واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو هجمات من خصومه السياسيين بعد توقيع الهدنة مع حركة حماس معتبرين ان عملية عامود السحاب التي شنتها إسرائيل علي قطاع غزة علي مدي ثمانية أيام لم تحقق أهدافها. من وجهة نظر شاؤول موفاز رئيس حزب كاديما كان علي إسرائيل مواصلة العمليات حتي استعادة الردع بمعناه الحقيقي وهو ان يكون اتفاق الهدنة مشتملا علي ضمانات بعدم اطلاق الصواريخ علي اسرائيل مجددا وهو ما لم يحدث حيث بقيت الامور علي ما هي عليه قبل اندلاع المواجهات الاخيرة, وبالتالي فإن موفاز الذي شغل من قبل منصب رئيس أركان الجيش الاسرائيلي يري ان تجدد المواجهات بين اسرائيل وحماس مرة اخري هي مسآلة وقت ليس إلا. مصر الهدف وليست حماس اذا كان من الصحيح ان شروط التهدئة التي احتواها الاتفاق الاخير بين مصر وإسرائيل من جانب وبين مصر وحركة حماس من جانب اخر لم يحقق لإسرائيل اكثر مما حققته تفاهمات ما بعد عملية الرصاص المصبوب في عام2009, وإذا كان من السابق لأوانه معرفة حجم التأثير الذي ستخلفه عملية عمود السحاب علي القدرات العسكرية لحماس والتنظيمات الفلسطينية الاخري مثل حركة الجهاد... فان النتيجة الاكثر وضوحا لهذه العملية هي نجاح اسرائيل في وضع مصر في اختبار متعدد المستويات اسفر عن نتائج أولية يمكن البناء عليها مستقبلا: 1 اختبار مناعة معاهدة السلام من المعروف ان اسرائيل كانت تتوق لاختبار عملي لإظهار مدي تمسك مصر بمعاهدة السلام في ظل حكم الاخوان المسلمين في مصر, حيث كانت التصريحات الصادرة عن معظم قيادات الجماعة سواء قبل انتخاب الرئيس مرسي او بعد انتخابه تشي برغبتهم في إلغاء المعاهدة او اجراء تعديلات عليها علي الاقل, كما ان الرئيس مرسي نفسه كان يتعمد عدم ذكر اسرائيل لفظا في كافة خطاباته الداخلية والخارجية, بمعني آخر كان ما يشغل قادة اسرائيل طرح السؤال التالي: اذا كانت مصر في عهدي الرئيسين السابقين السادات ومبارك قد أظهرت تمسكا بالمعاهدة في ظروف صعبة مثل احتلال جنوب لبنان وإقامة منطقة أمنية عازلة فيه عام1978, ثم محاصرة بيروت عام1982, وأيضا خلال عملية السور الواقي في غزة عام2002, وكذلك في حرب اسرائيل ضد حزب الله في لبنان عام2006, وحربها ضد حماس عام2009... اذا كانت مصر قد قاومت خلال كل تلك المواجهات الضغوط الخارجية والداخلية لقطع العلاقات مع اسرائيل وإلغاء معاهدة السلام معها ردا علي اعتداءاتها المتكررة علي دول وشعوب عربية, فهل ستنجح في ظل حكم الاخوان ان تحافظ علي السياسة نفسها؟ برهنت العملية الاسرائيلية الاخيرة علي ان موقف مصر لم يتغير وأنها حافظت علي الدور الذي لعبته خلال فترتي حكم السادات ومبارك وحافظت ايضا علي العلاقات ولم تقم بقطعها ولم تهدد كذلك بإلغاء اتفاق السلام. وكان حرص نيتانياهو علي حصر مسألة الوساطة بين حماس وإسرائيل في مصر وحدها واضحا الي الحد الذي رفض فيه مبادرة كانت فرنسا وقطر قد تقدمتا بها رسميا لإسرائيل خلال زيارة لوران فابيوس وزير الخارجية الي تل أبيب قبل يومين من اعلان التهدئة رسميا, وذكرت صحيفة هاأرتس ان نيتانياهو قد نقل الي مصر رسالة واضحة بانه يفضل ان تقوم مصر وحدها بدور الوسيط بين اسرائيل وحماس وانه غير مهتم بالمبادرات الفرنسية والقطرية والتركية. 2 رسم العلاقة بين مصر وحماس راقبت اسرائيل ردود فعل حركة حماس عقب فوز الاخوان المسلمين بالأكثرية في البرلمان في انتخابات يناير الماضي( قبل ان يتم حل البرلمان لاحقا), وأيضا عقب الاعلان عن فوز محمد مرسي بالرئاسة في يونيو الماضي, وكان واضحا ان حركة حماس تنظر الي سيطرة الاخوان علي الحكم في مصر علي انه مكسب استراتيجي لها حيث تتوقع ان تكون مصر تحت ظل الاخوان عمقا استراتيجيا لها يمكنها من أمرين: الاول إقصاء منافسها علي السلطة أي حركة فتح والسلطة الفلسطينية التي يقودها ابو مازن وتحويل الأنظار الي