في عام2000 علق الرئيس الأمريكي الاسبق بيل كلينتون ساخرا علي محاولة الحكومة الصينية فرض رقابة شديدة علي الإنترنت قائلا ما تفكر فيه الحكومة الصينية كمن يحاول تثبيت قطعة من الجيلي بمسمارين علي حائط! لكن يبدو أن الحكومة الصينية قد نجحت في ذلك ولو لبعض الوقت الذي قامت شركة جوجل بتدشين نسخة من محركها للبحث علي الإنترنت باللغة الصينية, وفي2004 بدأت خدمة أخبار جوجل باللغة الصينية. ومع الزيادات الكبيرة والمطردة في عدد مستخدمي الموقعين بدأت الحكومة الصينية تعترض علي بعض نتائج البحث وبعض الأخبار. فالحكومة الصينية لم تكن ترغب في تمكين مستخدمي الموقعين من البحث عن أي عبارات تتعلق باستقلال إقليم التبت, ولا ظهور صور لمظاهرات ميدان تيانانمين. في البداية, رفضت جوجل أن تتورط في أي نوع من الرقابة علي النتائج, وردت الحكومة الصينية بمنع نتائج بعض عمليات البحث المزعجة من الظهور لمستخدمي الموقعين في الصين. وكان تحليل جوجل لهذه الأزمة بأنه اختيار بين أمرين: أن تحرم المستخدم الصيني من بعض عمليات البحث السياسية أو تحرمه من كل عمليات البحث. واختارت جوجل أن تلتزم بالقوانين الصينية وأن تحجب نتائج البحث التي تغضب الحكومة الصينية, ثم قامت في2006 بتفصيل محرك بحث عمولة للمستخدمين داخل الصين يراعي الحساسيات السياسية للإدارة الصينية. فمن يستخدم محرك جوجل خارج الصين للبحث عن صورة لميدان تيانانمين تظهر له الصورة المشهورة لشاب يقف أمام دبابة, أما من يستخدم جوجل الصيني للبحث عن نفس الصورة فتظهر له صورة لسياح تعلو وجوههم ابتسامة عريضة! وكان تبرير جوجل لهذه النتائج أن شيئا أفضل من لاشئ وأن نتائج البحث من محرك مشوه أفضل بكثير من البديل, وأن الشركة تحترم القوانين الصينية كما احترمت من قبل القوانين الألمانية بفلترة المحتوي النازي من نتائج بحث محركها في ألمانيا, وأن الشركة لم تفعل ما فعلته ياهو عندما زودت الحكومة الصينية برسائل تبادلها صحفيون صينيون مناهضون للحكومة عبر بريدهم الإلكتروني مما تسبب في اعتقال إثنين منهم وحبسهم لفترات طويلة! وفي مارس2010 أعلنت جوجل أنها سوف تتوقف عن فرض أي نوع من الرقابة علي محركها الصيني وأنها لن تقوم بفلترة نتائج البحث التي تغضب الحكومة الصينية وأنها سوف ترصد أي محاولات من جانب الحكومة لفرض رقابتها علي الموقع وتعلنها للجميع. , فهرسة العالم قال بروستر كال مؤسس أرشيف الإنترنت: مكتبة الإسكندرية هي أول محاولة قامت بها الإنسانية لتجميع المعرفة البشرية في مكان واحد وفي وقت واحد, وآخر هذه المحاولات: جوجل.منذ بداية نشأتها وجوجل تكرر أن هدفها هو تنظيم كل المعلومات في العالم واتاحتها للجميع, وأن لكل إنسان الحق في المعرفة والوصول إلي كل ما يحتاجه من معلومات. لكن قبل أن تصل هذه المعرفة وهذه المعلومات إلي المستخدم يلزم أولا أن تصل إليها جوجل لفهرستها وتحويلها إلي صورة رقمية يمكن البحث فيها. وحسب آخر إحصاء يحتوي فهرس جوجل علي تريليون1 وبعدها12 صفرا صفحة وملف بين نص وصورة وفيديو علي شبكة الإنترنت. وفهرسة الإنترنت كان ولا يزال جزءا من هدفها الطموح بفهرسة كل شئ ليس في العالم الافتراضي فقط- به معلومة ويمكن تحويله إلي صوره رقمية حتي يصبح جاهزا لعمليات البحث: خرائط الدول وعناوين البيوت والشوارع وأرقام التليفونات والكتب والمجلات علي أرفف المكتبات والمكالمات علي التليفون المحمول والبرامج التليفزيونية والأفلام.. كل شئ!! بدأت جوجل في رقمنة الكتب عام.2002 وفي معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عام2004 أعلنت جوجل عن بداية مشروعها الطموح الذي يهدف إلي تحويل15 مليون كتاب من نسختها الورقية إلي نسخة رقمية يمكن البحث فيها, بالاتفاق مع جامعات ميشيجان وهارفارد وستانفورد وأكسفورد للقيام بعمليات المسح الضوئي لكل الكتب والدوريات العلمية والمخطوطات القديمة الموجودة في مكتباتها. ثم انضمت للمشروع بعد ذلك10 جامعات في أمريكا وخارجها. وفي2010 أعلنت جوجل أنها تنوي رقمنة كل الكتب في العالم, أي ما يقرب من130 