الحقيقة الصادمة التى لا يعرفها معظم الأمريكيين، بينما يدركها تماما العاملون فى مطبخ السياسة، أن أى دولة أو جهة أجنبية تستطيع التدخل فى توجيه نتائج الانتخابات الأمريكية، لاسيما انتخابات الرئاسة. والأكثر من ذلك أنه بقليل من التحايل يمكن لهذا التدخل أن يتم بطرق يصعب رصدها، أو بوسائل لا تقع تحت طائلة القانون، والسبب وجود ثغرات فى القوانين الفيدرالية بهذا الخصوص. مثال ذلك حالة ويتلاند تيوب، وهى واحدة من كبريات شركات الصلب فى أمريكا الشمالية يمتلكها رجل الأعمال الكندى بارى زيكلمان. فقد تبرع مدير فرع الشركة فى مدينة شيكاغو الأمريكية بمبلع مليون دولار لمجموعة من الجمهوريين الناشطين لإعادة انتخاب الرئيس ترامب. هذه الواقعة فى حد ذاتها لا تعد انتهاكا للقانون، لأن التبرع تم بواسطة مواطن أمريكى وليس صاحب الشركة الكندي. وبحسب مانشرته مجلة «ماذر جونز» فإن الشركة المذكورة تبرعت بمبالغ أخري، وحصلت فى المقابل على مزايا تفضيلية على الشركات المنافسة، منها تقليل حصة واردات الصلب من كوريا الجنوبية وزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب التركية. ولم تكن تلك التبرعات لتثير شبهة تأثير المال الأجنبى فى توجيه السياسة الأمريكية لولا أن صاحب الشركة نفسه أقر بعلمه بالمبالغ التى تم التبرع بها فى مقابلة مع نيويورك تايمز. وعندما رُفعت شكوى الشهر الماضى بخصوص هذه الواقعة لدى اللجنة الفيدرالية للانتخابات، دفع صاحب الشركة الكندى ببراءته، لأنه لم يكن الشخص الذى اتخذ قرار التبرع. وهكذا يمكن للمال الأجنبى أن يمول الحملات الانتخابية عبر مواطنين أمريكيين أو عبر مؤسسات أو جمعيات خيرية يتم تأسيسها خصيصا كستار تتدفق وراءه هذه الأموال. والأخطر من ذلك، أن السلطة القضائية نفسها قد تحمى تدفق هذه الأموال الأجنبية فى بعض الحالات. من ذلك مثلا أن القاضى بريت كافانو، الذى أصبح الآن قاضيا بالمحكمة الفيدرالية العليا، كتب فى أثناء رئاسته لدائرة استئناف واشنطن العاصمة رأيا قانونيا يُبطل بعض مواد قانون فيدرالى يجرم تبرعات غير حاملى الجنسية الأمريكية فى الحملات الانتخابية. ويرصد الخبراء وسائل أخرى عديدة يمكن من خلالها لحكومات أجنبية أن توجه آراء الناخبين الأمريكيين بحسب مصالحها، من ذلك دعم الفصائل ذات الاتجاهات المتطرفة، وتمويل اعلانات عبر الشبكة الإلكترونية لترويج الأكاذيب عن مرشح ما. وإلى جانب ماتقدم تبقى الطريقة التقليدية للتأثير فى الانتخابات وفى سير الحياة السياسية بصفة عامة، وهى البروباجندا ونشر الشائعات والدعاية المضللة من خلال وسائل الإعلام الأجنبية فى صورة أخبار مفبركة وتقارير كاذبة تحت ستار حرية التعبير والصحافة الحرة. وتقول إيلن واينتروب رئيسة اللجنة الفيدرالية للانتخابات إن ضمان عدم التأثير الأجنبى فى الانتخابات الأمريكية يتطلب من الديمقراطيين والجمهوريين نبذ الخلاف والبدء فورا فى العمل معا لسد الثغرات الموجودة فى القوانين الفيدرالية. بدون ذلك سيكون من الصعب ألا تتدخل جهات أجنبية وحكومات دول أخرى فى انتخابات رئيس أمريكا القادم.