جاءت مبادرة عدد من المفكرين الأقباط,ومطالبتهم الأزهر الشريف والكنيسة القبطية بإصدار وثيقة المواطنة وقدسية الأديان لتفتح بارقة أمل نحو مواجهة محاولات الإساءات المتكررة للأديان, وتحمي النسيج الوطني الذي عرفته مصر طوال14 قرنا من الزمان من المحاولات الخارجية لإثارة الفتنة. وجاءت مبادرة المفكر القبطي سمير مرقص مساعد رئيس الجمهورية ووفد المفكرين الأقباط الذي رافقه في زيارة شيخ الأزهر الأسبوع الماضي, لتعلي من قيم التعاون والتماسك بين أبناء الدين الإسلامي والمسيحي, ولتفرض المزيد من التساؤلات حول أهم بنود الوثيقة وما يجب أن تتضمنه من مبادئ وتوصيات تمنع المساس بالأديان وتحدد تلك الفروق الجوهرية بين حرية التعبير وحرمة المساس بالأديان, وتؤكد قيم التسامح والتعايش التي عرفتها مصر منذ فجر التاريخ. يقول الدكتور محمود العزب مستشار شيخ الأزهر للحوار والمتحدث باسم مبادرة بيت العائلة المصرية: في ظل تغيرات المشهد السياسي في دول الربيع العربي وفي مقدمتها مصر, وما رافقها من حالة انفلات إعلامي في الداخل والخارج, جاءت مبادرة المفكرين وعلماء الدين الإسلامي والمسيحي باعداد وثيقة حول المواطنة ومنع المساس بالأديان السماوية تحت رعاية مشيخة الأزهر والكنيسة القبطية, كمطلب شعبي, ولتؤكد علي قيم التعايش والوئام في مصر التي دخلها الإسلام منذ14 قرنا. ويضيف أنه تكاتفت عدة عوامل أهمها ما أصاب السياسة والثقافة والتعليم والإعلام من ضعف وتهافت, وهجوم قيم مختلفة من الشرق والغرب, علي رأسها ثورة المعلوماتية التي أدخلت أشياء كثيرة كما أدخلت كثيرا من الخلل والأمراض, وكان مما أصاب مصر من السيئات ذلك الشرخ الذي حاول الكثيرون خارج مصر وبعض الضعفاء داخله إحداثه في نسيج الوطن بإذكاء نار الفتنة وتأجيج الطائفية ونشر حالة الاحتقان بين عنصري الأمة, والذي كان النظام السابق يغذيه, بإلباس بعض الأزمات السياسية والاجتماعية قناع الدين, حتي أوشك الوطن أن يختفي, ولكن وعي مصر كالجذوة تحت الرماد لا تنطفيء, واستطاع بعد ثورة يناير أن يستعيد بقوة دوائره الثلاث: الوطنية المصرية, ثم العربية الإسلامية, ثم العالمية, ومن هنا ومن خلال مشروعه في بيت العائلة المصرية استطاع الأزهر بسرعة أن يكسب ثقة الشارع المصري كله وفي مقدمته الكنائس الكبري والمسيحيون جميعا أولئك المثقفون الذين ساهموا في هذا الحوار بقوة ودعوا إلي تبني الأزهر وثيقة المواطنة, والمواطنة بالمعني البسيط الذي يفهمه رجل الشارع هي أن يكون جميع أفراد الشعب المصري بصرف النظر عن الجنس أو اللون أوالدين أو المذهب أو المستوي الثقافي أو الفكري مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات, دون أدني تفرقة لأي سبب من الأسباب, وخرجنا من هذا اللقاء الذي ضم وفدا من رموز المثقفين الأقباط وعلي رأسهم سمير مرقص مساعد رئيس الجمهورية, وليلي تكلا, ومارجريت عازر, وجورج إسحاق, بالاتفاق علي أن هدف وثيقة الأزهر الأول استعادة مصر القوية المتنوعة المؤمنة إيمانا خالصا والتي تهدف إلي تقدم شعبها وإلي تدعيم روح الحوار كقيمة بعد أن كان بعض الخلل قد أصابها في الفترة الماضية, وتجريم وتحريم المساس بالأديان, وهي مطالب باتت ضرورة وطنية في الوقت الراهن. بنود الوثيقة ويري الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية إن قيمة هذا العمل المشترك بين الأزهر والكنيسة تتجلي في أن هذا التعبير عن الموقف يظهر للعالم كله أن المصريين يرفضون محاولات الوقيعة وإشعال الفتنة التي تحرص عليها الدوائر الصهيونية والمتطرفون من الغرب الذين يراهنون علي إشعال هذه الفتنة ويتربصون بالمصريين جميعا حتي يصلوا إلي مقصدهم في تقسيم مصر وتفتيت لحمة هذا الشعب وإثارة النعرات الطائفية وفكر الإنقسام والتشتت بين أبناء أمة كانت وستظل إن شاء الله نموذجا صحيحا علي تعايش أتباع الأديان السماوية, ويضيف إن هذه الوثيقة لا يقصد من ورائها تحقيق أهداف سياسية وإنما تعبير واضح عن موقف الإسلام من المسيحية, وموقف المسيحية من الإسلام, ويطالب الجندي بأن تتضمن بنود الوثيقة ما يؤكد أن المسلمين والمسيحيين واليهود