لعبت إحدى الدول العربية دورا أكبر من حجمها ليس فى المنطقة العربية فحسب بل امتدت اياديها إلى الدول الافريقية، فقد دأبت خلال العقود القليلة السابقة على إذكاء الصراعات المسلحة فى عدد من الدول الافريقية وتقديم الدعم المادى والعينى للجماعات الإرهابية والترويج للأفكار المتشددة والدعاية لها فى المنطقة، وإصرارها على التدخل فى الشئون الداخلية للدول لنشر الفوضى والفتنة والانقسامات بصورة تهدد الأمن القومى للبلدان العربية والافريقية، حتى أصبحت أداة لتنفيذ سياسات خارجية وللأسف بإيعاز من دول عظمى على رأس النظام الدولى لها مصالح فى تفكيك المنطقة العربية الى دويلات صغيرة مذهبية وعرقية للسيطرة على ثروات البلاد خاصة النفط، ومن جهة أخرى تُخدم على سياسات اسرائيل فى المنطقة. وقد حاولت قطر خلق موطئ قدم لها فى إفريقيا استخدمت فيه المال السياسى والاستثمارات الاقتصادية وبأرقام فلكية، أغرت به العديد من الدول الافريقية للوصول الى أهدافها ومُستغلة فى ذلك أذرعها الإعلامية المتمثلة فى قناة الجزيرة للتدخل فى الشئون الداخلية لتثير القلاقل والإشكاليات السياسية، وبالتالى نستطيع ان نؤكد ان الوجود القطرى فى افريقيا ظاهره الاستثمارات وباطنه تأجيج الصراعات والثورات ونشر الفوضى وعدم الاستقرار. وفى إيجاز غير مخل يمكن تلخيص الوجود القطرى فى إفريقيا من خلال ثلاث مناطق على سبيل المثال كالتالي: أولا: منطقة الشمال الإفريقى :عانت كل دول شمال افريقيا (العربية) التدخلات القطرية فكل يوم ينكشف بالإدانات والأدلة الموثقة الدور القطرى المشبوه فى ليبيا، خاصة فى دعم الجماعات الإرهابية المُسلحة لتأجيج الصراعات واستمرارها، حتى تحولت المنصات الإعلامية القطرية فى ليبيا الى ثكنات عسكرية تروج لأفكار ومعتقدات الجماعات التكفيرية، وكذلك الحال فى تونس فقد حاولت قطر اختراق منطقة المغرب العربى انطلاقا من تونس فقد خصصت قناة الجزيرة برامج لها للتحرش بالدولة التونسية ورموزها لصالح حزب حركة النهضة المرتبط عقائديا وتنظيميا بالتنظيم العالمى للإخوان المسلمين، وهو ما جعل الرئيس السابق زين العابدين بن على يسحب تمثيل بلاده الدبلوماسى كليا من قطر فى 2006, ثم عاودت قطر تدخلها مرة اخرى فى تونس عقب ثورات الربيع العربى واستخدمت الأراضى التونسية لإعداد الجماعات الإرهابية ثم الدفع بهم الى داخل الأراضى الليبية, كما توترت العلاقات القطرية المغربية خلال السنوات السابقة، وتم طرد وإغلاق مكتب قناة الجزيرة الذى كان له دور مشبوه فى منطقة المغرب العربى من خلال تقاريره الكاذبة والمليئة بالفتن والأكاذيب، ولم تسلم موريتانيا من التدخل القطرى فى الشئون الداخلية ودعم تيارات سياسية بالمال والإعلام والتحريض على زعزعة استقرار الحكم فضلا عن دعم جماعات جهادية فى موريتانيا وتحريضها على القتال فى ليبيا، الا ان السلطات الموريتانية هددت بان لديها وثائق ومستندات تؤكد تورط قطر بدعمها جماعات إرهابية فى شمال مالى خاصة تنظيم القاعدة. ثانيا: منطقة غرب افريقيا لم تسلم من التدخلات القطرية الممنهجة لزعزعة الاستقرار وتدعيم جماعات مُتطرفة الشديدة الخطورة فى شمال مالى ومنطقة الصحراء