قراءة قوانين التعدد والاستهام والاختلاف, تؤكد أن مصلحة الوطن أن تكون هناك سلطة تتمتع بالشرعية والهيبة ولكن هذه المصلحة لا تتحقق إلا في ظل وجود معارضة موازنة ومتوازنة ووازنة, معارضة قوية قادرة علي القيام باستكمال ميزان الحياة السياسية والمجتمعية, بكفتيه: سلطة فاعلة عادلة, ومعارضة ناقدة ومسددة, اعتدال كفتي الميزان هو الذي لا يسمح باختطاف من سلطة مهيمنة متغولة لسفينة الوطن, أو اختطاف من معارضة هزيلة لمصالح الوطن العامة وإدعاء تمثيلها تعمل في فضاء الإعلام أكثر مما تعمل علي واقع الأرض ومع الناس. إن الأمل معقود علي صعود معارضةحقيقية موازنة, تمارس وظائفها بقوة وفاعلية, إن المعارضة التقليدية بنخبها القديمة صارت في فعلها وممارستها إلي طريق مسدود ولم تعد تصلح فيه للقيام بهذا الدور, وإن حزب الدستور وكذا حزب مصر القوية- وان تسمي باسم آخر- يشكلان طاقة محتملة لمعارضة متوازنة وموازنة لا تنفرد فيه سلطة بهيمنة أو إغراء بها, ولا تنكص فيه المعارضة عن القيام بأدوارها وفعاليتها. في أي بلد مهما كان حال الحكومات من قوة ومهما كانت توجهاتها ومهما كان ادعاؤها القرب إلي العدالة لابد أن توجد قوة توازيها حجما ووزنا سياسيا, تكون ناضجة ومقتدرة في كل مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة وتملك الأدوات اللازمة لممارسة وظيفة المعارضة شكلا ومضمونا وتتبني خططا بديلة وقابلة للتطبيق لكل ما يقع تشخيصه من أخطاء في سياسات الحكومة.. صحيح أن البلاد تعيش ظرفيا تحولا لمجمل مفاهيم السلطة والمعارضة وأن هذه المفاهيم مازالت في بداية تدرجها باعتبار سنوات الاحتكاروالجفاف السياسي ومنع كل الأنشطة السياسية الحقيقية, لكن لابد علي من يريد احتراف المعارضة أن يسرع بالتشكل وامتلاك أدوات العمل وتمكين طرق الممارسة.... وأن ينزل إلي طبقات الشعب ليحمل همومهم و يشخص همومهم ليستنبط الحلول من مبادئه وعلي ذلك يبني برامج عمله ليجد نفسه حاضرا في قلوب الشعب ورقما صعبا في ورقة الانتخاب. مفهوم المعارضة هو من المفاهيم المركزية التي تؤسس لإدارة التدافع في العملية الإصلاحية علي أسس واضحة وجلية, ويرتبط بنوعية قواعد العملية السياسة المتعامل بها علي مستوي النظام السياسي القائم, وعلي هذا الأساس ثمة في تقديري نوعين من قواعد العملية السياسية بحسب طريقة تبلورها: النوع الأول قواعد متفق عليها مجتمعيا, وهي القواعد التي تتم عبر آلية التوافق المجتمعي العام حول شكل ومضمون النظام السياسي العام, وهذه الآلية تكون نتيجة تفاعل يمر به المجتمع قبل أن يستقر علي شكل ومضمون الدولة التي يريدها ويبتغيها, ويمكن إجمالها في أربعة قواعد كبري: أولها, قاعدة الإشراك الفعلي للمجتمع في طريقة ومضمون صناعة عقده مع الدولة التي يختارها شكلا ومضمونا, بما يلبي حاجته في أن تكون له سلطة العقد تأسيسا بالدرجة الأولي, وتعود له تعديلا. وثانيها, قاعدة الفاعلية للمجتمع في التقرير عبر آلية الانتخابات الحرة والديمقراطية والنزيهة. وثالثها, قاعدة التنفيذ والمشاركة الواجبة من خلال هذه الانتخابات الحرة والديمقراطية والنزيهة. ورابعها, قاعدة التقويم