وقف على منبر وحرض ضد الجيش المصرى وعلى تنفيذ عمليات إرهابية مناصرا رفيقه هشام عشماوى، ليس من مخبأ بصحارى إفريقيا أو من جبال أفغانستان إنما من قلب لندن، وهو ليس شخصا عاديا إنما كان هانى السباعى القيادى الإرهابى العتيد. سنتجاوز السؤال التقليدى بشأن طبيعة علاقة البعض ببريطانيا بهؤلاء ولماذا الحرص على إيوائهم ومنحهم الرعاية والملاذ الآمن، لنناقش الملف من مساحة أخرى، فهل يعى أصحاب الشأن هناك مستجدات تلك الحالة وانعكاساتها الكارثية على الداخل الأوروبي؟ حدثت مفارقة ينبغى تنبيه أصدقائنا البريطانيين بشأنها، إذ ليس هناك من ينكر من مؤرخين ومراقبين أن قوى غربية أسهمت فى تأسيس ورعاية هذا التيار الأيديولوجى من إخوان وجهاديين وتكفيريين بكل كوارثه الفكرية والمنهجية، رهانا على تصور استعمارى قديم مقصده ألا تظهر الجماعة الوطنية التى تشمل عموم المصريين كصاحبة إنجاز وطنى كبير، وألا تجمعهم وحدة من شأنها تحقيق استقلال وطنى دائم يفضى إلى نهضة فى مختلف المجالات، ما يمنح مصر المقدرة على الحفاظ على مصالحها ومواردها وحماية أمنها القومى والدفاع عن رؤيتها الخاصة فى كل ما يتعلق بالإشكاليات الإستراتيجية محل النزاع وتضارب المصالح بالشرق الأوسط. ظل الصف المصرى الوطنى موحدا رغم كل محاولات الاختراق الأيديولوجى الممولة والمدعومة من الخارج على مدى قرن، وظل قادرا على الإنجاز فى المسارات الوطنية وفى المشاريع الجامعة منذ ثورة 1919م إلى اليوم، لينتصر المصريون على كل من سعى لخلق الانقسام بينهم، حدث ذلك عندما تحررت مصر أولا بأول من كل مشاريع الفرقة والتمزق والتفكيك المجتمعى تحت رايات دينية زائفة لتتحقق نبوءة نجيب محفوظ فى أحد حواراته عن رواية كفاح طيبة: أردت أن أقول إنه مثلما نجح الشعب المصرى فى تحقيق استقلاله فى العصور الغابرة فإنه سينجح أيضا فى العصر الحديث. المشهد الآن باختصار بعد مضى قرن من هذا الصراع 1919-2019م يكشف معاناة حقيقية لكل من وظف هذا السلاح ضد الواقع المصرى بداية من تأسيس جماعة الإخوان وممارساتها التى هدفت لكسر المشروع العربى الموحد، مرورا بإنتاج تنظيمات الجهاديين منذ السبعينيات وانتهاء بتوظيف مختلف تلك الجماعات فى مشاريع الاستعمار الحديث اليوم؛ فمصر تحديدا توجت نضالها بتعطيل عمل كل ما من شأنه اختراقها وتقسيمها، وأثبت المصريون وعيا وتفانيا وتضحية لنصرة مشاريع الوحدة وتعطيل مؤامرات الفرقة منذ اكتتابهم عندما بدأ المشروع النحتى الذى بدأه الفنان محمود مختار ليتفرغ ويوفر مادة إبداعه وتبادلهم مسلمين ومسيحيين بناء المساجد والكنائس، وحتى الإسهام بالعمل والصبر فى إنجاح الإصلاح الاقتصادى الآن عقب مرحلة استنزاف مريرة. المفارقة أن من يعانى اليوم ويتهدده خطر حقيقى فى الاتجاه المضاد بمعنى شق هذه الحالة الدينية لمجتمعه وجره للانقسام والفرقة هم من حملوا هذا السلاح ووجهوه صوب مجتمعاتنا ودولنا لتحقيق تلك الغاية، وإذا كان كل كلام هانى السباعى فى خطبته المتشنجة موجها ضد مصر ووحدتها وأمنها واستقرارها، فمصر انتصرت على تنظيمه الذى يشرف على دعمه اللوجيستى والمادى والبشرى من قلب عاصمة الضباب، ولاحقت رؤوس الفتنة من سيناء إلى ليبيا وكلما تنفس رأس فتنة قطعته لتظل هى موحدة مجتمعا ومؤسسات ودولة، بينما يتهدد الدولة التى تؤويه وتمنحه منبر التحريض مع الآلاف من رؤوس الإرهاب الآخرين خطر الصراع المسلح بين جماعات متطرفة تخطط لأسلمة أوروبا وفق تصوراتها المنغلقة مقابل مجموعات العنف اليمينى. تشير أرقام الشرطة فى بريطانيا إلى أن جرائم الكراهية تجاه المسلمين فى السنوات الأخيرة 2016 و2017 و2018م، قد ارتفعت فى جميع أنحاء البلاد، مع ارتفاع فى جرائم الكراهية ذات الدوافع الدينية بعد الهجمات الإرهابية، وأشار تقرير صادر عن مؤسسة تيل ماما فى العام الماضى إلى أن هجمات الخوف من الإسلام ببريطانيا ارتفعت بنسبة 47بالمائة. ازدواجية مرعبة بين تطرفين قد تحول النشاطات الشعبية الاجتماعية والسياسية إلى صراعات دينية مفتوحة، لذلك دعا بوريس جونسون المرشح الأقرب لرئاسة الحكومة عقب هجوم جسر ويستمنستر فى مارس 2017م لتواصل أفضل مع المسلمين الطبيعيين فى شتى أنحاء العالم، وهى دعوة تنطوى على صرخة معاناة مكتومة من كارثية احتواء قادة التطرف الإسلامى، فتوظيفهم ارتد إلى عمق المجتمع البريطانى بالانقسام والتفكك. أعلم لماذا خرج السباعى بهذا الكلام الآن، محاولا توصيل رسالة لمن يرعون نشاطه بعد سقوط عشماوى وانحسار القاعدة فى مصر وليبيا مفادها أنه لم يتأثر ولا يزال باستطاعته الهجوم وإيلام الدولة المصرية ليتواصل دعمه، وحقيقة الأمر أن المشروع سقط واكتملت هزيمته وظلت مصر موحدة، فيمَ يخطب السباعى من دولة أتمنى أن تراجع نخبتها ومؤسساتها محصلة استراتيجيات وسياسات قرن كامل، وأن يعوا جيدا خطر من يمنحونهم الملاذ عليهم هم.. لا علينا. لمزيد من مقالات هشام النجار