الانحياز الأمريكى لإسرائيل من بديهيات السياسة الخارجية فى الولاياتالمتحدة ولكن الأمر مع الرئيس الأمريكى الحالى أخذ منحى آخر، حيث أصبح يبدو وكأنه دعم لشخص رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو ، فغير الإجراءات العنيفة التى سلكها ترامب ضد الفلسطينيين التى طالت الثوابت التى لم يقترب منها أسلافه مثل باراك أوباما وجورج دبليو بوش، ينحاز ترامب إلى نيتانياهو داخل إسرائيل حيث دعمه فى الانتخابات السابقة التى جرت فى ابريل الماضى كما سانده فى محاولاته الفاشلة لتشكيل ائتلاف حكومى. والآن يكرر ترامب أخطاءه حيث يشار إلى أنه يسعى لدعم نيتانياهو فى الانتخابات المزمع إجراؤها فى 17 سبتمبر المقبل، وأعربت الصحف والمواقع الإسرائيلية عن شكوكها حول ما يفعله الرئيس ترامب واتهمته بأنه يدعم شخص نيتانياهو اكثر مما يدعم إسرائيل حتى وان كان هذا الدعم يصب فى مصلحة الدولة العبرية، مما دفع الصحافة الأمريكية للرد والتعقيب والتفنيد، ولم تستبعد العلاقة الشخصية. ونشرت صحيفة «لوس أنجلوس» تايمز الأمريكية مقالا تحت عنوان «تقارب ترامب مع نيتانياهو فى اختبار جديد مع الانتخابات الإسرائيلية المقبلة» للباحث آرون ديفيد ميلر، وهو زميل بارز فى مركز «وودرو ويلسون»، ومستشار ومفاوض سابق فى الشرق الأوسط بوزارة الخارجية فى عهد عدة إدارات جمهورية وديمقراطية، قال فيه إن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاوزت الكل لمساعدة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو على الفوز فى الانتخابات الإسرائيلية السابقة فى شهر أبريل الماضى كما حاولت دعمه فى محاولاته الفاشلة لتشكيل ائتلاف حكومى، ومع تحديد موعد الانتخابات المقرر إجراؤها فى 17 من شهر سبتمبر المقبل، يرى الكاتب انه «يمكن أن نتوقع من إدارة ترامب بذل المزيد من الجهود لمساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلى لافتا إلى انه فى الحقيقة، بالنسبة للرئيس ترامب، لا يبدو نجاح أى سياسى آخر أكثر أهمية من نجاح نيتانياهو ، فالرئيس ترامب لا يدعم نيتانياهو لأسباب عاطفية او شخصية كما ادعت الصحافة العبرية، بل ان مساعدة نيتانياهو تعنى من وجهة نظر ترامب استقطاب تأييد أنصار إسرائيل فى الولاياتالمتحدة، واستمرار الضغط على إيران، والحفاظ على حلمه الخيالى المتمثل فى إبرام اتفاق نهائى بين إسرائيل والفلسطينيين. شخصنة العلاقة ويشير الكاتب إلى أن الرجلين يشتركان أيضا فيما لديهما من شعور قوى بالظلم، مدفوعين بالاعتقاد بأن التحقيقات التى تجرى مع نيتانياهو غير عادلة وتهدف إلى تشويه موقفه الإنتخابى أمام منافسين سياسيين كاذبين. ويلفت الكاتب إلى أن «الدولة العميقة» و«الأخبار المزيفة» والليبراليين السيئين يفسرون ارتباط دونالد و نيتانياهو ونعت الأخير بلقب «بيبى» كما هو معروف عنه للتدليل على شخصنة العلاقة، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لن تتدخلا فى سياسة بعضهما البعض، وأنه على الرغم من التقارب بين ترامب ونيتانياهو يوفر غطاء للسياسة الخارجية، لكن الأمر يتعلق إلى حد كبير بالسياسة الداخلية فى إسرائيل، ومحاولة تصديرها الى منطقة السياسة الداخلية فى الولاياتالمتحدة فقد حصل ترامب فى انتخابات 