لا بد للناس من مرجع يرجعون إليه، فى حال اتفاقهم، وحال اختلافهم، فإذا تحرك الناس فى الحياة، واختلفوا فى فهم أو اجتهاد أو رأى فإن المنطق أنهم يرجعون إلى الله ورسوله، وإلا فما جدوى الكتب والرسل والعلماء. وقد نادى الله المؤمنين آمرا إياهم بأن يسلكوا الطريق الحق فى حال الاتفاق وحال الاختلاف حتى لا يضلوا الطريق فى الدنيا فيحرموا ثواب الطاعة فى الآخرة،«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا». جاءت هذه الآيات بعد آية تأمر بالعدل وتأدية الأمانات فى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا). ويقول الدكتور أبو اليزيد العجمى أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم إن الأمر بأداء الأمانات والقيام بحقها جزء مهم من العدل، والعدل فى الحكم بين الناس يحقق الأمان والاستقرار، ويدعو إلى العمل والتعاون، حيث لا بغضاء من المظلوم تجاه من حكم عليه بغير العدل.وختمت الآية بأن الله سميع لما يحكم به بصير بحقيقة الحكم.. والآيات التى بدأت ب «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم..» إلى آخر الآيات تجىء داعية إلى اتباع أمر الله، وأمر رسوله، وأمر أولى الأمر: ولاة أو فقهاء أو علماء، ماداموا يأمرون بطاعة وفق شرع الله وهديه.. وتعلمنا الآيات ضرورة المرجعية حال الاختلاف، فالاختلاف وارد بين الناس بعضهم البعض، وبين الناس ومن يقضون لهم ولاة أو علماء، والمرجعية هنا شرع الله فى كتابه، وفهم رسوله الذى لا ينطق عن الهوى.. الكلام سهل، والتأويل وارد، لكن المحك الحقيقى فى مسألة الاحتكام إلى الله ورسوله هو أن يحكموا شرع الله فى كل أمورهم، وأن تكون نفوسهم راضية سعيدة بحكم الله ورسوله حتى ولو كان على غير هواهم، ولا يقف الأمر عند حد الرضا والقبول، بل لا بد من التطبيق والتسليم وإصلاح الخلل الذى يمكن أن يكون قد حدث نتيجة مخالفة منهج الله فى الحكم والقضاء.. فإذا كان الناس فى دنيا القوانين الوضعية يحصلون كثيرا من الأمان باتباعها مع ما فيها من وجوه النقص البشرى فما بالنا ولله المثل الأعلى بقانون السماء الذى أنزله الحكيم العليم.