مليون كتاب, بها مايزيد علي4 مليار صفحة و تريليونان من الكلمات. لكن شهوة الفهرسة التي سيطرت علي جوجل أوقعتها في نزاعات قانونية مع اتحادات المؤلفين ودور النشر في أمريكا وأوروبا. ففي2005 عام واجهت جوجل أول قضيتين بانتهاك حقوق الملكية الفكرية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وقيامها بفهرسة كتب واتاحتها للبحث دون إذن مسبق من الناشرين والمؤلفين, الأولي من اتحاد المؤلفين والثانية من اتحاد الناشرين. وتم في2008 تسوية القضيتين علي أن تقوم جوجل بدفع125 مليون دولارا تعويضات للمؤلفين والناشرين. لكن هذه التسوية لم ترض الجمعية الأمريكية للصحفيين والمؤلفين وبعض دور النشر الأوروبية التي لم تدخل ضمن التسوية, وقامت هي الأخري باللجوء إلي المحاكم للمطالبة بحقوقها من جوجل. وقال سيرجي أحد مؤسسي جوجل مدافعا عن مشروع فهرسة الكتب: مكتبة الإسكندرية احترقت ثلاث مرات, مكتبة الكونجرس, أتمني ألا يحدث ذلك ثانية, لكن التاريخ يقول غير ذلك. ولم يقنع دفاعه هذا أحدا من الأطراف المتنازعة. ولم يسلم المشروع من اتهامات بعض المفكرين والسياسيين الأوروبيين لجوجل بالإمبريالية اللغوية, وقد لخص جون نويل جيانيني الرئيس السابق للمكتبة الوطنية الفرنسية هذه الاتهامات قائلا إن غالبية الكتب التي سوف تقوم جوجل بفهرستها مكتوبة باللغة الإنجليزية, وأن هذا سوف يظلم لغات مثل الألمانية والروسية والفرنسية, وهي لغات يستخدمها عدد كبير من الباحثين في انتاجهم العلمي والمعرفي, وأن التركيز علي اللغة الإنجليزية سوف يؤثر علي التأريخ للانتاج العلمي والمعرفي, وأيضا علي مسارات هذا الانتاج واتجاهات نموه وتطوره في المستقبل. وفي عام2005 قامت جوجل بشراء نظام التشغيل أندرويد لتسهيل عمليات البحث باستخدام محركها علي التليفونات المحمولة. وحسب آخر إحصاء هناك5.6 مليارمستخدم للتليفون المحمول في العالم, هم بمثابة مصادر متحركة للمعلومات. وفي عام2008 أطلقت جوجل قمرها الصناعي جيو-آي-1 ومعها خدمات جوجل إيرث و جوجل مابس. ويستطيع هذا القمر بث صور لأي منطقة في العالم بدقة لا تتفوق علي جوجل فيها غير الحكومة الأمريكية. وبدأت بعض الدول منها إسرائيل- تشكو من أن جوجل تبث صورا مفصلة لبعض الأماكن بها بما يهدد أمنها القومي. تعريف جوجل للمعرفة تعريف رياضي بحت يعتمد في المقام الأول علي ما يمكن قياسه, وهو تعريف يميل بطبيعته إلي إبراز دور حكمة الجماهير في تحديد المهم والأفضل, فما تختاره الجماهير ينمو وينتشر علي الإنترنت, وما لاتختاره يضمر ويختفي. فقد يري محرك بحث جوجل أن موقعا يمتلكه غير متخصص أكثر ارتباطا بكلمات البحث عن موقع آخر يمتلكه خبير أو متخصص, لا لشئ سوي أن معادلة جوجل الرياضية لحساب الارتباط قالت ذلك.. قد يكون الموقع تافها وسطحيا من وجهة نظر البعض, ولكن هذا لايهم إن كان رأي الأغلبية في الموقع عكس ذلك. وأهمية الموقع بالنسبة لجوجل تأتي من عدد المواقع الأخري التي بها رابط لهذا الموقع, والمحتوي الذي يتم تحديثه بصورة دورية ومنتظمة أهم من المحتوي الثابت, وقد لخص الكاتب الأمريكي نيكولاس كار مؤلف كتاب التسطيح ماذا فعل الانترنت بعقولنا وهو أحد أهم الكتب عن تأثير الإنترنت علي العقل البشري والثقافة الإنسانية الموقف النخبوي من طريقة جوجل والإنترنت عامة- بأنها قد تجعلنا أكثر غباء وتشتتا وأقل صبرا وتركيزا وأنها تؤثر سلبا علي جودة المعرفة لأنهم يريدوننا كالفراش نطير من موقع إلي آخر ولا نستقر في مكان, حتي نولد الأرقام التي تجعل معادلاتهم أكثر دقة لأن ذلك يساعد جوجل وأخواتها في تحقيق المزيد من الأرباح, المعرفة والمعلومات بالنسبة لجوجل سلعة قابلة للبيع والشراء, ومثل أي منتج لابد أن تمر بمراحل للانتاج والتعليب والتسعير والتسويق, وبالنسبة لجوجل اللغة هي وعاء المعلومات والمعرفة, وعمليات البحث هي في المقام الأول بحث بكلمات في كلمات عن كلمات. وبالنسبة لجوجل لكل كلمة سعر وقيمة إعلانية. سألوا رجل أعمال أمريكي: هل نجحت جوجل كشركة؟ فكان رده: طبعا, لقد أقنعنتنا بشراء الكلام.