يبدو ان فكر الحزب الوطني وبقايا لجنة السياسات مازالت حتي الآن تحكم قرارات المسئولين في الحكومة.. انها الأساليب نفسها التي اتبعها الحزب المنحل في تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام امام شعارات زائفة: إن السبب في الأزمة الاقتصادية كلما ظهرت الزيادة السكانية والمواليد والملايين الذين يدخلون الحياة كل يوم وهم سبب الفقر والمعاناة وسلاسل العشوائيات التي تنتشر في كل مكان.. ان الحكومة الحالية تحاول ان توهمنا علي طريقتها ان قدر المصريين ان تتراكم عليهم الأزمات والمشاكل وان الفرج قادم ولكن متي.. لا أحد يعلم.. في لقاء مع د. قنديل رئيس مجلس الوزراء قلت له ارجوكم ابتعدوا عن فقراء مصر ورغيف العيش الأسود وانبوبة البوتاجاز الفارغة وابحثوا عن مصادر حقيقية لتمويل العجز في الميزانية وضغط النفقات لأن أي نيران تقترب من الأحياء الفقيرة وسكان العشوائيات لن تمر بسلام وقلت لرئيس الحكومة: إن ملايين المواطنين كانوا ينتظرون ثمار ثورة يناير, وحتي الآن لم تسقط الثمار التي حلموا بها فلا تجمعون لهم الثمار المرة ولا داعي ابدا لفرض اعباء جديدة علي المواطنين.. وللأسف الشديد ان الحكومة لم تفهم الرسالة وبدأت رحلتها مع الأخطاء ولا احد يعلم ما هي نهاية المطاف. بدأت الحكومة في مراجعة كشوف الضرائب وليس امامها غير كشف الموظفين ومحدودي الدخل, ولهذا بدأت في إعداد مشروع قرار بقانون زيادة الضرائب علي معظم الدخول والاكتفاء بالإعفاءات الضريبية القديمة, ولا شك ان ظروف المجتمع وحالة الكساد والبطالة والأعباء التي فرضتها الثورة كانت تقتضي تخفيف الأعباء عن المواطنين وليس زيادة الضرائب.. ماذا تنتظر الحكومة من موظف يتقاضي 700 جنيه شهريا حتي تفرض عليه التزامات جديدة.. لقد كان من المفروض ان تلتزم الحكومة بإعفاء الحد الأدني من الأجور من كل اشكال الضرائب.. ان مبلغ الألف جنيه في مصر الآن لا يوفر احتياجات شاب غير متزوج وليس لديه اطفال.. وإذا كان حد الإعفاء هو تسعة آلاف جنيه فإنها لا تشتريتوك توك ولا تكفي لشراء غرفة نوم لشاب يتزوج ولا تكفي لشراء شبكة لشاب آخر.. ان الحكومة تتبع نفس اساليب الحزب الوطني في جمع الأموال ولم يكن لديه غير مرتبات الموظفين لأنها تحت يديه يستطيع ان يقتطع منها ما يريد, وهذا ما يحدث الآن.. ان ضرائب الموظفين مهما زاد عائدها فهي تمثل موردا محدودا في كل الحالات, وهي تترك آثارا سيئة علي مستوي العمل والإنتاج, كان من بين المهازل ايضا ان تفتش الحكومة في دفاتر الحزب الوطني فلا تجد غير ملفات الضريبة العقارية وقد كانت من مآسي العهد البائد ومظاهر الخلل فيه والغريب ان الإخوان المسلمين هاجموا هذه الضريبة بعنف في مجلس الشعب ثم عادوا الآن يفتحون ملفاتها. علي نفس طريقة الحزب الوطني انحصر فكر الحكومة الحالية في قضية الدعم امام رغيف الخبز وانبوبة البوتاجاز.. ولا اعتقد ان هناك مسئولا لديه الشجاعة ان يأخذ قرارا ضد دعم رغيف الخبز, لأن هذا الرغيف هو آخر ما بقي للفقراء في هذا البلد.. ولكن الأمر الغريب حقا ان يصل دعم الطاقة إلي مواطن يشتري انبوبة البوتاجاز وصاحب مصنع يستخدم الغاز بنفس الشروط ونفس الدعم.. أو ان يتساوي صاحب سيارة مرسيدس آخر موديل وهو يشتري البنزين مع صاحب توك توك يريد 5 لترات بنزين 80 ليكمل بها مشوار يومه ويجمع بضعة جنيهات يعيش منها.. هذا التفكير الخاطئ يحتاج إلي حسم بحيث تقدم الحكومة رغيف خبز مناسبا في سعره للقادرين وتبقي علي الرغيف الأسود المدعوم للفقراء وسكان العشوائيات.. وهو امر مطلوب ايضا في دعم الطاقة حتي لا يذهب الدعم إلي من لا يستحقه.. ليس المطلوب من الحكومة ان تقدم الدعم للغاز الذي تعمل به المصانع أو تصدره لإسرائيل أو تنتج به حديد التسليح.. أو ان تبيع الكهرباء لأصحاب القصور كما تبيعها لسكان القبور. علي طريقة الحزب الوطني تلجأ الحكومة الحالية إلي تغطية العجز في الميزانية من خلال طريقين: الأول هو القروض وامامنا قرض صندوق النقد الدولي وما يمليه من شروط قد تصل إلي تخفيض الجنيه المصري وانتهاء بالأعباء التي تفرضها هذه الشروط علي الطبقات الفقيرة خاصة ما يتعلق بقضية الدعم.. اما الطريق الثاني الذي توسعت فيه الحكومة بدرجة خطيرة فهو اذون الخزانة وهي عبارة عن المزيد من الديون علي الحكومة المصرية ومستقبل اجيالنا القادمة.. لقد وصلت معدلات الديون الخارجية والداخلية إلي ارقام خطيرة تهدد مستقبل مصر.. ان آخر الأرقام تقول ان الدين العام وصل إلي 1.3 تريليون جنيه وان كل مواطن مصري عليه الآن ديون قيمتها تزيد علي 14 الف جنيه.. وإذا وضعنا المواطن المصري الفقير ما بين التزامات الدعم.. والتزامات الديون والتزامات فوائدها والتزامات اذون الخزانة فسوف نكتشف مدي الخلل الذي اصاب الاقتصاد المصري.. ان التوسع في هذه المجالات يفرض اعباء رهيبة علي ميزانية الدولة ويهدد كيانها الاقتصادي بصورة كاملة. نحن امام حكومة تفكر يوما بيوم ولم تستطع حتي الآن ان تضع خططا اقتصادية متكاملة ما بين الإنفاق والموارد والسعي لزيادة الإنتاج.. نحن امام مجتمع لا يعمل وامام مظاهرات فئوية لا احد يعلم متي تتوقف.. وامام آلاف المصانع التي توقفت عن الإنتاج وامام بلايين الدولارات التي سحبها اصحابها من سوق الاستثمار.. وهنا لا بد ان تصر الحكومة علي وضع خطط اقتصادية لكل هذه المجالات وان تتوقف عن مسلسل الديون والقروض وان تشجع المجتمع علي الإنتاج, أما سياسة العمل باليوم الواحد فهي لا تصلح اطلاقا في هذا الظرف التاريخي الصعب.. ان آخر احلام الحكومة ان تفكر في قرض من هنا أو اذون خزانة من هناك أو زيادة الضرائب علي الموظفين أو إلغاء الدعم علي بعض السلع, وهذه الإجراءات لن تحقق الموارد المطلوبة وفي نفس الوقت تمثل تهديدا حقيقيا للاستقرار في هذا البلد.. لقد اختفت تماما من حياة المصريين فكرة الإنتاج وتحول المجتمع كله إلي مجموعات من العاطلين واكتفوا بالمظاهرات ابتداء بالمهنيين وانتهاء بطوائف اخري كثيرة لا تريد العمل ولا تسعي إليه. وبجانب هذا تركت الحكومة التجار والسماسرة يفرضون شروطهم واسعارهم علي المواطن المصري بلا رحمة وغابت كل وسائل الرقابة علي الأسعار وتحول المجتمع إلي ميليشيات متوحشة. والسؤال الآن أليس امام الحكومة من طريق آخر لتوفير الموارد اللازمة لتمويل العجز في الميزانية ؟.. امام الحكومة عشرات البلايين هي الضرائب المتأخرة لدي الرأسماليين ورجال الأعمال, وتستطيع استردادها فورا من الأصول والعقارات التي يملكها هؤلاء, كما ان لديهم مئات الملايين في البنوك.. وهناك ايضا الأراضي التي باعتها الحكومة في العهد البائد لرجال الأعمال بأسعار هزلية لزراعتها ثم تحولت إلي مدن سكنية وعقارات ومبان.. والمطلوب ان يدفع اصحاب هذه المشروعات الضرائب المقررة. يجب ايضا إعادة النظر في اسعار تصدير الغاز والبترول والحصص التي يحصل