يمر العملاق الاقتصادي الياباني بحالة من القلق وعدم الارتياح لمستقبله الاقتصادي, وسر هذه الحالة أن مجسات الاستشعار عالية الكفاءة لدي اليابانيين. وهى تشير إلي عزوف المستثمرين الاجانب عن المجئ إلي ثاني أكبر اقتصاد في العالم.وميلهم إلي الاستثمار في الدول الآسيوية المجاورة خاصة في الصين التي توجد بها فرص تجارية واستثمارية كثيرة. الأمر الذي دفع العديد من المراقبين الاقتصاديين إلي توقع أن يصبح العملاق الصيني ثاني اكبر اقتصاد في العالم خلال العام الحالي أوالقادم علي الأكثر خاصة أن الناتج القومي الاجمالي الصيني اقترب كثيرا من مثيله الياباني في عام2009 مع تنبؤات بوجود معدل نمومرتفع للغاية في الصين مقارنة باليابان خلال الفترة المقبلة. صحيفة نيكاي أكبر الصحف الاقتصادية واكثرها توزيعا في اليابان رسمت مؤخرا صورة ضبابية عن المستقبل الاقتصادي للعملاق الياباني. وقالت الصحيفة أن مساهمة اليابان في الاقتصاد العالمي تراجعت بشكل كبير. فبعد ان كانت هذه المساهمة حوالي14.3 في المائة من الناتج المحلي العالمي في عام1990 أصبحت لا تتجاوز8.8 في المائة في عام2008, وأضافت الجريدة أن الاستطلاعات الرسمية اليابانية تشير إلي أن الشركات الامريكية والأوروبية الكبري اصبحت تفضل العمل في الصين خاصة في مجالات التصنيع والتوزيع والتمويل نظرا للارتفاع الكبير في تكلفة تنفيذ المشروعات في اليابان والتي أصبحت الأعلي بين الدول الاقتصادية المتقدمة. كما تراجعت أيضا التنافسية الاقتصادية لليابان من المركز الأول في عام1990 إلي المركز السابع عشر في العام الماضي. وفيما يتعلق بالنقل الجوي انخفض ترتيب مطار ناريتا الدولي( بالقرب من طوكيو) من المركز الرابع في عام2000 إلي المركز الثامن في العالم مؤخرا. كما تراجع ترتيب ميناء يوكوهاما البحري من المرتبة العاشرة في عام2004 إلي المركز29 فيما يتعلق بالبنية الأساسية للموانئ في العالم. كل هذه العوامل أدت إلي تراجع اهتمام صانعي السياسة التجارية والاقتصادية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمفاوضات تحرير التجارة مع اليابان. بل ان الاتجاه الغالب بينهم حاليا هوالنظر إلي اليابان في الاطار الآسيوي الاوسع خاصة وان السوق الياباني من وجهة نظرهم سوق شبه مغلق ويميل إلي التقلص والانكماش. وهوالأمر الذي سيضع الشركات اليابانية الكبري التي تعتمد علي التصدير أمام معضلة كبري في دخول الأسواق الأوروبية والأمريكية. فبعض هذه الشركات مثل سوميتومو للكيماويات والتي اصبح رئيسها زعيما لأكبر التكتلات الاقتصادية في اليابان( نيبون كيدانرين) يضع هدفا يتمثل في تصريف50 في المائة من إجمالي منتجاته في الأسواق الخارجية ومن ثم فإن عدم النجاح في فتح اسواق جديدة أمامها سيمثل عبئا شديدا عليها وقد يعرقل استمرار عملها في المستقبل. حالة القلق لدي العملاق الاقتصادي الياباني تفاقمت في نهاية شهر مارس الماضي بعدما أقر البرلمان الياباني ميزانية قياسية بلغت92 تريليون ين( أوتريليون دولار تقريبا) للعام المالي2010 الذي بدأ في أول أبريل الجاري. ورغم ان الحكومة هدفت من وراء هذه الميزانية الضخمة إلي تهدئة المخاوف وبث حالة من الارتياح لدي اليابانيين وسط حالة الركود والانكماش الاقتصادي عن طريق تقديم إعانات نقدية إلي الأسر التي تضم أطفالا صغارا وإعفاء الأباء من مصاريف الالتحاق بالمدارس العامة الثانوية وزيادة دخول المزارعين إلا أن المراقبين الاقتصاديين حذروا من نفق مظلم طويل سيدخله الاقتصاد الياباني نتيجة هذه الميزانية الضخمة لأنها ستؤدي إلي زيادة الدين العام الياباني مشيرين إلي أن هذا الدين سيصبح7 تريليونات ين(78 مليار دولار تقريبا) في نهاية عام2012. وحذرت مؤسسات التصنيف الائتماني فيتش وموديز وستاندرد أند بورز اليابان من أنها قد تواجه تخفيضا لتصنيفها الائتماني نتيجة نموالدين العام الداخلي الامر الذي قد يرفع تكاليف الاقتراض لاكثر الدول الصناعية استدانة. ومن جهة أخري تتزايد حالة القلق لدي اليابانيين عند سماعهم الأخبار الواردة عن أوضاع البطالة والتوظيف. حيث زاد عدد العاطلين عن العمل في فبراير الماضي للشهر السادس عشر علي التوالي بحوالي250 الف مقارنة بالعام السابق ليبلغ معدل البطالة حوالي4.9 في المائة. فإذا أضيف إلي ذلك ارتفاع سعر صرف الين مقابل العملات الأجنبية وتأثيره السلبي علي نموالصادرات التي تعد العصب الأول للاقتصاد الياباني نستطيع أن ندرك ابعاد الصورة الضبابية لمستقبل الاقتصاد الياباني. فهل ستنجح جهود الحكومة اليابانية في إنقاذ سفينة الاقتصاد الياباني من الغرق ومساعدتها علي الإبحار مرة أخري في ظل تراجع تنافسيتها العالمية مقارنة بالصين وتدهور أوضاع البطالة والصادرات والأسعار والأجور وتضخم الدين العام الذي يتوقع أن يتجاوز200 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل. هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة وسنحرص علي متابعة هذه المسألة التي سيمثل تحديا صعبا للحكومة اليابانيةالجديدة قبل الانتخابات العامة للتجديد النصفي لمجلس المستشارين في الصيف المقبل.