يبدو أن مهرجان أبو ظبي, والذي يختتم فعاليات دورته السادسة غدا الجمعة يسير بخطوات ثابتة نحو تأكيد مكانته بين المهرجانات العربية, خصوصا أن رهان القائمين عليه يعتمد بشكل أساسي علي التنوع والغني في الأفلام التي يعرضها ضمن فعالياته المختلفة, بدءا من المسابقة الرسمية ومروا بالوثائقية ومسابقة' آفاق', ومسابقة' الإمارات' وصولا إلي' سينما العالم',وهو البرنامج الذي ضم العديد من الإنتاجات العالمية المهمة, والتي عرضت في كبريات المهرجانات العالمية,وحصدت جوائز من' كان وفينسيا وبرلين', إضافة إلي الندوات والورش السينمائية والتي تضم خبرات مختلفة في جميع الأفرع الفنية,وهو ما يمثل تبادل خبرات ينعكس بكل تأكيد علي الأجيال السينمائية الشابة في المنطقة العربية.. والتي يتنافس مخرجوها أيضا مع المخرجين العالميين في مسابقات المهرجان المختلفة,ويبدو رسوخ المهرجان واضحا في زيادة حجم المشروعات السينمائية التي بات يدعمها حيث يدرك القائمون علي المهرجان أهمية دعم السينما العربية والتي تعاني من أزمات حقيقية في مجال الإنتاج, ودعم مهرجان أبو ظبي هذا العام أكثر من5 مشروعات سينمائية من دول مختلفة من خلال صندوق الدعم' سند', ومن هذه المشروعات' بعد الموقعة' ليسري نصرالله,' مانمتوش' للتونسي نوري بوزيد و'الخروج النهار' لهالة لطفي من مصر'ولما شفتك' للفلسطينية آن ماري جاسر. إدارة عربية رغم التحدي الكبير الذي كان أمام إدارة مهرجان أبو ظبي هذا العام إلا أن المسئولين عن إدارته استطاعوا مواجهته وأنجزوا المهرجان وبرمجته في وقت قياسي, خصوصا بعد انتقال إدارته في النصف الثاني من السنة من' هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث' اليTwofour54, وهي الخطوة التي كانت تهدف إلي ضم المهرجان لبقية مبادرات أبو ظبي الإعلامية والفعاليات الأخري ذات الصلة من أجل تعزيز موقع أبو ظبي كمركز إبداعي يدعم الإنتاج السينمائي في المنطقة,والأهم هو انتقال إدارة المهرجان الي الإماراتي علي الجابري حيث جاء خلفا للمدير الأمريكي السابق' بيتر سكارليت' والذي يعد واحدا من خبراء المهرجانات في العالم, حيث سبق وتولي إدارة مهرجان سان فرانسيسكو وترايبكا الدولي, وبعد نجاح هذه الدورة والذي بدا واضحا لمتابعي المهرجان يكون الجابري قد استطاع مواجه هذا التحدي, خصوصا أنه فنان مسرحي وشارك في العديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية ومنها فيلم الدائرة للمخرج الإماراتي, نواف الجناحي,كما تولي مسئولية مسابقة أفلام الإمارات. لذلك استعان بفريق عمل جيد استطاع جذب أهم الانتاجات السينمائية العربية والعالمية, كما أنه حرص علي الوجود طوال الوقت داخل أروقة المهرجان يتابع كل ما يحدث ويستمع إلي المشاركين في المهرجان سواء من السينمائيين أو الإعلاميين. جمهور.. متنوع لا يستطيع أحد أن ينكر, أن نجاح أي مهرجان مرهون ليس فقط بحجم الأفلام المعروضة وأهميتها, ولكن أيضا بمدي تفاعل الجمهور والمتابعين مع المهرجان, وإقبالهم علي ارتياد دور العرض,ومن خلال المشاهدات ومنذ الدورة الأولي كان حجم الإقبال الجماهيري قليلا, ولكن عاما بعد عام صار هناك تراكم حقيقي وهناك جمهور للمهرجان يحرص علي الوجود في دور العرض بمختلف الأوقات,كما أنه جمهور متنوع من جنسيات مختلفة والملحوظ حقا هو زيادة حجم الإقبال من الإماراتيين سواء الشباب أو العائلات,وهو ما يتسق حول زيادة عدد الشباب الدارسين للسينما والفنون في الإمارات وهذا ما تعكسه