«مارتى بارتي» كان الاسم الذى اشتُهرت به تلك الفتاة التى عملت سكرتيرة فى السفارة الأمريكية فى موسكو فى منتصف السبعينيات. فتاة جميلة وصغيرة، موظفة تؤدى مهام كتابية بسيطة ولاتثير الريبة على الإطلاق. تحب اللهو والسهر وتنتشر فى الحفلات العديدة التى تشهدها الأوساط الدبلوماسية فى موسكو، عاصمة الاتحاد السوفيتى آنذاك. تحت هذا الغطاء عملت «مارتي» عميلة المخابرات الأمريكية، وتركزت مهمتها فى الاتصال بواحد من أهم الجواسيس الروس الذين كان يتم تجنيدهم عادة خارج البلاد، حيث من شبه المستحيل تجنيد عملاء فى الداخل، تحت عيون أجهزة الأمن التى لاتغفل. كان هذا الجاسوس صيدا ثمينا لأنه كان موظفا فى وزارة الخارجية، وكانت مهمته متابعة البرقيات الصادرة والواردة بين وزارة الخارجية السوفيتية وسفاراتها فى العواصم المختلفة.وبحسب التعليمات، فإن «مارتي» لم تلتقِ شخصيا بهذا العميل رغم أنها كانت على اتصال دائم به، كما أن هذا العميل لم يكن ليتعرف عليها إذا قابلها فى أى مكان. فقد كانت تترك له الرسائل فى ساعة متأخرة من الليل فى أماكن عامة متفق عليها، وكان يسلمها الرسائل بالطريقة نفسها. وتلخصت مهمتها فى تسليم هذه الرسائل دون الاطلاع على ما تحويه من معلومات سرية كانت من الأهمية بحيث انتهى المطاف بمعظمها فوق مكتب الرئيس الأمريكى شخصيا. «مارتى بيترسون» واحدة من الشخصيات التى وردت فى كتاب «قواعد موسكو» من تأليف الزوجين جونا وتونى مينديز. وقد عملا فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وتركزت معظم أنشطتهما مع العملاء داخل الاتحاد السوفيتي. أما «مارتي» بطلة الواقعة السابقة فقد انكشف أمر العميل السوفيتى الذى كانت تتعامل معه وانتحر بعد أن اعترف بكل شيء عن هذه العملية، ثم قامت السلطات السوفيتية بترحيلها. وكما سعت واشنطن ولاتزال لتجنيد العملاء فى موسكو وغيرها من العواصم العالمية، فإن العاصمة الأمريكية نفسها مقصدا مهما للجواسيس من مختلف أنحاء العالم. وبحسب مصادر متحف الجواسيس الأمريكي، الذى يعد بمنزلة خزانة أسرار المخابرات الأمريكية التى يُسمح للجمهور بالاطلاع عليها، فإنه فى كل يوم يفد إلى واشنطن ويجوب شوارعها ويلتقط الصور فيها ويجمع المعلومات منها ما لايقل عن عشرة آلاف جاسوس. وفى تصريح له لإذاعة دبليو تى أوه بي، يقول برايان دوجان، الوكيل الخاص المساعد المسئول عن عمليات مكتب المباحث الفيدرالية فى واشنطن، «إن هذا الكم المهول من عملاء المخابرات الأجنبية غير مسبوق، ويأتى كثيرون منهم من الصين ويركزون غالبا على النواحى الاقتصادية». من واقع خبرته يقول إن الجواسيس الذين يجوبون شوارع واشنطن أناس عاديون لايثيرون الشبهات، طلبة أو أساتذة جامعيون يأتون بغرض الدراسة والعمل أو رجال أعمال وسياح. تدفق الأجانب عبر الحدود بصورة لم يسبق لها مثيل يجعل من الصعب كشف الجواسيس أو تتبع أنشطتهم. تُسهل وسائل الاتصال الإلكترونى عمليات التجسس بما يمثل تحديا لأجهزة الأمن الداخلية.