تحت ستار المُساعدات الإنسانية (تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربى، جماعة أنصار الدين، حركة التوحيد والجهاد)، وتعد حركة التوحيد والجهاد هى الجماعة الإرهابية الأكثر إثارة للرعب فى شمال مالى والتى انفصلت عن تنظيم القاعدة، وتبنت الفكر الداعشى كما تُعد الأكثر نفوذا لأنها تتشكل من عصابات شبكات الجريمة المُنظمة خاصة تهريب المُخدرات واختطاف الأجانب وطلب فدية, وكذلك لم تسلم تشاد وساحل العاج والسنغال من التدخلات القطرية التى تبدو فى البداية استثمارات وضخ اموال ثم تتراجع قطر عنها وتظهر أجندتها السياسية. ثالثا: منطقة شرق افريقيا والقرن الافريقي: تورطت تلك الدولة العربية الصغيرة فى صراعات منطقة القرن الإفريقي, فقد اتهمتها اثيوبيا من قبل بدعم اريتريا ضدها، وتمويل الجماعات المسلحة الصومالية لشن هجمات على الحدود الإثيوبية الصومالية، كما خصصت قناة الجزيرة مساحات على شاشاتها لتسليط الاضواء على المشكلات والصراعات الداخلية فى إثيوبيا خاصة داخل القوميات المهمشة مما ادى لقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، كما انها تلعب دورا مزدوجا فى الصومال فهى من جهة تُدعم الحكومة الصومالية من خلال ضخ المساعدات المالية والعسكرية (ارسال السلطات القطرية عدد 63 سيارة مدرعة ) لحكومة فرماجو لفرض سيطرتها على باقى الأقاليم الصومالية فى نفس الوقت الذى تُدعم فيه الحركات المُسلحة الإرهابية كجماعة شباب المجاهدين بشقيها القاعدى والداعشى، وتنشط قطر فى الصومال تحت ستار جمعيات خيرية (قطر الخيرية، الهلال الاحمر، مؤسسة راف)، وكان لقطر علاقات وطيدة مع النظام الإريترى والذى من خلاله تدخلت فى شئون القرن الإفريقى وشرق افريقيا الا ان إريتريا تخلصت من هذه العلاقة. يرجع التدخل القطرى فى افريقيا الى البحث عن دور فاعل فى محيطها الإقليمى والدولى وبإيعاز من دول عظمى لتنفيذ سياسات ومصالح خارجية لتلك الدول، وذلك من خلال الوجود المكثف فى دول افريقية لها حدود مشتركة مع دول عربية فى محاولة لتطويق المنطقة العربية من حدودها الجنوبية الأمر الذى يعد تهديدا للأمن القومى العربي, كما ركزت قطر خلال السنوات السابقة وعقب العزلة العربية عليها من الوجود وبقوة فى بعض الدول الافريقية مستخدمة الرشاوى السياسية فى محاولة لتخفيف العُزلة الاقليمية المفروضة عليها، واستغلال الأسواق الافريقية، وكذا المواد الخام لمصلحة دعم الاقتصاد القطرى الذى تكبد خسائر جسيمة بسبب عُزلتها، كما يهدف وجودها فى افريقيا إلى الاستفادة من الثقل السياسى والكم العددى للدول الافريقية وكتلتها التصويتية فى المحافل الدولية تخوفا من التصويت ضد أى مشروع قرار يتهم قطر بدعم الارهاب . وفى النهاية فان الدولة التى تستطيع فتح قنوات اتصال مع جماعات شباب المجاهدين فى الصومال وجماعات التوحيد والجهاد وجماعة أنصار الدين فى مالى، وتدعم وتساند تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربى وتروج لعمليات وأفكار تنظيم القاعدة وداعش فى ليبيا، وتنظيم ولاية سيناء فى مصر، فهى فى الحق تُجيد الرقص مع الإرهاب. لمزيد من مقالات اللواء. محمد عبد الواحد