أروع ما فى العلاقة بين «زينب والعرش» فى الرواية الخالدة هى طاقة االفلسفة والعمق التى ميزت أسلوب فتحى غانم وجعلت العمل الأدبى منفتحا لتفسيرات وقراءات حسب كل عصر! وأصل الحكاية أننى بعد قراءتى للرواية ثم شاهدت المسلسل واستمتعت بلغة الحوار الذى شارك المؤلف فى كتابته القدير صلاح حافظ تساءلت: كيف يكون فى تاريخنا عمل سياسى اجتماعى ملحمى ونكتفى ب 30 حلقة فقط بلا جزء ثان وثالث...وعاشر؟ فقد استسلمت بكامل إرادتى خلال ليال رمضان للأعمال الدرامية التاريخية التى جاءت بالترتيب التالى: عمر بن عبد العزيز بطولة نور الشريف، ليالى الحلمية بطولة صلاح السعدنى وصفية العمرى، جحا المصرى بطولة «الملك» يحيى الفخرانى، وجراند أوتيل الذى كشف الوجه الجميل لمصر والمشرق للفنانة يسرا! أعود إلى مسلسل «زينب والعرش» الذى نحتفل بمرور 40 سنة على إنتاجه عام 1979 فأكتشف أنه لايزال يصلح لتفسير أحوال العلاقة بين الصحافة والسلطان فى معركة بناء ثقافة دولة ومواجهة عدو خارجى، وعبر عن تناقضات مرحلة الانتقال داخل جريدة «العصر الجديد».. أما النجمة «الصاعدة» سهير رمزى فقد شقت طريقها بسرعة الصاروخ فى زمن نجومية فاتن حمامة وسعاد حسنى ونجلاء فتحى وميرفت أمين، وقدمت باقتدار حيرة مصر بعد ثورة يوليو التى طمع الجميع فى استغلال جمالها وخيرها مع حرصهم على ألا تكمل تعليمها! فزينب فتاة نصف متعلمة نصفها مصرى والنصف الآخر من رقائق متعددة، حرصت أمها على تزويجها بشخص يكبرها بسنوات لتقتسم معه ميراثها، وأخرجتها امها الغولة, كما وصفتها, من المدرسة لترضى أخاها الذى تركها جاهلة خوفا من زوجته، ورئيس التحرير طمع فى جمالها، لكنها نجحت فى التحرر من أطماعهم ومال قلبها نحو يوسف الصحفى «الصدِّيق» القريب منها فى السن، فتثق بأمانته وصدقه وتتزوجه وتعيش معه فى شقة بسيطة، وفى ذروة متعتهما بحياتهما الجديدة تعرضت لحادث قطار، اختلفت التفسيرات فى تشخيص مرضها وكيفية إخراجها من الصدمة، تقول الممرضة ليوسف نحن لا نخاف عليها من الحادث لكن الخوف عليك انت! وفى لحظة مصارحة يقول يوسف لزينب: لو وثق كل منا بالآخر محدش هايقدر علينا.. فتعترف له زينب: أنا مش قادرة أفهم أفكارك ولا مقالاتك؛ رأيتك فارس أحلامى بلا أخطاء.. ثم رأيتك أبى الذى حرمت من حنانه.. وأخيرا اكتشفت أنك حبيبى لك مزاياك ولك عيوبك سأحبك بجنون ولا أتنازل عن أحلامى، وحين تظن أن الطلاق حل للكارثة طبقا لنبوءة عرافة يحذرها عم صالح عامل البوفيه: لو سمعتى كلام الغجرية التى تنبأت بأنك يجب أن تتزوجى 3 مرات ستكونى مثل التنظيم الذى أقنعنا بأننا سنكسب الحرب فى 3 أيام! وما جرى لزينب التى أوقعها حبها أسيرة شخص واحد جرى لصحيفة العصر الجديد فتحولت من صحافة خاصة تنتهج الإثارة لتحقيق المكسب، ويستمد رئيس تحريرها أخباره الطازجة من مأذون المشاهير, الوزير تزوج راقصة، ورجل الدين تزوج فنانة، ومليونير تزوج سكرتيرته، وبعد تأميم الصحافة وإحكام الرقابة على المال العام، اضطر رئيس التحرير الذى تربى على الفضائح أن يدفع لمأذون المشاهير من جيبه، ويرحل رئيس تحرير كان ينفذ الأوامر دون مناقشة ويأتى رئيس تحرير ديمقراطى يشرح للصحفيين أسباب وأبعاد وخلفيات نفس الأوامر.. أسلوبه حلو وتحليلاته ساحرة لكنه يمدح أمريكا فى الفقرة الثانية ويشتمها فى الفقرة الرابعة، ويمدح روسيا فى الفقرة الثالثة ويلعن شيطانها فى الفقرة الخامسة! ورغم الكوكبة من النجوم الكبار الذين اجتمعوا لنجاح المسلسل؛ محمود مرسى وكمال الشناوى وحسن يوسف وصلاح قابيل وعبد المنعم إبراهيم وهدى سلطان وحسن مصطفى.. وعمار الشريعى للموسيقى التصويرية. لكن الأبطال اختيروا بعناية لتناسب شخصياتهم الأدوار التى رسمتها الرواية بدقة. قيل إن أحداث زينب والعرش تتناول شخصيات حقيقية مثل مصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل وكامل الشناوى، لكنى أرى أنها ملحمة تعكس حالة الضياع وفقدان الرؤية التى تسود العلاقة بين الصحافة والسلطة فى المراحل الانتقالية، بصرف النظر عن الأشخاص والتواريخ، فجاء أداء النجوم طوال الحلقات دون تطويل أو افتعال، وظل البطل الحقيقى هو النص وليس النجم، لكنى شعرت بأن المخرج القدير يحيى العلمى فوجئ مثل المشاهدين بوصوله للحلقة الثلاثين، فزحمها بالأحداث وبحوار مكثف مشحون بمواعظ مباشرة كان يجب توصيلها للناس فى نهاية السبعينيات. وخلاصة الرواية يقولها عم صالح ليوسف: زواجك بها يا يوسف أنقذها من الغرق، لكن إخراجها على الشط لا يكفى لإنقاذها لابد أن تنفخ فيها لكى تتنفس، وتهتم بثقافتها لتكمل تعليمها حتى تفهمك وتفهمها وساعتها لن يقدرعليكما إنس ولا جان!. لمزيد من مقالات ◀ أنور عبد اللطيف