حجم المشاركات, في مسابقة أفلام الإمارات. أفلام متميزة تنوعت الأفلام المعروضة داخل مسابقات وأقسام المهرجان المختلفة, وتميزت الأفلام بالغني والتنوع, ومن هذه الأفلام الايطالي' الابن هو الفاعل' للمخرج' دانييل تشيري' يشارك في المسابقة الرسمية,وهو الفيلم الذي يحمل حسا كوميديا ساخرا يصل في لحظات إلي الكوميديا السوداء وهو ما يجعل من يشاهده يستدعي العبقري' فيلليني' مع خصوصية تميز مخرج العمل تتضح من خلال الصورة المميزة وحجم اللقطات,والفيلم تدور أحداثه في أحد الأحياء الإيطالية الفقيرة من خلال أسرة بسيطة تتعرف عليها وجيرانها من خلال قصص يرويها رجل بسيط لكل من يجلس بجواره, لنكتشف في النهاية إحدي الشخصيات التي كانت تدور حولها الحكاوي التي يرويها. وعرض أيضا داخل المسابقة الرسمية الفيلم الانجليزي' جينجر وروزا' للمخرجة سالي بوتر والتي تحمل وسام فارس لتميز انتاجاتها وحصولها علي العديد من الجوائز عن أفلامها ورشحت للأوسكار مرتين ومن أفلامها' درس التانجو'' وغضب'. وتتميز الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي الدولي أيضا بمجموعة من الأفلام الوثائقية ومنها' إنقاذ الوجه' والذي يعرض ضمن أفلام سينما العالم والذي يرصد ظاهرة تعرض النساء في باكستان للعنف عن طريق حرق وجوههن من قبل الأزواج أو الرجل بشكل عام عندما ترفضه المرأة أو ترفض أن تقيم علاقة فيقوم وبكل بساطة بتشويه وجهها بتواطؤ من المجتمع والأهل في بعض الأحيان, فيلم' إنقاذ الوجه' حاصل علي جائزة الأوسكار في مسابقة الأفلام الوثائقية. وداخل مسابقة الأفلام الوثائقية عرض الفيلم المصري المتميز حقا' البحث عن النفط والرمال'والفيلم واحد من الأفلام الحاصلة علي دعم من' صندوق سند', ويحمل اكتشافا لمواد أرشيفية نادرة تتعلق بعائلة الملك فاروق, حيث يربط الفيلم في ذكاء درامي وبصري بين حريق القاهرة في يناير1952 وقيام ثورة يوليو, وصولا إلي ثورة25 يناير2011,ويروي الأحداث ورحلة اكتشاف تلك اللقطات المصورة محمود ثابت-الذي يحمل كاريزما ويملأ الشاشة طوال حكاياه وتعليقاته. ويبدأ الفيلم بعد ما عرف بالسبت الأسود يوم حريق القاهرة والذي صادف وصول نجمة هوليوودية صاعدة تدعي' فرنسيس رامسدين' والدة محمود والتي اندمجت في حياة الطبقة الراقية وعلي وجه الخصوص مجموعة المزهرية نسبة الي قصر المزهرية والذي تحول الي كلية التربية- والتي كانت مكونة من عدد من الارستقراطيين والدبلوماسيين والذين كانوا يدورون في فلك الأميرة فايزة وذات مرة قرروا معا القيام بمغامرة سينمائية سموها' فيلم' النفط والرمال' وتدور أحداثها حول قائد تاريخي يحاول السيطرة علي مملكته بعد وقوع انقلاب عسكري, وكأن اللعبة أو الفيلم حمل النبوءة, حيث قامت ثورة52 وأطيح بالملك فاروق, وحرصت المجموعة التي صورت الفيلم علي حرقه رغم أن النسخة كانت جاهزة وصورت بالألوان حتي لا يتم استخدامها ضد من صوروها,وعثر محمود المؤرخ التاريخي علي مجموعة أشرطة8 ملليمترات تحمل المواد المصورة من الفيلم دون مونتاج, ومن خلال رحلتنا معه في الفيلم نكتشف العديد من الأماكن والشخصيات التي شاركت في الفيلم ومنهم الأميرة نيفين عباس حلمي وهي الوحيدة التي لا تزال علي قيد الحياة, حيث تعيش في الإسكندرية كما أنها مثلت بالفيلم..رغم أن البعض قد يختلف مع الفيلم سياسيا إلا أنه علي المستوي الفني فيلم شديد التميز. وحقيقة يضم مهرجان أبوظبي في دورته السادسة أفلاما شديدة التميز تحتاج الي إلقاء الضوء عليها.