هم أتباع الدين الإبراهيمي وأنها تنبع من مشكاة واحدة تقوم علي توحيد الله والإيمان بالمقدسات واحترام المخالف, كما يجب أن تحتوي الوثيقة علي ضرورة المساواة في المواطنة بين أتباع الدين الإسلامي والمسيحي في دولة الإسلام, وأيضا تأكيد رفض أتباع الأديان السماوية الثلاثة علي التطاول علي أي من رموزهم أو مقدساتهم, كما يجب أن يصدر تشريع دولي تحت مظلة المنظمة الدولية علي أن أتباع الديانات السماوية يعيشون في سلام لذلك وأنهم يؤيدون بشدة تجريم ومعاقبة إزدراء الأديان, وتقديم المسيء إلي الأديان السماوية الثلاثة إلي المحكمة الجنائية الدولية أسوة بمجرمي الحرب في الوقت الحاضر, وأن يتم معاملة المسيء للأديان معاملة من يعادي السامية أو من ينكر المحرقة ضد اليهود. تأييد قبطي الوثيقة التي تقدم بها سمير مرقص, مساعد رئيس الجمهورية لشئون لتحول الديمقراطي ورموز المفكرين الأقباط خلال لقائهم مع شيخ الأزهر, يجب ان تتضمن مبدأ منع إزدراء الأديان, وخاصة بعد اندلاع ردود الفعل بالعمل المشين والمساس بالرسول صلي الله عليه وسلم, علي أن تسير تلك الخطوات جنبا إلي جنب مع مطالبة الأممالمتحدة بإصدار قرار بتجريم إزدراء الأديان والاعتداء عليها وعلي رموزها ومقدساتها وأنبيائها, ومتابعة خطوات تنفيذه, فمنع ازدراء الأديان وتجريمه لابد أن ينسحب أولا علي مصر ليسود الاحترام المتبادل والمتكامل بين المسيحيين والمسلمين وتعميق روح المواطنة والتي عرفت بها مصر علي مر القرون. تغيير ثقافة المجتمع أما مارجريت عازر سكرتير عام مساعد حزب الوفد والأمين العام المساعد للمجلس القومي للمرأة, فقد اقترحت خلال لقائها مع شيخ الأزهر, أن يتولي بيت العائلة المصرية تغيير ثقافة المجتمع لحل مشاكل الاحتقان الطائفي, وتغيير الخطاب الديني المسيحي والإسلامي ليواجه مستجدات العصر, كما أكدت علي اهمية وجود مادة في الدستور تعاقب علي إزدراء الأديان والتمييز بكافة أشكاله. وقالت عازر ان الديانة المسيحية تتعرض أيضا لكثير من الإهانات والتهم في الأفلام والمسلسلات التي تسيء إلي السيد المسيح وإلي العقيدة المسيحية وبعضها تبثه الفضائيات في المنطقة وتمر دون شكوي أو اعتذار. من هنا يجب علينا جميعا التصدي لهذه التجربة وسد منابع التوتر التي تؤدي إليها, وكذلك لا يجوز التهاون مع من يروجون لمقولات بأن هذا سوف يصبح عائقا لحرية التعبير فالفرق كبير بين التعبير والتحقير وبين الابداع والابتذال. منع التوتر الطائفي وتري أن الوثيقة المقترحة من شأنها منع التوتر الطائفي الذي لا يمكن إنكاره ولا أري أي فائدة في مجرد الشجب بالصراخ والمظاهرات والتخريب إنما اتخاذ المسار القانوني المتاح للعقاب والردع ومصر بها قانون يجرم إزدراء الأديان لكنه لا يطبق وهناك عدد من القرارات التي أصدرتها الأممالمتحدة ومجلس حقوق الإنسان حول هذه القضية منذ عام1999 فالمطلوب ليس إصدار قرار جديد كما يطالب البعض إنما مطلوب من وفد مصر تجميعها وتفعيلها لتكون ملزمة,صحيح أن هناك مؤشرات كثيرة تؤيد وجود مؤامرة لإحداث الفرقة وتقسيم المنطقة لإضعافها لكن المؤامرة لا تنجح إلا إذا سمحنا نحن لها بذلك. وتؤكد الدكتورة ليلا تكلا, أستاذ القانون ورئيسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب سابقا, أن جريمة إزدراء المعتقدات الدينية وإهانتها زادت انتشارا بسبب المادية والأنانية وحب السلطة والتسلط والبعد عن التدين التي أصبحت من سمات العصر. كما زادها انتشارا مقولات حتمية الصراع بين الأديان إلي جانب الخلط بين الدين والسياسة. والذي يسئ الي جميع الأديان بلا استثناء, وكان آخرها الفيلم المسيء. ولأن الأزهر الشريف منارة مضيئة تنشر صحيح الإسلام في العالم وله دور وطني كبير في تحقيق الاحترام بين جميع الأديان من أجل السلام والتعايش, كان طبيعيا أن يلجأ المصريون والأقباط كجزء من المجتمع المصري إليه لاستصدار وثيقة تؤكد رفض المصريين جميعا إهانة الإسلام وتدعو إلي عدم أخذ البرئ بذنب المخطيء أو تعميم الأحكام علي أقباط المهجر الذين أثبتوا وطنية صادقة ويساهمون في برامج التنمية ويرتبطون بالوطن الأم دائما.