الاتحاد حلم حققته أوروبا التي أدركت منذ سنوات أن التحول إلي قوة دولية عظمي يشهد لها العالم لا يأتي بالتمني والدعوات كما هو الحال في عالمنا العربي, إنما يأتي بالتخطيط والعمل والإصرار. وها هي آسيا تطبق اليوم نفس النظرية الأوروبية في الاتحاد حيث زادت في الآونة الأخيرة أوجه التعاون بين الدول الآسيوية في مختلف المجالات بما يصب في النهاية في مصلحة القارة الصفراء التي من المتوقع أن تقود اقتصاد العالم بحلول عام.2050 والحقيقة أن الآسيويين خاصة دول جنوب شرق آسيا لم يتركوا مجالا لم يقيموا له منظمة أو مؤسسة أو مركزا للتعاون فيما بينهم, حتي حدائق الحيوان أقاموا لها اتحادا يعرف باتحاد جنوب آسيا لحدائق الحيوان.ويبدو أن هذا التعاون الآسيوي بدأ يجذب انتباه العالم فقد رصدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية واحدا من أهم مجالات ذلك التعاون وهو مجال العلوم والأبحاث, وذكرت الصحيفة في تقرير لها أن تنامي التعاون الأكاديمي بين الدول الآسيوية يسير جنبا إلي جنب مع تشابك العلاقات الاقتصادية بينهم.وعلي سبيل المثال وليس الحصر, اتفقت منظمة اتحاد دول جنوب شرق آسيا' آسيان' علي إقامة ثلاث مجموعات بحثية بين أعضائها لحل المشكلات التي تواجه المنطقة, الأولي في الطب والصحة بين سنغافورة وتايلاند والثانية في الزراعة والأغذية بين فيتنام وتايلاند وماليزيا, والثالثة في الطاقة والبيئة والتنوع البيولوجي بين الفلبين وأندونيسيا. بالإضافة إلي ذلك إنشاء شبكة باحثي جنوب شرق آسيا في تربية الأحياء المائية التي تجتمع كل ثلاثة أشهر للمشاركة في تطوير الابحاث الزراعية وبرامج تبادل الخبراء,وقيام كبري الشركات اليابانية والكورية الجنوبية والتايوانية بفتح مراكز بحثية لتطوير الصناعة علي الأراضي الصينية, فضلا عن شبكة شرق آسيا للبحوث الاجتماعية التي تم إنشاؤها عام2005 و تهتم بسبل تحقيق الرفاهية الاجتماعية والنمو السكاني, وغيرها من مئات الشبكات والهيئات التي تجتهد لتعزيز التبادل العلمي الآسيوي. وقد كشفت دراسة أعدها المعهد البريطاني مؤخرا أن نمو الانتاج البحثي في ثماني دول من مجموعة آسيان وهي كمبوديا وأندونيسيا وماليزيا وميانمار والفلبين وتايلاند وفيتنام ولاوس تجاوز المعدل العالمي خلال السنوات الخمس الماضية, كما أظهرت الدراسة أن العديد من دول جنوب شرق آسيا فاقت في تعاونها الدولي في مجال الابحاث, المعدلات العالمية. فعلي سبيل المثال, فإن أكثر من90% من الأبحاث التي تم نشرها في لاوس كانت حصيلة تعاون آسيوي ودولي, في مقابل التعاون الدولي الذي أفرز46% فقط من الأبحاث في بريطانيا. ورغم تفوق الانتاج البحثي, إلا أنه لا يخلو من الاعتماد علي طرف خارجي غربي, فمعظم الأبحاث التي يتم الاستفادة منها فعليا هي تلك التي شاركت فيها جامعات غربية وذلك لعدة أسباب من أهمها أن معظم الباحثين الآسيويين درسوا في الجامعات الأمريكية أو الأوروبية التي تقدم إمكانيات وتسهيلات أفضل للبحث العلمي, فضلا عن افتقار البحوث للغة مشتركة حيث تتعدد اللغات المستخدمة في الجامعات الآسيوية, إلي جانب ضعف تمويل الابحاث مقارنة بالدول الغربية.والكثير من العلماء الآسيويين منزعجون بشدة من ذلك الارتكان الجزئي إلي الغرب ويسعون بكل قوة إلي التخلص من عقدة الخواجة لتكون أبحاثهم آسيوية مائة في المائة, من آسيا وإلي آسيا, فكل يوم يتناقش الباحثون الآسيويون عبر الانترنت لكي يحققوا مزيدا من التعاون والاندماج في مختلف المجالات حاملين شعار' من أجل الفقر, من أجل البيئة, من أجل التنمية, لابد أن نعمل معا'.وبهذا تقترب آسيا شئيا فشيئا من تحقيق وحدة كاملة وربما تشهد السنوات المقبلة اتحاد آسيويا علي غرار الاتحاد الأوروبي ليصبح القرن الحادي والعشرون حقا هو القرن الآسيوي كما يتوقع بعض المحللين.