في كل لحظة يتلوث هواء العاصمة ومختلف المدن بسبب عوادم السيارات والمصانع وغيرها حتي صار الهواء مشبعا بكل أنواع الملوثات.. لكن بمجرد بدء موسم حصاد الأرز والمحاصيل الزراعية التي يتم التخلص من مخلفاتها .. بأسلوب الحرق تبدأ السحابة السوداء في التكون والتشبع فتغطي سماء القاهرة وعواصم المحافظات وتبدأ شكوي المواطنين وتضررهم من عدم تدخل أجهزة الدولة لمنع السحابة السوداء.. وتتكرر الشكوي سنويا ويتكرر الحديث عن تدوير المخلفات وتصنيع النفايات.. يعيب د. أحمد عبدالوهاب أستاذ علم تلوث البيئة علي أجهزة الدولة عدم استفادتها من الأخطاء السابقة المتكررة سنويا وعدم حل الأزمة الناتجة عن حرق المخلفات الزراعية أو غيرها حتي ولو بتقليد الدول التي عانت سابقا من هذه المشكلة, فليس في مصر استراتيجية قومية للاستفادة من الثروة الطبيعية ومنها النفايات الصلبة والسائلة الصناعية أو المنزلية أو الزراعية وهي نعمة لا تقدر بثمن, فمثلا تكاليف جمع ونقل القمامة والتخلص منها عبء كبير علي امكانات البلد, في الوقت الذي يمكن بتدويرها استرجاع قيمتها بنسبة لا تقل عن50% كما في انجلترا و70% في المانيا و80% في هولندا. 3 مصانع كبري وأضاف د. أحمد عبدالوهاب أنه لكي نتخيل حجم مشكلة السحابة السوداء فيجب أن نعرف أن هناك3 مصانع كبري في القاهرة وحدها تحرق2400 طن سولار يوميا, وتحقن بالبيئة نحو5 آلاف طن ثاني أكسيد الكربون اضافة إلي ثاني أكسيد الكبريت والنيتروجين والهيدروكربونات وعشرات الغازات السامة, اضافة إلي ناتج مائة مصنع طوب تحرق نحو300 طن مازوت يوميا وكذلك هناك750 مسبكا في القاهرة الكبري ومحارق الفخار والحجارة فضلا عن القمامة التي تحرق بكميات هائلة وما تحويه من مواد بلاستيكية التي تنبعث منها مواد سامة للإنسان اضافة إلي أن عادم السيارات يمثل60% من ملوثات البيئة بالعاصمة, مما يستوجب وضع استراتيجية تخفف من حركة المرور بالقاهرة, فهناك نحو2.1 مليون سيارة وأتوبيس من كل نوع تنفث أكثر من3 ملايين طن ثاني أكسيد كربون فضلا عن خروج كميات كبيرة من أول أكسيد الكربون السام وغازات أخري بالعشرات وجميعها ضارة بالبيئة وصحة الانسان. وهذا يكشف عن واقع القاهرة الكبري التي تختنق طوال العام وليس في هذه الأيام فهي مغطاة بسحابة الفنجان فيما عدا الأيام الممطرة أو مع ارتفاعات الحرارة الشديدة التي تصنع تيارات صاعدة تسحب الدخان والملوثات إلي أعلي الغلاف الجوي. وقال: إن السبب الرئيسي في ظهور السحابة السوداء في هذا الوقت من العام يرجع لتكدس كميات هائلة من النفايات التي تحرق في وقت واحد, وذلك نتيجة ارتفاع مستوي المعيشة للفلاح اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا, حيث وفرت له الدولة مخبزا للعيش, فلا يحتاج لاستخدام نفايات الحقل لصناعة الخبز أو الأغذية. كما أن هناك الأسمدة الكيماوية, التي تجعله في غني عن الأسمدة العضوية, حتي أصبحت النفايات الزراعية