمنع خطباء تيارات التشدد والمغالاة والانفلات حفاظا علي هيبة الخطبة وعلي فاعليتها, ومن باب المشورة يجب علي كلية الدعوة الإسلامية وأقسام أصول الدين عمل نماذج استرشادية لخطب الجمعة لاسيما للدعاة حديثي التخرج, وأيضا من الأمور التي ننصح بها أيضا أن يكون هناك تدريب عملي كما يحدث في كلية التربية من تربية عملية للمعلمين المرتقبين, فلابد أيضا من عمل تربية عملية للخطباء المرتقبين, أما الوضع الحالي للخطب فهو وضع يدعو إلي الرثاء. شروط الداعية وعن الصفات الواجب توافرها في خطيب الجمعة يقول الدكتور الأحمدي أبو النور عضو هيئة كبار العلماء: يجب أن يكون دارسا لعلوم القرآن والسنة والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي, وأعلام الأئمة الكبار والمراجع العصرية التي تتناول التفسير الجامع بين الأصالة والمعاصرة, وأن يكون ملما أيضا بقدر مناسب بالعلوم الأخري كعلم النفس والاقتصاد والسياسة, ليخدم فكرة موضوع خطبته ويربطها بالواقع المعاصر, فيجب أن يطلع علي كل ما هو جديد, وكما يقول العلماء: فلا ينال العلم مستح أو مستكبر, والا يكون أسيرا لكتاب محدد أو مؤلف بعينه ولكن أن يكون له نظرة فاحصة ثاقبة, فإذا لم يقتنع بشيء فيقرأ في مرجع آخر أو يسأل أستاذ متخصص, يقول تعالي: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فيظل طوال حياته طالبا للعلم,وأن يكون آسرا لقلوب المصلين, فيكون مسموعا من أول كلمة في الخطبة لآخرها, فإذا سمعت منه جملة اشتقت إلي سماع ما بعدها, ويتأتي ذلك بعمق موضوع الخطبة وحسن اختيار الكلمة وترابط الجمل, فإذا رفع المفعول به, أو نصب المضاف إليه علي سبيل المثال, فستعتري الأذن نوع من التأفف, فتفقد اهتمامها وسماعها, أو أن يقول الإمام حديثا ضعيفا أو موضوعا فيجب أن يصحح معلوماته قبل أن يخطب في الناس, وليس العبرة أن يختار تفسير آية أو حديث, ولكن أن يعالج قضية معينة مهمة, وتعليم شيء مفيد للمصلين, فلا يكفي أن يعتلي المنبر, وإنما عليه أن يكون رءوفا يستشعر الضرر من بعد فيقي الناس منه, ورحيما, أي يستشعر معالم اللطف من بعد فيبصر الناس فيستبشروا به), وأن يجتهد في أن يباعد بين الناس والنار ليدخلوا الجنة, يقول تعالي: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور, ومن مواصفات الإمام أيضا أن يكون شخصية محبوبة, ويضيف: ما يدفع الناس إلي حب الإمام أن يكون مثالا تطبيقيا لما يدعو إليه, فإذا دعا إلي التواضع عليه أن يكون أكثر الناس تواضعا, وأن يكون اجتماعيا أيضا يشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم, دمث الخلق, حسن الكلمة, وأن يكون حديثه في صلب المشكلات التي يعانيها المجتمع, فعلي سبيل المثال نشرت الجرائد عن الحالة النفسية السيئة لأهالي الأطفال الشهداء في حادث قطار أسيوط وبالأخص الأم التي فقدت جميع أبناءها في القطار, فيجب علي الإمام الموجود هناك أن يتناول في خطبته مثلا سيرة السيدة أم خلاد التي استشهد أبوها وأخوها وزوجها في غزوة أحد,فلم يتزلزل إيمانها أو يضعف لحظة واحدة, وأول ما قالته للسيدة عائشة رضي الله عنها: اما رسول الله فبخير, واتخذ الله منا شهداء, ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا. معالجة قضايا الحي ويري الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف أن خطبة الجمعة مرتبطة بإمام الحي, ولذلك لقب بإمام مسجد الحي,وهذا أكبر دليل علي وجوب أن تكون مسئولية الإمام معالجة القضايا المعيشية التي يحتاجها أبناء منطقته في الأساس الأول, أي نسبة80% علي الأقل مرتبطة بالجزء الجغرافي الذي يعيش فيه, فإذا ارتفع مستوي الحي تكون مشكلاته متعلقة بخيانة الموظفين والسائقين مثلا, أو إهمال عمال الحراسة, أو عدم مراعاة مشاعر العمال, فتكون الخطبة ليرقق بها قلب الأغنياء أو أصحاب العمل علي العمال, وأيضا يخاطب فيها ضمير العمال لأجل أداء العمل بأمانة دون حقد أو حسد, أما المناطق الفقيرة, فتكثر فيها مشكلات النظافة, والبطالة, ومن الضروري أن يعرف الإمام أنه لا يصح أن يقف عند هذه المشكلات فقط فلا يستمر في الحديث حول هذه المشكلات فقط, ويجب عليه الارتقاء بمستوي الخطاب في ذلك الحي, وأن يتناول بنسبة20% في خطبته قضايا الدولة والأمة العربية أيضا, لكي يتحقق النجاح المطلوب في خطبة الجمعة.