2016 على دعم كبير من اللوبى اليهودى ورجال أعمال يهود وتفاخر بأنه سيكون الرئيس الأكثر تأييدا لإسرائيل على الإطلاق وقد كان. كما حصل ترامب على مزيد من النقاط المرجحة له بين تلك الأوساط اليمينية من خلال انتقاده الرئيس باراك أوباما لضغطه على إسرائيل بشأن قضية المستوطنات، وانتقد ثم تخلى فى النهاية عن الاتفاق النووى الذى أبرمه سلفه مع إيران، وهو ما عارضه نيتانياهو والمتشددون الإسرائيليون بشدة. انتخابات سبتمبر وإذا ما طرحنا التساؤل حول ما الذى يمكن أن يفعله ترامب لنيتانياهو من الآن وحتى انتخابات 17 سبتمبر؟ فقد أرجأ البيت الأبيض بسرعة الكشف عن الجزء السياسى من خطة السلام الكبرى المسماة ب «صفقة القرن» التى وضعها صهر الرئيس وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، حتى لا يخلق أى توترات بين نيتانياهو وجناحه اليمينى، فى الوقت نفسه قام كوشنر أيضا بتسليط الضوء على الجزء الاقتصادى من تلك الخطة - وهو ما يسمى بورشة المستثمرين فى البحرين - فى أواخر يونيو الحالى حيث سيلتقى عرب وإسرائيليون فى العاصمة المنامة، وربما سيشارك بعض رجال الأعمال الفلسطينيين مما سيضفى مصداقية على مزاعم نيتانياهو بأن سياسته للتطبيع مع عرب الخليج تؤتى ثمارها. إضافة إلى ما أعلنه مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون فى نهاية مايو الماضى بأنه سيلتقى بممثلين روس وإسرائيليين فى قمة ثلاثية لمناقشة قضية سوريا، وتعزيز مكانة نيتانياهو على الساحة العالمية. وهذا التصريح الذى أبرزه الإعلام العبرى مشيرا إلى ان دعم الولاياتالمتحدة موجه الى رئيس الوزراء وليس إلى الدولة او حتى الحكومة وهى مسألة تفتت الجبهة الداخلية فى إسرائيل وتقزم السياسيين على الساحة الإسرائيلية وتختصر دولة إسرائيل فى شخص نيتانياهو، وهذه الادعاءات عمل عليها المعسكر الصهيونى المنافس لحزب الليكود سيعمل عليها أكثر فى الأيام المقبلة للكشف عن مزيد من أسرار العلاقة بين الرجلين. والآن يتكهن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلى بزيارة قادمة للرئيس الأمريكى إلى إسرائيل، والتى ستكون بمثابة دفعة أخرى لرئيس الوزراء أمام كثير من الناخبين. هضبة ترامب وما يفعله نيتانياهو من تعبير عن الامتنان لترامب يكشف بعضا من هذه العلاقة خصوصا عندما صادقت الحكومة الإسرائيلية, خلال جلسة احتفالية عقدتها فى الجولان, على إقامة بلدة جديدة فى الجولان ستسمى «هضبة ترامب» على إسم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وحضر الجلسة السفير الامريكى لدى إسرائيل ديفيد فريدمان. وقال نيتانياهو «هذا هو يوم تاريخى سنقيم بلدة جديدة فى الجولان تكريما لصديق كبير لدولة إسرائيل وهو الرئيس ترامب الذى اعترف اخيرا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، إنه أول زعيم دولى قام بذلك فهو أزال القناع عن وجه النفاق الذى لا يعترف بما هو بديهى. والرئيس ترامب قام بذلك أيضا من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى أورشليم والانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران وهو يقوم بذلك الآن بوقوفه الحازم ضد العدوان الإيرانى فى خليج عمان وفى الخليج العربى وفى المنطقة بشكل عام».