عبئا ثقيلا علي البيئة وتسبب مخاطر كثيرة بانتشار الحشرات والقوارض والذباب والباعوض, وهذا ما يجعله يحرص علي حرق المخلفات التي يمكن أن تدر علي مجتمعه نحو13 مليار جنيه سنويا. ويري الدكتور أحمد عبدالوهاب أن الحل الأمثل لمشكلة النفايات والحرق يكون في برامج الوقود الحيوي من نفايات المحاصيل ليشمل محاصيل الطاقة والطحالب والنفايات الزراعية, ونفايات مصانع الأغذية, وأسواق الخضر والفاكهة, والصرف بأنواعها, وتحويل الكتلة الحيوية إلي سائل لانتاج الايثانول من السليلوز, والميثانول الحيوي, والغاز الحيوي الصناعي, وانتاج الزيوت الحيوية والوقود الحيوي من الطحالب والهيدروكربونات من مخلفات القصب, والهيدروجين الحيوي والكهرباء الحيوية و البيوتانول الحيوي وغيرها. استراتيجية للنفايات وأضاف أنه بالنسبة للقمامة فلابد من وضع استراتيجية لمعالجتها بدءا من نفايات المنزل التي تبلغ نحو23 مليون طن قمامة في العام, وتحوي نسبة عالية من مصادر الثروة الطبيعية, والتي يمكن أن تدر ثروة هائلة في صورة عائد مادي مباشر وآخر غير مباشر يفوق المباشر عشرات المرات. ويمكن لمصر أن تحقق من تدوير القمامة انتاج9 ملايين طن سماد عضوي تكفي لزراعة2 مليون فدان تزيد إلي15 مليون طن في عام2016 لزراعة3.5 مليون فدان, فضلا عن انتاج3 ملايين طن ورق كافية لتشغيل3 مصانع و350 ألف طن زجاج و370 ألف طن حديد تنتج نحو420 ألف طن حديد تسليح و115 ألف طن بلاستيك و440 ألف طن كهنة وقماش ومنها جميعا يمكن توفير نحو مليار جنيه إضافة للعائد الصحي والسياحي والبيئي يفوق ذلك مئات المرات لأن القمامة تنقل42 مرضا تكلف الدولة أكثر من مليار جنيه للعلاج, كما أن هذه المشروعات تسمح بتشغيل نحو300 ألف عامل من الشباب وتحقق زيادة في انتاج الأفراد يزيد علي40% إذا عاشوا في بيئات نظيفة. وقال: إن النفايات الزراعية يمكن صناعة العلف منها بديلا عن البرسيم بما يحقق انتاجا من اللحوم والمحصول قيمته نحو16 مليار جنيه, وكذلك540 مليون جنيه من انتاج اللحوم البيضاء, والتوسع في الاستزراع السمكي في200 ألف فدان, وانتاج كميات ضخمة من عيش الغراب وانتاج بكتيريا ترتفع بها نسبة البروتينات ينتج منها ألبان أو جبن أو لحوم أو استخدامها بقيمتها الغذائية العالمية لتغذية الحيوان فضلا عن انتاج الأسمدة العضوية.. خطر صحي ويؤكد د. مدحت الشافعي أستاذ المناعة والحساسية بجامعة عين شمس أن السحابة السوداء تشكل خطرا شديدا علي الصحة العامة خاصة لدي المصابين بأمراض مزمنة أو وراثية فتزداد حالات الاصابات بالجهاز التنفسي والاختناق, مما يحتم ضرورة الاستعداد الطبي بالمستشفيات لمواجهة هذه الطوارئ, فضلا عن أن التلوث الشديد له دور في اصابة الانسان بأمراض الجهاز العصبي والمخ, وخلل في الدورة الدموية, وحتي الانتظام في العمل وتؤثر علي سلوكيات البشر, خاصة بين الأطفال وكبار السن الذين تنخفض لديهم المناعة ويصابون بمضاعفات للأمراض.