كشفت نتيجة الانتخابات الإقليمية –المنصرمة- بفرنسا عن مدي الاستياء الشعبي من تردي الأوضاع الراهنة ،وتجلي ذلك بوضوح في تعبير الفرنسيون كلا بطريقته. فمنهم من قاطع الانتخابات نهائيا، وهي نسبة غير قليلة، ومنهم من صوت تصويت العقاب لليمين المتطرف، او للحزب المنافس علي حد سوي فبدون ادني شك ان هذه الصفعة القوية التي مني بها اليمين أثرت بشكل واضح علي المشهد السياسي الفرنسي ،وأصابت جدار الحزب الحاكم "الاتحاد من اجل حركة شعبية" بتصدع شديد ،بل أضعفت من موقف الرئيس ساركوزي لخوض انتخابات فترة رئاسية ثانية، حسب توقعات المراقبون . وهو ما يشير الي ان المعركة الانتخابية الرئاسية المقبلة قد تكون من اشد المعارك الانتخابية شراسة. وان سياسة ساركوزي التي خطط لها منذ ثلاث سنوات أثبتت فشلها،حيث اعتماده تغير خريطة اليمين ،واستقطاب كوادر يسارية ،ووسطية في التشكيل الحكومي ،بغية تحقيق التوازن بالحزب الحاكم وإضعاف الأحزاب المنافسة ،الا ان هذه السياسية أذابت القوي الديجولية بالحزب ،وهو الدافع ذاته الذي حفزهم للوقوف وراء رئيس الوزراء السابق دومنيك دوفلبان . كما ان عودة الرئيس نيكولا ساركوزي للسياسية التقليدية بعد هزيمة الانتخابات لم تأتي بأكلها أيضا ، حيث تجميده لسياسية الانفتاح علي اليسار الاشتراكي ،في محاولة لرأب الصدع الكائن بداخل الحزب ومصالحة المستبعدين فيه من انصار شيراك ودوفيلبان،بتعين النائب جورج ترون لحقيبة الوظيفة العامة ، وهو من اشد المقربين لدومنيك دوفيلبان.و قيامه بتعين فرنسوا باروان لحقيبة المال،ليستغني في المقابل عن احد اركان فريقه ،وزير العمل اكزافييه داركوس . والواضح ان هذه الهزيمة الحادة في انتخابات المحليات فتحت المجال امام المنافسين للرئيس نيكولا ساركوزي للتمهيد لخوض الانتخابات الرئاسية المقرر لها منتصف 2010-علي وجه التقريب-. فمن ناحيته رئيس الوزراء السابق دومنيك دوفيلبان اعلن عن مولد حزب جديد في يونيه المقبل – خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخرا-، هذا الحزب تكون دعائمه من نخبة اليمين لحزب الأغلبية ،وبصفة خاصة من الديجوليين الذين يشعرون بضياع هويتهم اثر سياسة الانفتاح المتبعة من قبل الرئيس نيكولا ساركوزي منذ ثلاث سنوات . والمراقب للساحة السياسية بفرنسا يعلم تماما ان هزيمة اليمين جاءت لتفسح المجال لدوفيلبان ليثأر من ساركوزي،الذي تسبب في حرمانه من خوض الانتخابات الرئاسية الماضية ،وزج به في مغبة قضية التهم المعروفة بكليراستريم او وترجيت الفرنسية.
لذلك يري المراقبون ان ساكن الاليزيه المحتمل والأوفر حظا لفترة رئاسية مقبلة قد يكون دومنيك دوفيلبان بكونه المستفيد الاول من شرذمة اليمين الحاكم ، وانقسام اليسار ،ونقمة الفرنسيين علي السياسية الراهنة في ظل عجز الحكومة عن الإصلاح . فكلها اسباب جعلت الفرنسيون يتشوقون لعودة الشراكيين- من أتباع الرئيس جاك شيراك-. كما ان نتيجة استطلاعات الراي المتكررة والتي تشير الي تفوق فرنسوا فيون رئيس الوزراء علي الرئيس نيكولا ساركوزي فتحت شهية البعض بداخل الحزب الحاكم لتحفيز فيون علي خوض الانتخابات الرئاسية ضد رئيسه ساركوزي .ليواجه الرئيس منافس محتمل من اتباعه فضلا عن منافسة الاشتراكين ايا كانت بترشيح زعيمة الحزب المنتشية بفوز حزبها في الانتخابات الاقليمية "مارتين اوبري" ،او المرشحة الرئاسية –السابقة- "سيجولن روايال "،وهي ايضا نالت فوز ساحق في اقليم بوتوشارنت ،او بعودة رئيس بنك النقد الدولي الاشتراكي" دومنيك استروس خان"وهو الافر حظا لدي الفرنسيين . وربما تأتي أخر استطلاع للرأي لتزيد التأكيد علي توقعات المراقبين ،فمعهد الاستطلاع (سي اس آن) اكد علي ان الفرنسيين لا يصوتون مرة اخري للرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، وقد تكون فرصة فوزه بحقبة رئاسية ثانية ضئيلة جدا ،حال ما نافسه في الانتخابات المقبلة مدير صندوق النقد الدولي –الاشتراكي- دومنيك اشتروس خان، ليؤكدون علي هزيمة ساركوزي بحصول اشتروس كان علي 51% في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية مقابل حصول ساركوزي علي 46% ذلك لو تمت في نفس الظروف.
كما قدم معهد (سي اس آن) مؤخرا خمسة افتراضات للسيناريو المحتمل في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة المقرر لها 2012 . فقد يكتب الفوز لساركوزي لو كان خصمه علي الرئاسة زعيم حزب الوسط فرنسوا بايرو الذي لا يحصل سوي علي 49% -وان كانت افتراضية وصول بايرو للجولة الثانية ضئيلة للغاية-. كما افترض المعهد حسب الاستطلاع الذي اجري مؤخرا علي شريحة عريضة من الفرنسيين ان زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين اوبري ستحصل علي 47% فقط ،اما المرشحة السابقة سيجولن روايال فقد توقع لها الفرنسيين 45% لتهزم للمرة الثانية لو تقدمت لمنافسة ساركوزي علي مقعد الاليزيه. ويزيد البله طين فيما يخص مستقل الرئيس الحالي سياسيا ما جاء به معهد ايفوب للاستطلاع ومفاده ان نيكولا ساركوزي يواجه ادني تراجع في شعبيته منذ وصوله للاليزيه في مايو 2007 .حيث عبر 63% من المستطلعين عن استيائهم من اداء الرئيس وحكومته. هكذا وفي ظل كل التوقعات سالفة الذكر ربما يمكننا التنظير بان دومنيك دوفلبان رئيس الوزراء السابق ، او فرنسوا فيون رئيس الوزراء الحالي رؤساء فرنسا الأوفر حظا للحقبة الرئاسية المقبلة ،ذلك حال ما انتصر حزب الأغلبية اليمين الحاكم . وقد يكون دومنيك استروس خان حال ما قرر الفرنسيين العودة لحقبة الاشتراكيين.