والمراقبة من خلال الحق في مراقبة من أوكل له المجتمع تنفيذ اختياراته الكبري التي حددها, والحق في محاسبته علي التقصير أو الاعوجاج عن تنفيذ هذه الاختيارات الكبري. إذن مفهوم المعارضة في إطار هذا النوع من قواعد العملية السياسية, هو ذاك التعبير المجتمعي المنظم الذي يحرص علي مراقبة ومحاسبة السياسات العامة للحكومة التي حظيت بثقة الأغلبية, وهي بذلك يكون مسعاها هو الدفاع عن المجتمع من خلال اتجاهين. الأول, مراقبة مدي التزام هذه الأغلبية الحاكمة التي منحها المجتمع ثقته لها بما وعدته به في برنامجها الانتخابي, ومحاسبتها علي أساسه. والثاني, السعي الحثيث إلي إقناع المجتمع باختيارات هذه المعارضة وبرنامجها وتعرية مواطن الخلل والضعف في برنامج الأغلبية التي أصبحت حاكمة. النوع الثاني قواعد إكراهية غير متفق عليها مجتمعيا, وهي القواعد التي تلغي كليا أو جزئيا الإسهام الفعلي للمجتمع في التقرير والتنفيذ والتقويم, وبالتالي لا ينتج عنها التوافق المجتمعي العام حول شكل ومضمون النظام السياسي العام, وهي إذن قواعد تلبي حاجة استمرارية هذا الإلغاء وتعمل علي تأبيد تغييب المشاركة الفعلية للمجتمع في صناعة مصائره الكبري. المهم في العلاقة بين السلطة والمعارضة, أنها تسمح بالمدافعة والتغيير والمنافسة, حيث البقاء للأصلح وليس للأقوي, السلطة والمعارضة ركنان أساسيان لاستقرار المجتمع وتطوره, ومن غير المتصور أن يكون هناك في عالم اليوم سلطة بلا معارضة! فكما السلطة لها وظائفها وواجباتها فالمعارضة لها وظائفها وواجباتها أيضا! كل منهما يعمل لتحقيق غاية ومقصد, وهي نهضة المجتمع وإسعاد الناس, ضمن رؤية كل فريق منهما. والمعارضة تسمح للجميع بإبداء الآراء وتعددها بحرية وتنوع تام, واستيعاب حقيقة الاختلاف وتفهمها وتقبلها, ومع تطور الحياة فقد أصبحت الشراكة بين السلطة والمعارضة أكثر إلحاحا. والإجماع قد زاد تعذرا, واتسعت مجالات الحياة والتخصص, وانتهي عصر جمع جميع السلطات في يد واحدة أو أيد قليلة. إنه عصر الأمة, وعصر الجماهير الواعية ذات الرأي الوازن المؤثر الراجح. وفي كل الأحوال فإن المعارضة لا تسعي للسلطة بمعني مداولة مغانم أو مكاسب, وإنما هي سنن المدافعة وفقا لنواميس الكون الطبيعية والاجتماعية الساكنة في أعماق الإنسان. المعارضة لا تعني بالضرورة التحزب والفرقة والتشرذم, ولا تعني صراعا علي السلطة. والمعارضة التي نعنيها هنا,هي معارضة حميدة تقويمية لاعدمية, معارضة مبررة شرعية وجودها سياسيا وطبيعة إنسانية. والمعارضة ضرورة كقيمة سياسية ديمقراطية لأجل تقويم أداء عمل الحكومة فيما إذا أخفقت لأن القائمين علي الحكومة هم من البشر يتعرضون للأخطاء لا عصمة لهم. ومن هنا يبرز دور وأهمية المعارضة في المراقبة والمساءلة ومن ثم التقويم العام, فالمعارضة أخيرا هي ليست لأجل الصراع من أجل البقاء بل هي تنافس لخدمة الصالح العام. ومصر في حاجة إلي معارضة موزونة في أدائها وحركتها, متزنة في مسارها ومسيرتها, وازنة في تأثيرها وفاعليتها, معارضة جديدة صاعدة تشكل قوة فاعلة وزانة. المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح