كانت ندوة عالم نجيب محفوظ هي الأولي في احتفالية المجلس الأعلي للثقافة بمناسبة ذكري وداعه السادسة. ورغم قلة عدد الحاضرين فإن دخولا عميقا إلي عالم محفوظ قد تحقق. بدأه د. حسين حمودة الشاعر والناقد المعروف والذي أدار الندوة- بتقديم أشار فيه إلي تعدد اكتشافات كاتبنا للمجتمع المصري وتعدد طرق الكتابة, أو صياغة هذه الاكتشافات, حتي أن من يقرأ أعماله الأولي لا يعتقد انه نفسه كاتب أعماله القصيرة الأخيرة التي تشبه مفتاحا للعالم. أما الأديب الكبير بهاء طاهر فقد أبدع هو الآخر حينما توقف عند التسع والخمسين قصة قصيرة التي كتبها محفوظ أخيرا والتي مرت مرور الكرام, وتعجب من أنه إذا كانت أعمال لمحفوظ لا تجد صدي فماذا عن بقية الكتاب؟ وقال انه في أعمال محفوظ الأخيرة تستطيع أن تشم رائحة القاهرة العتيقة بكل مفرادتها: رائحة المسك والعنبر والعطارة والنعناع والياسمين والتمر حنة, والبيوت والأسبلة والزوايا ومسقي الدواب ودور الأثرياء. وهناك حضور للمهلبية والعسل الأسود والطحينة والدوم والكنافة والبقلاوة وبراغيث الست. وفوق سطح البيت سماء في الافق تبرز فيها مئذنة مسجد الحسين ومعجزة الحياة في الدواجن الوليدة التي تولد وتكبر فوق السطح. وخروف العيد وأغاني عبد الحي و سيد درويش والبنا وسينما الكلوب الحسيني مع خفة شارلي شابلن. وبدأت المترجمة دينا كلمتها بتساؤل خاص: هل محفوظ هو بلزاك مصر ؟ حيث يبدو أن بعض المشتغلين بحرفة الأدب والصحافة قد استخدموا هذا الوصف عند تقديمهم للكاتب القادم من بلاد الفراعنة بعد فوزه بنوبل عام. 1988 واستعرضت تجربة نقاد أمثال ريشار جاكمون, الذي يري أن هناك مواجهة في أعمال محفوظ بين الفصيلين المتدين والعلماني علي القيادة الروحية للمجتمع, وعرجت علي ما ذكرته ال نيويورك تايمز علي لسان مسئولة القسم الأدبي بها ان خصوصية لغة محفوظ تشبه إلي حد كبير خصوصية شكسبير, ولهذا فهي عصية علي الترجمة, وأشارت إلي ما يراه احد النقاد السويديين ان أعمال محفوظ تحمل عدة مستويات وتحتمل العديد من التأويلات, فهي تصور المجتمع المصري و في نفس الوقت تفجر أسئلة وجودية وفلسفية. أما روجر آلن أستاذ الأدب العربي الحديث في إحدي الجامعات الأمريكية فيري انه يمكن النظر إلي الثلاثية علي أنها حجر الرحي في نتاج محفوظ وبها اهتمام مدهش بالتفاصيل.أما روايته ثرثرة فوق النيل فيعتبرها أهم ما كتب في الستينيات لأن البعد المكاني محدود والتركيز علي الشخصيات. ويري ان محفوظ لم يكن بلزاك, فقد كان متجذرا في الموروث العربي, وأسلوب السرد والحكي في بعض أعماله ينحدر من ألف ليلة وليلة. وتحدثت د. هدي وصفي عن تجربتها عضوا في جائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأمريكية. و هي تري ان الرواية عند البعض قد تحولت إلي ما يشبه التدوين الإخباري, في حين أن محفوظ يهتم بالتاريخ والمجتمع دون أن ينقطع اهتمامه بما وراء التاريخ. فهو يمزج بين مكوني العالم الحقيقي والمتخيل جاعلا من نفسه الملتقي لهذين التيارين. وقد مرت كتاباته بمراحل عدة,حتي انه في عمله حكاية بلا بداية أو نهاية ينقلب علي مركزية المركز. وفي أعماله الأخيرة كان قد وصل إلي مرحلة من يعيد التفكير في مشواره الإبداعي ويختزله في مجموعة من الحكم والأمثولات تمنحه مزيدا من التنوع.