حماس باعتبارها الطرف الذي يمثل الشعب الفلسطيني وبالتالي علي كل المنخرطين في عملية التسوية سواء في اسرائيل او الغرب ان يتوجهوا لحماس مباشرة وليس لسلطة ابو مازن, الثاني مواصلة العمل بخطاب المقاومة بشكل أوسع من ذي قبل اعتمادا علي الدعم السياسي والمادي المنتظر من الحكم الجديد في مصر, كانت اسرائيل تسعي بقوة لإزالة توهمات حماس حول مصر ودورها المختلف في زمن الاخوان, وبالتالي سعي نيتانياهو لإفهام حماس ان رد فعل مصر علي أي عدوان علي غزة لن يختلف جوهريا عما كان نظام الرئيس السابق مبارك يتخذه وهو السعي لتحقيق تهدئة متوازنة تراعي متطلبات الجانبين الاسرائيلي والحمساوي, وقد تحقق لناتانياهو ما أراد حيث قادت مصر مفاوضات وجهود وساطة وقفت فيها علي مسافة متساوية من اسرائيل وحماس, وهو ما دعا الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس لتوجيه الشكر للرئيس مرسي علي جهوده من اجل التوصل الي التهدئة بين الجانبين, كما تلقي مرسي إشادة مماثلة من الجانب الأمريكي الذي حرص بدوره علي التأكد من مدي التزام مصر في ظل الاخوان بالحفاظ علي المصالح الامريكية في المنطقة واهمها امن اسرائيل, وكذلك مدي رغبة مصر في الحفاظ علي العلاقات المتميزة مع الولاياتالمتحدةالامريكية كما كان الوضع في السابق تحت حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك. بل ان تسفي برئيل المحلل السياسي لهاآرتس رأي ان مرسي قد قدم ما لم يقدمه سلفه مبارك كونه قد قبل ان يكون الضامن لسلوك حماس عقب توقيع اتفاق التهدئة بينما كان نظام مبارك يتهرب دوما من تقديم مثل هذه الضمانات, وهو الامر الذي يضع العلاقات بين حماس ومصر مستقبلا في مأزق صعب حيث سيغدو أي تصعيد جديد من جانب حماس ضد اسرائيل بمثابة استهانة بدور مصر والتزاماتها الدولية, فضلا عن احتمالات ان يقود مثل هذا الوضع اذا ما تحقق الي ازمة في العلاقات المصرية الأمريكية كون واشنطن هي الضامن الثاني في اتفاق التهدئة ويختص بالضغط علي اسرائيل للالتزام بالاتفاق مقابل اختصاص مصر بالضغط علي حماس في حالة انتهاكها له. بمعني اخر نجحت اسرائيل في عزل المشترك الايديولوجي الذي يجمع حماس وجماعة الاخوان في مصر ومنع تأثيراته المنتظرة علي السياسات التي ستصيغها القاهرة حيال اسرائيل في المستقبل المنظور, وهو امر قد يؤدي الي توترات بين حماس والحكم الجديد في مصر بسبب ما تتوقعه اسرائيل من حرص الرئيس مرسي الذي يحتاج للدعم السياسي والاقتصادي الامريكي بشدة علي وضع قيود علي تحركات حماس ونشاطات المقاومة مستقبلا, وفي حالة عدم التزام حماس بالتهدئة فان التوتر في علاقتها بمصر يمكن ان يتصاعد مستقبلا. اختبار ردود فعل الشارع المصري تدرك اسرائيل مدي قوة الرفض في الشارع المصري للتطبيع, وتدرك أيضا ان نفس الشارع لا يود التورط في حرب مع اسرائيل في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها, من ثم جاءت عملية عمود السحاب بمثابة الفرصة لاختبار مدي صمود هذه المعادلة في ظل حكم الاخوان, وقد أظهرت الاحتجاجات غير الواسعة علي العملية مقارنة بردود فعل سابقة مثل تلك التي وقعت ردا علي مذبحة جنين عام2002, او علي الحرب علي لبنان عام2006 ان الرأي العام المصري يضع علي راس أولوياته مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية ولا يريد لبلاده التورط في صراعات خارجية في هذا الوقت العصيب. أيضا هناك من تخوفوا من ان تؤدي العمليات العسكرية الاسرائيلية في غزة الي نزوح الآلاف من الفلسطينيين صوب الحدود المصرية واقتحامها علي غرار ما حدث عام2009 في سابقة سببت غضبا شديدا علي انتهاك السيادة المصرية بهذه الصورة غير المسبوقة, كما وضعت عبئا أمنيا كبيرا علي مصر نتيجة تسلل المئات من نشطاء الجماعات التكفيرية الي داخل البلاد وتمركز بعضهم في سيناء لشن هجمات علي اسرائيل والجيش المصري علي حد سواء.