يأتى رمضان كل عام لاستعادة الوعى المفقود خصوصًا فى زماننا لأسباب كثيرة على رأسها النمط المادى والاستهلاكى للحياة الذى جعل الإنسان يدور فى حلقة مفرغة وألقى به فى دوامة الحسابات المادية والشواغل اليومية التى أفقدته الوعى والتركيز والغفلة عن الأهداف الكبرى للحياة. وفى رمضان، كما يقول الدكتور محمد قاسم المنسى أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم: يستعيد المسلم وعيه بثلاثة أمور: وعيه بالوقت أو الزمن، ووعيه بالبيئة أو الكون الذى يحيط به، ووعيه بذاته الفردية والاجتماعية.. أما وعيه بالزمن فهو أن رمضان شهر لكنه ليس كأى شهر.. هو شهر له مذاق خاص فى الذاكرة والتاريخ (رمضانات كثيرة) وهو شهر مقسم إلى أجزاء عشر ثم عشر ثم عشر.. أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران.. وهذا التقسيم من بين أهدافه التشريعية استعادة الوعى بأهمية الزمن لما له من أثر كبير فى حياة البشر.. ويظل الوعى بأهمية الزمن فارقًا مهمًا بين التقدم والتخلف.. حيث يقاس الزمن فى بلاد العالم المتقدم بالدقائق وفى بلاد العالم المتخلف بالأيام وربما بالشهور والأعوام.. كل ذلك لفقدان الوعى بقيمة الزمن. كما يعرض القرآن للكون ومظاهره وحقائقه ويحثنا على اكتشاف أسراره وكنوزه والاستفادة منها فى خدمة الحياة الإنسانية.. وفى رمضان يستعيد المسلم وعيه بالكون فهو يبحث عن الهلال ليحدد بداية الصيام (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) ويبدأ صيامه من طلوع الفجر حتى غروب الشمس؛ وذلك يدعوه إلى مطالعة السماء وترقب ظهور القمر وغروب الشمس.. وبذلك يربط بين العبادة والنظر فى ملكوت الله ويجعل الصلة بالكون متجددة.. والتفاعل معه مستمرًا.. وذلك من منطلق أن الكون هو المسرح الأول لفكرنا وهو الحافز الأول لإيماننا ومن هنا فإن الذهول (الغفلة وعدم الوعي) عن الكون يعد جريمة فى حق الكون من ناحية.. وفشلاً فى خدمة الوحى الإلهى والرسالة الإلهية من ناحية أخرى.. فشلاً دفعنا ثمنه غاليًا فنشأت أجيال متعاقبة لا تعرف شيئًا عن الكون وكنوزه وأسراره.. ولم تعرف فى دين الله إلا كلامًا لو عرفته الأجيال الأولى ما انطلقوا بالإسلام خارج أرضه وما أقاموا حضارة جديدة.. إن أحد أهم نقاط الضعف فى ثقافة المسلم المعاصر هو هذه القطيعة الموحشة ببن الدين من ناحية وبين الكون والحياة من ناحية أخرى.