كل البشر يشعرون بسعادة بالغة بوصولهم إلي سن العشرين الذي يعتبرونه قمة الشباب.. وبعدها يظل الإحساس بسنوات العمر يصاحبنا مع الأيام. فنحن أقوياء في سن الثلاثين, و أصحاب رؤية واضحة في سن الاربعين, وباحثين عن حصاد العمر في سن الخمسين لتظل الحكمة هي ميراث الستين. وفي حالة السيد محمد خاتمي فقد عاش الحياة بكل مراحلها وتفاصيلها حتي رسا علي شاطئ السبعين, و لهذا فهو يستحق منا قراءة لتاريخه الشخصي كمفكر وفيلسوف أصبح يوما رئيسا للجمهورية ليحتفظ من البدايات بسياسة النفس الطويل التي مكنته من أن تكون له رؤية المفكر الذي يعرف ان مقعد السلطة لا يدوم لأحد. فعندما ولد خاتمي في نهاية أكتوبر عام1943 في مدينة يزد لأب متدين كانت إيران تري في البازار والجامع المركزين الاساسيين للحياة. ففي البازار تتحدد المعاملات التجارية وفي المسجد تكون هناك مساحة التعبير عن الرأي. فلم يتغير شيء مما تحفظه الذاكرة الايرانية, ولهذا فإن طفولته كان يغلب عليها الانتماء الديني الذي جعله يلتحق بمدرسة قم بعد الدراسة الابتدائية التقليدية, وليقرر بعدها التخصص في الفلسفة في جامعة أصفهان. ويصل خاتمي إلي العشرينيات ويقرر ان يكون أحد الرافضين لحكومة الشاه وان يكون ذو وجود فاعل داخل المجتمعات الطلابية بسبب سياسات كانت تبعد إيران ليس فقط عن محيطها الاسلامي ولكن أيضا عن شخصيتها التي بدأت تفقدها شيئا فشيئا بالانسحاب ناحية الغرب وفرض ثقافته علي الشخصية القومية. وحتي بعد قيام الثورة الايرانية عام1979 في وقت كان قد بلغ فيه الثالثة والثلاثين لم يكن يشعر ان أهدافه في الحياة تتوقف عند اختياره كعضو في أول برلمان ثوري أو إدارته لمؤسسة كيهان التي كانت تؤدي وقتها مهمة ثقافية أو حتي إختياره كوزير للثقافة والارشاد الديني. فالمسألة كانت تتعدي محيط السلطة إلي عالم الفكر. فلم يرد خاتمي منذ البداية ان يكون مجرد صورة نمطية لوزير ثائر أو وجه حملته الثورة إلي الواجهة. فكل ما كان يعني خاتمي منذ شبابه الباكر وحتي الاربعينيات من عمره أن يعثر علي الفكرة التي تجعل من بلاده صورة في الواجهة الحضارية للعالم الاسلامي. فهو يقتبس من فكر إسلامي رحب و متحضر أضاف إليه انفتاحه علي الغرب وسنوات إدارته للمركز الاسلامي بهامبورج وهو ما جعله يفهم أصل فكرة الصراع الحضاري التي تسيطر في كثير من الاحيان علي العقلية الغربية. ولهذا قدم فكرته عن حوار الحضارات التي كانت تري ان الكيانات المتحضرة في العالم تتحاور ولا تتصارع, وان كل حضارة تأخذ عن حضارة آخري وانه لا يمكن ان تصارع حضارة حضارة أخري وتفنيها بالسلاح لأنها ان فعلت هذا تخرج من مدار التحضر إلي الهمجية. فالاسلام الحنيف قامت حضارته علي الاضافات الفكرية والعلمية التي قدمتها كل الاجناس.ولهذا تبدو الحضارة الاسلامية حضارة متجددة مع حركة الحياة والبشر. وعلينا كمسلمين أن ننقح تراثنا الكبير كنوع من الاصلاح الداخلي وبعدها نجلس لنتحاور مع من يختلفون عنا من البشر لنواجه الفكرة بالفكرة وبالحكمة والموعظة والقول الحسن. وهكذا جاءت الخمسينيات من العمر بشخصية واضحة لخاتمي الذي أصبح رئيسا للجمهوية لفترتين بدأتا منذ مايو1997 وانتهتا في أغسطس2005 بعد بلوغ خاتمي عامه الثاني و الستين حين أصبح العالم علي وعي بجهود الرجل الذي قدمته كتبه ورصيده الفكري ونظرية حوار الحضارات التي أعلنت كفكرة تقتدي بها الاممالمتحدة عام2001 وأصبحت فيما بعد نواة لتحالف الحضارات الذي تبنته الاممالمتحدة لمنع وقوع صراع بين الاسلام والغرب. وأما عن الرصيد الشخصي لخاتمي فهو عدة مؤلفات نذكر منها علي سبيل المثال' الدين والفكر في فخ الاستبداد' و' حوار الحضارات' و' الاسلام والعالم' الديقراطية وحاكمية الامة' و' رسالة إلي الغد' و' مطالعات في الدين والاسلام والعصر' والمرأة والشباب والخوف من الامواج'بالاضافة إلي مجموعة من الرسائل لمفكري وأدباء العالم ومنها رسائله إلي الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل التي ينبه فيها إلي من يحاولون تثبيت الانكسار وتعميقه في العقل والارادة لدي العرب والمسلمين. وأما الرصيد الشخصي فهو زوجته فاطمة وابنه عماد وابنتاه ليلي ونرجس الذين اعتبرهم ليسوا مجرد أفراد اسرة ولكنهم ممثلون لحقوق المرآة والشباب داخل جدران بيته, وجوائز حصلها بوصفه مفكرا قدم لبلاده الكثير, وموقف المعارض الذي ينتهجه في إيران اليوم حيث يعتقد وهو زعيم الاصلاحيين ان كثيرا من المشكلات تعود إلي أسلوب الادارة التي تنتهجها الحكومة اليوم.