عليها الشريك الأجنبي في مثل هذه الصفقات.. وهناك ايضا صناديق الإستثمار التي لايعرف احد عنها شيئا ويقال اخيرا ان الحكومة سحبت منها 20 مليار جنيه فقط.. هناك ايضا الغرامات التي تحصلها الحكومة بوزاراتها المختلفة وقد تحولت إلي مصادر دخل سرية, هناك رسوم للطرق والشهر العقاري والمحاكم والأحوال الشخصية ولا احد يعلم اين تذهب هذه الملايين, وهل هي من حق جموع الشعب ام من حق مجموعات فئوية تحصلها منذ فترة طويلة واصبحت جزءا من دخل الوزارات يضاف إلي ما تحصل عليه من ميزانية الدولة؟! هناك ايضا جسور لابد ان نعيدها مع العواصم العربية بحيث نتحدث معهم بكل الشفافية عن دورهم في دعم الاقتصاد المصري حتي لا يفلت الزمام ويدفع الجميع الثمن.. هناك ايضا ضرورة للتوسع في الإنتاج الزراعي الذي يوفر المحاصيل التي نستوردها وندفع اسعارها بالعملات الصعبة وفي مقدمتها القمح والأرز وان نبحث عن اسواق جديدة لتصدير منتجاتنا إلي الأسواق الخارجية. المهم ان تبتعد الحكومة عن الطبقات الفقيرة وهي تسعي لتدبير موارد لتمويل الميزانية, وان تبتعد بقدر المستطاع عن الديون والقروض الخارجية والضرائب علي مرتبات الموظفين ومحدودي الدخل, كل هؤلاء الآن تجوز لهم الزكاة فما بالك إذا كانت الحكومة تكرر اخطاء الحزب الوطني وتفرض علي الناس مالا طاقة لهم به!. ..ويبقي الشعر
من يا تري يشجيه صوت المنشد واللحن يخبو في الضلوع ورعشة الأوتار تهرب من يدي ولمن أغني ؟ والمزاد يدور حولي.. والمدي ليل سحيق.. والعواصف مرقدي لا تنزعج يا سيدي الآن أعرض في المزاد قصائدي من يشتري عبق الزمان البكر.. أيام الصبا وشواطيء الذكري.. مع العمر الندي ؟ من يشتري ترنيمة الزمن الجميل.. وسورة الرحمن تسري في رحاب المسجد ؟ من يشتري حلم الطفولة.. لوعة الأب العجوز.. رفات أجدادي.. وساعة مولدي ؟ لم يبق غير مواكب الذكري تحلق كالهواجس في شحوب الموقد ووقفت تنظر في المزاد وحولك الأوطان والفرسان والماضي الذبيح.. علي جدار المعبد ومضيت تصرخ.. والمزاد يدق أعناق الشعوب.. ويستبيح الأمس.. يجهض كل الأحلام الغد فلمن تبيع الشعر يا مسكين والأنهار حولك أجدبت والركب قد ضل الطريق متي يفيق.. ويهتدي ؟ ماذا تبيع الأن يا مسكين في هذا المزاد ؟ لا شيء غير قصائد ثكلي تحدق بين أطلال الرماد لا شيء غير عناكب الكهان تنفث سمها والأرض حاصرها الجراد خرجوا يبيعون المصانع.. والمزارع والمساجد.. والكنائس.. والعباد وكتائب الزمن القبيح تدور في صخب المزاد كأنهم كهان عاد مات الفوارس وانتهي زمن البراءة.. والترفع.. والعناد وغدوت تجلس فوق أطلال السنين قد استكان النهر.. وارتاحت شواطئه.. وكبلها الفساد سيقول بعض الناس إن قصائدي شيء معاد حلم معاد جرح معاد حزن معاد موت معاد هي بعض ما تركت ليالي القهر في هذي البلاد ماذا تبيع الآن يا مسكين في هذا المزاد ؟ بين الفنادق والمصانع والمتاحف والمتاجر شيء جميل أن تضيء مزادكم أوراق شاعر في كل بيت من قصائده تغني الحب.. وانسابت مشاعر هو لم يكن يوما من الأيام دجالا.. ولم يحمل مباخر هو لم يمارس لعبة العهر المقنع بالعفاف ولم يلوث وجهه دنس الصغائر هو لم يغير لونه المنقوش من طين الحقول ولم يحارب بالحناجر هو ماء هذا النهر.. حين يجيء مندفعا.. وفي شمم يكابر هو من شذي هذي الضفاف وكم تعذب في هواها قلب شاعر من قصيدة شاعر فى المزاد سنة 2000 [email protected] المزيد من مقالات فاروق جويدة